لم يفلح تظاهر اكثر من ثلاثين الف شخص يمثلون 70 هيئة اغاثة دولية في اضافة قضية ديون العالم الثالث الى جدول اعمال قمة الدول الثماني التي عقدت في برمنغهام وسط بريطانيا في 17 الجاري. فلدى القادة ازمات ساخنة مدرجة في الجدول، واخرى طارئة في حيثياتها او توقيتها. فالعالم الغربي يتجه نحو الشرق بعد ان اطمأن الى ترتيبات البيت الاوروبي، بمن فيه جناحه الشرقي امتداداً الى روسيا. وتركز انتباه القادة على وسط آسيا الى جنوبها الشرقي، خصوصاً الاحداث في اندونيسيا المنذرة بخطر اندلاع أوسع. اضافة الى بحث الأزمة المالية في تلك المنطقة واتخاذ اجراءات دولية للحيلولة دون تكرارها. وتم تقديم هذه المسائل المتفجرة على تجارب الهند النووية واحتمال دخول باكستان السباق النووي، كذلك على توقف عملية السلام في الشرق الاوسط، ودفع العملية السلمية في ايرلندا الى نهايتها المطلوبة. ومن الضغوط السياسية والاستراتيجية، الى المشاكل ذات الخطورة العالية على العالم الصناعي، كان على الدول الصناعية مواجهة مخاطر "جرائم التكنولوجيا" العالية التي ادت الى سرقة البلايين. فهناك 300 بليون دولار تطوف حول العالم الكترونياً كل يوم، وتتم 96 في المئة من تحويلات المصارف الكترونياً، ويزداد استغلال المجرمين للتكنولوجيا وسرقة الاموال والمعلومات. وأقرت القمة خطة منها تخصيص خط هاتفي ساخن على مدى 24 ساعة لمكافحة جرائم التكنولوجيا. واخيراً واجهت القمة المشكلة الأكثر سخونة، وهي تزايد ارتفاع حرارة الأرض، وفي ذلك يلوم الاوروبيون الولاياتالمتحدة ويتهمونها بأنها تدير ظهرها للمشكلة وعدم الحد من استخدام الطاقة وتنفيذ قرارات قمة دنفر في السنة الماضية التي قضت بتخفيض استخدام الطاقة. وهناك لافتة تنتقل من قمة الى اخرى، تحدد مسبقاً ذروة ما يمكن ان تسفر عنه تلك اللقاءات، وهو اقرار ما يمكن تحقيقه لا ما يجب فعله. ويقود هذا الشعار "التبريري" الامور الى جذورها، إذ يبدو العطب في اساس المصطلح، وهو اجتماع الدول الصناعية الأكبر في العالم وليس الدول الأغنى. فروسيا التي ضمت الى قمم الدول السبع لأسباب سياسية، هي اقرب الى الدول الفقيرة، وما تستطيع فعله لا يكفي لاعالتها، فضلاً عن اعانة الآخرين. واستناداً الى ذلك، فان قادة الدول الذين اجتمعوا لاقرار ما توصل اليه وزراء ماليتهم قبل اسبوع في اجتماع لندن، يرمون الى تصحيح المعادلة بين الدول الصناعية والدول المستهلكة، وكثير منها غارق في ديون يعجز عن تسديد فوائدها قبل وفاء الدين الاصلي، ثم الوصول الى وضع يمكّن من الاستيراد من جديد، ومعالجة ذلك من قبل الدول الصناعية يحتاج لحسابات باردة لا ترتفع حرارتها الا حين تتقدم هيئات الاغاثة الدولية لتظهر الوجه القبيح للفاقة، والعجز عن تأمين الغذاء والدواء. وحين يرحب القادة على مضض بهذه المطالب الانسانية، فانهم يتطلعون الى كسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها ديون العالم الثالث - وخصوصاً الافريقية - خلاصاً من الكوارث الغذائية والصحية، قبل البحث في اعادة تلك الدول الى الدورة الاقتصادية العالمية، التي حدد مهندسوها في قمة موريشيوس، ثم في قمة ليون السنة الماضية، سنة 2000 حداً لخلاص افقر الدول من ديونها بالسماح والاعفاء اكثر مما هو بالسداد المستحيل. وحين يجد الاقتصاديون ذلك وصفة ناجحة على المدى الطويل، يرى المهتمون بالكوارث الانسانية وهيئات الاغاثة ان الوضع لا يحتمل الانتظار، ولا يمكن القبول بما دون الحد الادنى من خطط الانقاذ، التي يتربع على رأسها العون الصحي الذي اخذت فيه بريطانيا زمام المبادرة بتخصيص 60 مليون جنيه لحملة مكافحة الملاريا المستشرية في افريقيا وآسيا. وترى هيئات الاغاثة ان المبلغ ليس كافياً في وقت بلغت كلفة قمة برمنغهام عشرة ملايين جنيه وهي تكفي لسداد ديون دولة معدمة مثل رواندا لسنة كاملة. وهذا بعض ما اثارته هيئات الاغاثة الدولية التي تظاهرت امام القادة الذين اجتمعوا تحت شمس ربيعية ساطعة، فقدمت لهم هيئات العون الانساني حقائق اكثر سطوعاً عن المآسي والعمل المطلوب لتخفيفها. وبسبب ضخامة القضايا المطروحة والقرارات الكثيرة المطلوبة وصفت نتائج قمة برمنغهام بانها اقل مما هو متوقع، خصوصاً وان البيان الختامي لم يذكر ديون العالم الثالث، واقتصر الامر على بيان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بحكم كونه المَضيف للقمة، الذي اعترف ان معالجة ديون العالم الثالث لم تصل الى الحد الذي يريده بعضهم. واصر على ان هناك تقدماً يجعل المزيد من الدول منخرطة في المبادرة التي ترمي الى انهاء ديون الدول الافقر بحلول سنة 2000. ويرى المراقبون ان التعهدات الجديدة دون مستوى الشروط التي اقترحها وزير المالية البريطاني غوردن براون في لقاء وزراء مالية دول الكومنولث السنة الماضية الذي انطلق من ان ثلاثة ارباع اكثر من 41 دولة الافقر في العالم ستكون في وضع افضل في ظل برنامج تخفيض الديون مع نهاية القرن. ويشمل ذلك دعم الدول الافقر ذات الحروب المحلية في افريقيا التي تعهدت الدول المجتمعة أن تبحث سبل تخفيف الديون عنها بطرق تطلق مصادر الانعاش الاقتصادي بشكل مباشر. ويصطدم ذلك بحقائق كانت موضع لوم بسبب الثمن الانساني الباهظ لتحويل وجهات الانفاق العام - وفق متطلبات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي - الأمر الذي زاد من الازمات الاقتصادية والكوارث الانسانية في آن. وتلام في ذلك الدول المقرضة، واداراتها السابقة، التي شجعت على الفساد وسوء الادارة والحروب الاهلية التي دمرت الاقتصادات الهشة. وتلام الدول الدائنة ومصارفها ومؤسساتها المالية ايضاً، لأنها مذنبة بسبب الاقراض المسرف المقترن بشروط سداد مجحفة وغير معقولة، يضاف اليها الانغماس في مبيعات سلاح غير مشروع، ومع ذلك يلام افقر الناس في افقر الدول، وهم اكثر من يعاني، وهذا يرتب مسؤولية على قادة الدول المدينة في الإسراع في مسامحة الديون كوسيلة لتغطية الحاجات الاساسية للناس الافقر. لهذا يطالب بعضهم بوضع شروط صارمة كي لا يتم تحويل العملات الاجنبية التي ستتوفر من مسامحة الديون الى المصارف السويسرية عبر حسابات للديكتاتوريين وعائلاتهم. مهما تكن المحاججة في نسبة المسؤولية المشتركة بين قادة الدول الدائنة والمدينة، وما اقرّ، وما يمكن انجازه، فان الموضوع نال حقه من المعالجة في قمم سابقة وفق ما يرى قادة الدول، وهي الولاياتالمتحدةوبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا واليابان وكندا وروسيا.