على رغم طبيعة المواضيع التي اختارها للوحاته، فإن الفنان ناصر نعسان آغا يترك القلق يجتاح المكان الذي يشكله، فتظهر تكوينات حلب القديمة مسكونة بألوان نارية مليئة بالحياة وتخترق الماضي ثم تكونه بعين جديدة. فإذا كانت تشكيلات العمارة متشابهة، فإنها ضمن رؤية بصرية خاصة تبدو فيضاً من المشاعر يتبدل عند كل زاوية من المدينة، فالأقواس والشرفات وبوابات المنازل المزخرفة تحتضن حياة هاربة من الماضي ومزروعة في حركة الحاضر دفئاً وحنيناً. فلا يترك الفنان للمشاهد مجالاً لمراقبة التفاصيل أو الغوص في حدود المكان الذي يرسمه، فهناك مساحة لونية تكسر مجال الرؤية التوثيقية وتحيل واقعية الموضوع المعماري إلى قصيدة بصرية. نلاحظ أن الفنان اختار مجموعات لونية متنافرة أحياناً لإبراز رؤيته نحو مدينة تملك امتداداً زمنياً عميقاً، فهناك ألوان نارية مثل البنفسجي والأحمر تنطلق من زوايا اللوحة باتجاه التشكيل المعماري والمجسد. ومع أنه حافظ على الألوان الأساسية لبعض التشكيلات مثل الأصفر الذهبي لأسوار الشرفات، فإن تداخلات الألوان تعيد ترتيب جماليات البيت الحلبي وتضفي عليه حياة جديدة. وفي الوقت الذي يبدو الموضوع المشكل رومانسياً لأبعد الحدود، يفاجئنا الفنان بنزق ريشته ليقتحم سكونية الأشياء بألوان يبعثرها على التفاصيل. فنشاهد اللون البني المحروق وفق تشكيلات صغيرة يغطي مساحات من الأبنية، أو يجمع جملة من التشكيلات المعمارية في لوحة واحدة ويترك امتداداً للون الأبيض ينساب بشكل متدرج. لكن هذا الاختيار اللوني لا يحمل أي هدوء لأنه يختلط عملياً مع المجموعات اللونية الأخرى القلقة، فيمزق التوازن اللوني المفترض ويقدم تناقضاً صارخاً ما بين إشراقة اللون الأبيض وقتامة البني المحروق. ولدى تحليل لوحة ناصر نعسان آغا فإننا نجد عنصرين أساسيين: الأول، هو التشكيلات المعمارية الحاضرة بشكل دائم ضمن تفاصيل مختلفة. والثاني، اختراق تجريدي ينطلق أحياناً من وسط اللوحة أو من زواياها نحو الوسط. وهذا التشكيل يغير من واقعية الموضوع ويحلق به وفق خيال بصري يحرك باللون أشكال اللوحة. فلا يحتاج الفنان لرسم البشر أو الوجوه للتعبير عن الحياة التي تختفي تماماً من لوحاته. ويبقى التداخل ما بين الواقع المشكل بالعناصر المعمارية والحس التجريدي الذي تجسده الاختراقات اللونية للوحة التعبير الأصدق عن حركة الحياة. فتنقل توتراً واضحاً في الرؤية الجمالية إلى الفنان، وهو يبحث عن التكوين الجديد لمدينة قديمة، فيستخدم تقنيات لونية تبدأ أنيقة ومنسجمة ثم تصبح فوضوية في وسط اللوحة، لكنها لا تشوه التكوين المعماري، بل تترك ظلالاً جديدة عليه تبرز جمالية بعض عناصره وفي الوقت نفسه تغرسه في الذاكرة. فالفنان يرى حلب هاجساً فنياً ينطلق في كل لحظة ليخلق مشاعر متفاوتة يصبح الماضي فيها حاضراً، فتشكل المساحات وفق علاقة لونية غريبة يتعايش فيها الهدوء والقلق ويختلط السكون بالتوتر والشوق.