يا صديقي على حدود الكبرياء أَبْحث عن لُغةٍ تكونُ على مُستوى قامتِكْ... ولكنَّكَ طويلٌ طويلٌ واللغةُ قصيرةٌ قصيرةْ يا مَنْ وَسعتْ حقائب شِعرِهِ الكونَ كلّه... بشموسه وأقمارِهْ.... ولَيْلهِ... ونهارِهْ... وغاباته... وبِحارِهْ * * * أيُّها الواقف كالورْدِ في شريانِ الوطنْ يا مَنْ ظلّ يُغنّي انتصارات العرب... وانكساراتِ العرب... وأفراح العرب... وأحزان العرب الى أن توقّف عن الكتابةْ. لقد أصبحتَ ضرورةً قوميّةْ أيّها الرُّمحُ المزروعُ في لحمِ الابجديّةْ أنتَ الذي جعلتَ حياتنا أكثر اخضِراراً... وأحاسيسنا أكثر شفافيّة... وكِتاباتِنا أكثر ثورةً وحضارتنا أكثر حضارةْ * * * أيّها الحصان المستحِمُّ ببرقِ القصائِدْ... لم تترُكْ بيتاً الا دخَلْتَهُ... ولم تتركْ طفلاً الا ولعبت معه... ولم تتركْ عاشقاً الا احتضنتهْ ولا عاشقةً الا اهديتها ديوانَ شِعرْ وعلَّمتها كيف تكتشفُ أنوثَتَها. * * * أيّها الداخلُ في تفاصيل الزَمَنْ لم تكنْ شاعراً عابراً في حياتنا بل كُنتَ خلاصةَ أيّامِنا... لم تكن شاعراً سرّياً نُخبئه تحت معاطِفِنا.. بل كُنتَ مطراً شِعرياً ضربَ نوافذنا... واستوطن فكرنا. * * * يا صديق الانسان... يا أيّها العِملاق الذي لا يمكن للحلْم أن يَصعدَ اليه... خمسةٌ وسبعون عاماً وأنت تُقاتل القبح بجميع اشكالِه... والخيانةَ بجميع اسمائِها والقمعَ بجميع اشكاله والديكتاتوريات بجميع أقنِعَتِها والفكرَ البوليسيَّ بكل ممارساته وكلّ سلطةٍ بوليسية حاوَلَتْ اطفاء قناديل الحريّة وكلّ سُلطةٍ فرضت الرقابة على عقل الانسانِ وشفتيهْ. أيّها السيفُ الذي حَمَل بيده مفاتيح القصائد وعناوين الوَطن... نادرٌ أنتَ في تصوُّفِك السياسي... نادرٌ أنت في طهارتِك القوميّةْ... نادرٌ أنت بنظافةِ الروحِ ونظافةِ اليد... تعِبتْ خيولٌ كثيرةٌ من الصهيلْ ولكنّ خُيولَكَ لم تتعَبْ وانكَسَرتْ سيوفٌ كثيرةٌ من الصليلْ ولكنّ سَيْفَكَ لم ينكسِرْ. * * * يا عصفوراً مِن عصافير الحُريّةْ يا شاعرَ كُلِّ الفصول مَعَ قمر الصيفِ تأتي ومع سيمفونية الامطار تأتي ومع التماعات البرق تأتي ومع حُزْنِ الصواري تأتي ومع بُكاءِ الوطن تبْكي ومع نزيفه تَنزِفْ يا أيّها النِّسْر الشُّجاع الذي حمل تحتَ جناحيْهِ مئَتي مِليون عرَبي... ومليونَ مئذنةٍ ومليونَ قصيدة وطارَ مِنَ الماءِ الى الماءْ ومن الرمل... الى الرمل... ومن الجُرحِ... الى الجُرحْ وكانَ عن جدارةٍ وجدان العرَبِ وضميرَهُمْ والناطِقَ الرسميَّ بلسانِ مَنْ لا لسانَ لَهُمْ... * * * أيّها المكتظّ بياسمين دمشقَ وفاكِهةِ الغَوْطَتيْن يا مَنْ عمّرت القصائِد على الطراز الشاميّ فحروفُ أبجديتكَ مُقتلعةٌ من أحجارِ بيوتها... وفُسيفساءِ مَساجِدها... وأسوارِ بيوتِها... فدمشقُ استوطَنَتْ كِتابتَكْ وشَكّلتْ جُغرافيتُها جزءاً كبيراً من شِعرِكْ أيّها العُصفور العربي يا قَمَر الحُريَةْ لست أوّلَ شاعرٍ يَرْحَلْ ولن تكونَ آخرَ شاعرٍ فقصائِدك ستظلّ هي السنابلُ الذهبيّةْ التي تُطعِمُ الجائعينَ... قمحاً وحريةْ * * * يا صديقي الشاعرْ لا تقلقْ على قصائِدِكْ... فالفنُّ العظيم، لا يموتْ... وأَرْوَعُ ما في تاريخ الأَدَبْ القصيدةُ النزاريةْ 1/5/199