استدرجت الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان عشرات النساء الى اضواء الشأن العام للمشاركة ترشحاً وانتخاباً، وتجاوز عدد المرشحات حتى الآن الخمسين، وهو عدد لم تشهد مثله الانتخابات النيابية التي اجريت مرتين منذ انتهاء الحرب. هذا العدد دفع بنقيب الصحافة محمد البعلبكي خلال لقاء مع مرشحات الى اقتراح استبدال مقطع من بيت في النشيد الوطني يقول: "سهلنا والجبل منبت للرجال" بآخر "سهلنا والجبل منبت للإنسان"، "ما دمنا لا نريد اغفال حق النساء ولا اسقاط دور الرجال". حماسة المرأة للمشاركة في صنع القرار البلدي وفي تسلم منصب "المختار" ليست طارئة. فقد سبقت مرشحات اليوم، نساء ولكن قليلات، الى هذا العمل انما عن طريق التعيين لا الانتخاب. لذا تبدو المعركة التي سيخضنها حامية جداً، في ظل التنافس "الذكوري" على المناصب، وتعقيدات هذا التنافس الذي يقوده مسؤولون رجال في الدولة ومسؤولون رجال في الاحزاب، وفي ظل عقلية تقليدية متوارثة تميز بين حق الرجل وحق المرأة في العمل السياسي. ثمة مرشحات يعرفن اللعبة جيداً، وقررن خوض المعركة عبر المشاركة في لوائح انتخابية قد تضمن وصولهن، ومرشحات اخريات فزن بالتزكية لاعتبارات مختلفة، وغالبيتهن يخضن المعركة منفردات يعتمدن مخزوناً عائلياً لانجازات الذكور فيه كداعم أكبر او انجازات شخصية في الحقلين الاجتماعي والصحي، او في مهن مختلفة ابرزها: الطب والمحاماة والتعليم والصحافة. بعضهن يرتبط بماكينات انتخابية منظمة او قيد التنظيم، او اخرى تشكلت بعفوية من الاقارب والأصحاب، والبعض الآخر يعتمد في تقديم نفسه الى الناخبين علاقاته العائلية والاجتماعية. اما اعتماد الملصق - الصورة فهو محدود وخجول، اذا ما قورن بصور المرشحين الذكور التي تملأ اللوائح الاعلانية وواجهات المحلات والسيارات. يبقى ان برامج المرشحات لبلدياتهن العتيدة، اشبه بديكور منزل صغير يوددن ترتيبه على اجمل صورة. الدكتورة غادة اليافي طبيبة متخصصة في امراض الدم خريجة الجامعة اليسوعية عام 1967 ومرشحة الى عضوية بلدية بيروت، هي ابنة رئىس الحكومة الراحل عبدالله اليافي الذي تولى المنصب مرات عدة آخرها في النصف الثاني من الستينات، تقول ان اقدامها على خطوة الترشح نابع من حبها للعمل الاجتماعي الذي تجد نفسها فيه. هي خجولة وتفضل العمل بصمت ولا تحب الدعاية. وتقول: "لا ماكينة انتخابية لدي انما محبون، وما يقوله الآخرون في صفحات يمكن ان ألخّصه بكلمتين فأنا واقعية، اعرف ما يمكن تحقيقه وما هو غير ممكن وكل الامور تبدأ بخطوة". تطمح الدكتورة اليافي الى "بيروت عاصمة الشرق الأوسط من جديد، بيروت الخضراء لكن ما يهمني اكثر هو معاناة المواطن، واذا فزت فسأعمل على تشكيل خلايا لاكتشاف المواهب، فالطاقات مغمورة واذا أعطيَتْ الحوافز فان الانسان يهز الجبال". تدمع عيناها الزرقاوان حين تتذكر والدها "فسيرته مثل الفلّ لم يعِد احداً في حياته إلا وفى بالوعد وحين شُقّ اوتوستراد البربير - المتحف الذي عرف بجادة عبدالله اليافي رفض شراء اي ارض هناك لأن هذا حرام". ترى في تشجيع الناس لها تغييراً في العقلية حيال دور النساء "اللواتي يجب ان يأخذن حقوقهن بأنفسهن، والدين اعطاهن هذه الحقوق". وهي ترى في المرأة مواصفات نادرة في الرجل مثل الصبر والمثابرة، "اما الشباب فهم مستقبلنا وحين تجادلني ابنتي التي انشأتها على روح المسؤولية فأنا احياناً اؤيّد آراءها وأجدها محقة. فالجيل الذي عاش الحرب يبدو اكثر نضجاً ممن سبقه". زينة مزهر من ذلك الجيل الذي تحدثت عنه الدكتورة اليافي، قد تكون أَصغر المرشحات في لبنان 26 عاماً وهي خريجة الجامعة اللبنانية - الاميركية في بيروت، في قسم العلاقات الدولية، وتعمل منسقة لشؤون المرأة في مؤسسة المانية، ومرشحة الى عضوية المجلس البلدي في حمّانا في جبل لبنان، عن المقعد الدرزي، وينافسها عليه مرشح واحد. تخوض مزهر معركة تبدأ مع عائلتها وطائفتها لمجرد ان فتاة ستمثل العائلة او الطائفة. تقول: "انتمائي الى حمّانا اكثر من طائفي وعائلي، لا اريد تحدي التقاليد لكنني اريد ان اقدم شيئاً لبلدتي التي احبها وأريدها افضل". وتشير الى ان اصرارها على الترشح على رغم "النصائح" التي وجهت اليها وحتى التهديدات بتشويه سمعتها، جعل نساء كثيرات يندمن على عدم فعل الشيء نفسه. وتضيف "قيل لي ان رجال الدين ضدي انطلاقاً من تحريمهم اختلاط المرأة مع الرجل ورفع صوتها في مجالس الرجال، فطرقت بابهم وأدليت بوجهة نظري فكان الجواب أنهم لا يعارضون لانهم لا يريدون دفن طموحي انما سيكتفون بالوقوف على الحياد وأنا اعتبر ان هذا الموقف لمصلحتي". لا ماكينة انتخابية لدى زينة انما متابعة شخصية بدعم من والدتها والدها متوف وأصدقائها مع عائلات البلدة وأنديتها وشبابها طارحة هدفاً واحداً: التنمية. تقول ان اتصالاتها الحزبية سبقت الترشح ومهّدت له، وهي الآن حين تسمع من ينصحها بالانسحاب بكرامتها تجيب ان فتح الطريق امام غيرها هو الكرامة، وشعارها في حملتها "الجرأة وتحدي المعوقات بذكاء ونزاهة". معركة رلى العجوز لا تبدو في مثل هذه الشراسة، على رغم انها ومزهر من جيل واحد، هي ابنة بيروت ومرشحة الى عضوية مجلس بلديتها، خريجة الجامعة اللبنانية - الاميركية وحائزة اجازة في الاعلام وشهادة تعليم وتعمل مديرة عامة لمجلة "اجنحة الأرز" - مجلة طيران الشرق الاوسط التي أسسها والدها وفيق العجوز، وممثلة لصحيفة "هيرالد تريبيون" العالمية في لبنان ومجلتي "تايم" و"فورتشين" في القاهرة، شعار حملتها "شباب بيروت من اجل بيروت سيدة العواصم". وتبدو العجوز اكثر المرشحات تنظيماً في حملتها، قد يعود الامر الى خبرتها في حقل الاعلام والاعلان، فهي طبعت مئة الف كتيّب عن سيرتها الذاتية وبرنامجها الانتخابي ووزعتها في كل الاحياء وعلى المشاة والسيارات، ومن ابرز بنود برنامجها جعل بيروت اكثر اخضراراً وتوحيد لون السيارات العمومية المرخّصة وتزيين الشوارع بالأعمال الفنية وتنظيف جدران المدينة وتزيين ورش البناء بجداريات ثقافية وإنشاء "بارك" جوال وبناء مواقف للسيارات تحت الارض وإنشاء الحمّامات العمومية الى مشاريع اخرى تعنى بالقطاع السياحي والثقافة وتنظيم العمل الاداري في البلدية. تصرّ العجوز على استقلاليتها "التي لاقت تشجيعاً من كل الاطراف"، وهي سمعت عن لائحة للحريري وترحب بأي اتصال يتم معها وتقول: "انا فتاة عملية، لا اريد لافتات كبيرة اريد ان اكون حجراً صغيراً مثل حجر اول طفل فلسطيني في الانتفاضة". الاستقلالية سمة المرشحة رلى الحوري وهي من جيل الشباب ايضاً. واذا كانت الاتصالات معها افلحت في انضمامها الى "لائحة بيروت" فهي ترى ان اللائحة لا تعكس انتماءها السياسي. وهي لم تعلق صوراً لها في الشوارع "لأني سافرة وقد اخسر اصوات الجماعات الاسلامية". المحامية وفاء نصار مرشحة الى عضوية المجلس البلدي في الغبيرة من ثلاث مرشحات تقدمن في هذه المنطقة. تريثت كثيراً قبل ان تلصق صورها في الشوارع قبل ايام قليلة من موعد الاستحقاق، "لأن المعركة كسر عظم والمرشحون 97 ل21 مقعداً". تقول انها اعتمدت في ايصال صوتها زياراتها للعائلات وانها تلاقي ترحيباً حتى من رجال الدين. وترى "ان تبدل الصراعات التقليدية فرضته الظروف التي تعيشها الضاحية الجنوبية والرغبة في ممارسة الحق الديموقراطي بعد سيادة ذهنية التسلط". السيدة نزيهة السيد مرشحة الى عضوية المجلس البلدي في صيدا. تعتبر ان وصول بهية الحريري الى المقعد النيابي وإثبات وجودها من خلاله سلط الاضواء على امكانات المرأة في صنع القرار. وتعتبر السيد نفسها مقبولة من كل القوى السياسية. فلها رصيدها الاجتماعي وهي عملت 20 سنة في وزارة التصميم ثم الاسكان وتعمل الآن في جمعيات اهلية. وتبدو السيدة عليا الزيات الاكثر ارتياحاً الى امكان الفوز بعضوية مجلس بلدية صور، فهي القابلة القانونية في المدينة لعشرات السنين. وحين نسألها عن سنها تهمس الينا بانها تجاوزت الستين، بل الخاسمة والستين. وتقول انها ليست في حاجة الى تعليق صورها. يكفي ان امشي في الشارع لينادوا عليّ ومن ولّدتهم في الامس اصبحوا آباء وامهات وهم يشجعونني على الترشح. السيدة الزيات المحجّبة تقول انها اول امرأة صورية درست خارج لبنان وتحديداً في القدس والأردن وأول امرأة في مدينتها قادت سيارة، وترى في رصيدها هذا ما يكفي للفوز خصوصاً أنها المرشحة الوحيدة حتى الان وترفض الدخول في اي صراع سياسي او حزبي على مدينتها. وتخلط السيدة ليلى فليفل الترك المرشحة الى عضوية بلدية بيروت بين الشعارات السياسية العامة وما يمكن ان تقدمه الى العمل البلدي. والترك التي تعتمد مخزونها العائلي وطلابها، هي منسقة مادة العلوم في مدرسة "ليسيه عبدالقادر". وترفض رفضاً قاطعاً تعليق الصورة "لانها مسيئة الى البيئة، وأنا اكره حب الظهور". وتقول "لست في حاجة الى ان اعرّف عن نفسي فأنا عنصر فاعل في المجتمع وأترك للناس اتخاذ القرار". يبقى ان ثمة سيدات دخلن تجربة الانتخابات ونجحن من دون معارك، اي بالتزكية، وبين هؤلاء السيدة ميرنا المر مجازة في الحقوق كريمة نائب رئىس مجلس الوزراء وزير الداخلية ميشال المر، التي ترشحت الى منصب رئيسة مجلس بلدية بتغرين وكان لها ما ارادت. تقول: "بتغرين عائلة واحدة وأنا نشأت في بيت مفتوح على السياسة والعمل الاجتماعي وبرنامج عملي يبدأ بالحجر وصولاً الى مكتبة عامة ومركز للموسيقى والكومبيوتر". اما السيدة نبيلة فارس فهي مختارة الرابية بالتعيين منذ 13 سنة وتمت تزكيتها في هذه الانتخابات لست سنوات اخرى. تقول انها تلقت طرحاً بالترشح الى المجلس البلدي لكنها رفضت لأنها تفضل التعاطي مع الانسان على الحجر. فالبلدية ممتلكات ومصالح وماء وكهرباء وطرق. اما المخترة فهي خدمة حياة المواطن. "شيخة الضيعة" كما يسمّونها وهي متطوعة منذ 40 سنة في "الجمعية اللبنانية لضمان حياة الطفل في لبنان". تعتز بمجاملة خصّها بها احد المواطنين حين قال: لن يجدوا افضل منك "بروفيشينل".