ربما كانت دمشق القديمة موضوعاً اعتيادياً عند الفنانين السوريين اجمالاً، فالتشكيل العمراني والجماليات الفنية للبيوت جذبت اهتماماً كبيراً وكونت تراثاً فنياً. لكننا في معرض نزيه بحبوح نجد التصوير الضوئي للمدينة في اطار جديد، فهو استطاع بعدسته إعادة صياغة النمط العمراني وفق علاقات ضوئية متميزة، فخرج عن مجال التوثيق المعماري أو التقاط التراكب ما بين الماضي والحاضر في تمازج أدوات العصر مع سمة الحارات، وقدم "لحظة ضوئية" يتواكب فيها الظل والنور في رؤية فنية تدخل في عمق جمال المدينة القديمة. اختار الفنان عنوان "علاقات ضوئية" لمعرضه ملخصاً بذلك التعبير الفني الذي التقطه من داخل المدينة، فلا نجد صورة شاملة بل مشاهد صغيرة تختفي في معظمها حركة الأشخاص لتبقى العمارة العنصر الرئيسي. فهو يصور مداخل الأزقة أو جدران المنازل أو البوابات والنوافذ في "لحظة" خاصة من تداخل الظل والنور، فيبدو الموضوع المختار بعيداً عن التكوين الواقعي الذي تجسده الرؤية المباشرة للعناصر المعمارية، ويدخل ضمن تشكيل يصور التواصل ما بين تقنية التصوير واحساس الفنان بالموضوع الذي اختاره. هناك محاولة واضحة المعالم "لتجريد" الصيغة الضوئية التي استخدمها الفنان، وادخالها في تجربة يلعب فيها الخيال دوره عبر اختيار زاوية الرؤية أو لحظات التوافق ما بين الظل والنور. ويوجد منظور فوتوغرافي مختزل يحاول تجسيد مساحات صغيرة من المدينة، فدمشق كانت مسرحاً لمحاولات الفنان ايجاد صيغة ضوئية، والصور الملتقطة رحلة عبر جدلية الظل والنور لاكتشاف رؤية أعمق من النظرة المباشرة الى الأشياء. ففي الوقت الذي يظهر التوافق ما بين الظل والنور والتكوين المعماري تلتقط عدسة الفنان الصورة. لم يكن اختيار المواضيع بعيداً عن الصيغة الضوئية المنتقاة من الفنان نزيه بحبوح، فهو بقي خارج المنزل الدمشقي ينتظر مشهده ليحصل على أكثر العناصر جموداً في تكوين المنازل الدمشقية. فالتفاصيل الفنية المتواجدة على الجدران الداخلية أو أشكال التطعيم اللوني للنوافذ كانت خارج اهتمامه، لأنه أراد لصوره أن تنطلق من أسر الجمال الذي نستطيع ملاحظته في نظراتنا الأولى الى الزخارف التراثية. فهناك لحظات فنية لتعرج الأزقة الضيقة أو للون الخشبي القاتم الذي تحمله النوافذ القديمة، وهذه التكوينات التقطها الفنان ببراعة مسجلاً شكلاً بصرياً لا يمكن ملاحظته في الحالات الاعتيادية، وفي الوقت نفسه استطاع أن يضمن صوره عناصر جمالية تقليدية وانما وفق تشكيل جديد، فعندما دخل الى قلب المنزل الدمشقي صوّر الباب وتداخل الياسمين مع المدخل العام للمنزل. وإذا حاولنا النظر إلى مواضيع الظل والنور سنجد أن الفنان لم يكتف بتداخلهما، بل صوّر احياناً النور الكامل في انعكاسه على المنازل أو الظل وهو يرتمي على الحواري الدمشقية، فقدم بذلك صيغاً متفاوتة لمحاولاته تقديم جمالية المدينة في مراحل النهار أو بداية المساء. * المعرض في معهد غوته - دمشق المركز الثقافي الألماني من 1 إلى 19 نيسان ابريل.