جورج جبور الميثاق العربي لحقوق الإنسان - عرض وتحليل ونقد دار العلم للملايين، بيروت 1998. 91 صفحة. بحلول عام 1998 يكون قد مضى على صدور الاعلان العالمي لحقوق الإنسان خمسون عاماً. والدكتور جورج جبور كان من أوائل أولئك المثقفين العرب المهتمين بقضايا حقوق الإنسان العربي الذين دعوا إلى جعل العيد الخمسين للاعلان مناسبة لاحياء ملف حقوق الإنسان العربي وإبرام الميثاق العربي لحقوق الإنسان. ويعد كتاب جبور حلقة جديدة في سلسلة كتبه التي تناولت ذلك الموضوع القديم المتجدد، حيث كان قد سبق له أن أصدر في 1990 كتاباً بعنوان "العرب وحقوق الإنسان" وفي 1995 كتاباً بعنوان "حقوق الإنسان العربي في عالم اليوم". يبدأ المؤلف كتابه بتقديم لمحة عن جهود جامعة الدول العربية من أجل إصدار الميثاق العربي لحقوق الإنسان، ثم يعرض الميثاق عرضاً عاماً محللاً ما يتضمنه من مواد، ثم يكرس مساحة خاصة لنقد الميثاق. وعن بداية جهود الجامعة العربية للاهتمام بحقوق الإنسان، يقول جبور إن هذا الاهتمام جاء متأخراً لمدة تقرب من ربع قرن بعد انشائها، ولعل السبب المباشر لهذا الاهتمام إنما أتى مستورداً عام 1968 ضمن إطار الجهد الدولي الذي بُذل بمناسبة الذكرى العشرين لإصدار الاعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأول قرار اتخذته الجامعة في ميدان حقوق الانسان هو الصادر بتاريخ 3/9/1968 الرقم 2443، والذي تضمن توجيهاً بإنشاء "اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان". بعد ذلك عقدت الجامعة مؤتمراً حاشداً في بيروت بين 2 و10/12/1968 وكان في عداد قراراته القرار الرابع الذي نصّ على دعم العمل العربي المشترك لمصلحة حقوق الإنسان من خلال اللجنة الدائمة التي تقرر انشاؤها في الجامعة. ونصت قرارات مؤتمر بيروت كذلك على تشجيع انشاء لجان وطنية لحقوق الإنسان في كل قطر عربي، وذلك بالتعاون مع اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في جامعة الدول العربية. وهذه اللجنة سرعان ما اقترحت على الامانة العامة للجامعة وضع "مشروع ميثاق عربي لحقوق الإنسان". وفي 10/9/1970 شكل مجلس الجامعة لجنة من الخبراء تتولى مهمة إعداد مشروع إعلان لحقوق الإنسان العربي، وقامت اللجنة فعلاً بمهمتها، وعرضت على الدول الأعضاء مشروعاً بهذا الشأن. وفي 1994 قامت لجنة مختصة بصياغة ميثاق عربي لحقوق الإنسان. وصادق مجلس الجامعة العربية على المشروع العربي يوم 12/9/1994 فأصبح بذلك الميثاق العربي لحقوق الإنسان. وفي الدورة ال 102 بتاريخ 15/9/1994، وافق مجلس جامعة الدول العربية على هذا الميثاق تمهيداً لعرضه على الدول الأعضاء لتوقيعه والتصديق عليه. أما الجزء الثاني من محتويات الكتاب فيتضمن استعراضاً كاملاً لمواد الميثاق البالغة 43 مادة، إضافة إلى ما وضعه المؤلف من رؤيته بشأن كل مادة على حدة، سواء من خلال تعليقه على بعض المصطلحات الواردة في المواد، أو من خلال استغرابه خلو هذه المواد من بعض الأفكار التي وجدها مهمة وضرورية لإغناء الميثاق العربي لحقوق الإنسان واستدراك نواقصه. وفي ما يتعلق بالميثاق بصورة عامة، أفرد جبور مساحة لنقده، واعتبر أنه رغم ان صدور الميثاق بحد ذاته يُعد نصراً كبيراً لقضية حقوق الإنسان في الوطن العربي، إلا أنه من المخجل أن يغفل الميثاق بعض الأفكار الأساسية التي تعد نقاطاً رئيسية في مواثيق حقوق الإنسان كحق التعبير والحق في انتخابات نزيهة، وحق التجمع السياسي الذي يعتبر من المسلّمات الآن رغم ان الاعلان العالمي لم يتطرق إلى ذكره. كذلك أفضل الميثاق العربي ما يشير إلى حماية الملكية الفكرية، ثم كان من الغريب أنه لم ينص على الحقوق الجديدة - رغم أنه ولِدَ حديثاً جداً - كالحق في النمو، والحق في بيئة نظيفة، والحق في الاعلام. وهذه الأمور جميعها من صميم ثقافة اليوم في مجال حقوق الإنسان، ما دفع المؤلف إلى التساؤل هل أن تخلف مستوى صائغي الميثاق عن مواكبة التطور وصل إلى هذا الحد غير المقبول؟ إذ لا يوجد في الميثاق إلزام خاص على الدول تضيق به هذه الدول. وثمة احالات متكررة إلى القانون، والقانون بيد الحكومات كما هو معروف. ولا شك في أن الاتجاه الفقهي الراهن لدعاة حقوق الانسان يمقت الاحالة إلى القانون، إلا أن الميثاق مليء بهذه الاحالات، لذلك لا يصحّ القول إن تغييب ما غُيّب من حقوق إنما كان الهدف منه عدم اغضاب الحكومات. فالتغييب هنا جاء لجهل علمي لا لدهاء سياسي. والميثاق نتيجة ذلك فضيحة كبرى ليس فقط بمعيار ما أعطى من حقوق وما غيب، وإنما كذلك بمعيار المواكبة العربية لاتجاهات العلم المعاصر في مجال حقوق الإنسان. إضافة إلى ذلك، فالميثاق لم ينص على ضرورة انشاء هيئات وطنية لحقوق الإنسان كما نص على ذلك مؤتمر بيروت عام 1968، وهو ما وافق عليه مجلس الجامعة العربية. ويختم المؤلفه كتابه بالاشارة إلى أن ثمة من يهاجم العرب، جملة وتفصيلاً، متهماً إياهم بأنهم غريبون عن مفاهيم حقوق الإنسان، منتهكون لهذه المفاهيم. وكلنا يعلم أن مهاجمي العرب هؤلاء لا تحركهم دائماً الدوافع النبيلة، بل دوافع سياسية ومصلحية معروفة هدفها النيل من هذه الأمة ذات الرسالة الخالدة. ويدعو جبور أخيراً إلى دفع الذرائع الغربية من خلال تحسين حال حقوق الإنسان في الوطن العربي انسجاماً مع الماضي العربي، الذي انتج أقدم ميثاق لحقوق الإنسان تجسّد في حلف الفضول، ووسيلة لمستقبل مشرق للعرب، وارتقاء باتجاه موقع ان بلغوه استطاعوا تقديم خدمة للإنسانية بأجمعها