كانوا في صفوف طويلة، شباناً وشابات يجلسون على الأرض، يتحدثون عن المسرحيات الموسيقية التي تغزو لندن حالياً او في طريقها الى المسارح الكبرى. لم يجد احد منهم تعليلاً كافياً. فهناك آراء متعددة في هذه الطفرة... ولم لا؟ فالباب مفتوح للخسارة والربح معاً عندما يتعلق الأمر بالانتاج الموسيقي في عاصمة البحث عن الجديد. انتقلت الانظار الى شباك التذاكر في مسرح "شافتسبوري" حيث افتتحت امس الأول الأربعاء مسرحية "RENT" "ايجار". يخصص المسرح عدداً محدوداً من التذاكر المخفضة للطلبة، وعليهم الانتظار في صفوف للحصول عليها قبل ساعة من العرض حسب الاسبقية. الاقبال على المسرحية الاستعراضية من طرف الشباب كبير وملفت، ربما للسمعة التي سبقتها من نيويورك، أو لأنها حصلت على جوائز عدة اثناء افتتاحها هناك العام الماضي. لكن المرجح لأن اجواءها تشبه تجربة الطلبة ومعاناة المبتدئين في الفن خصوصاً المسرح والغناء. منهم من يرى ان المسرحية تشبه "هير" و"ويست سايد ستوري" التسعينات. وهذه التشبيهات قادمة من اميركا لا محالة، فالعرض مستورد الى لندن بالممثلين والاعلان وقصص النجاح الذي حصلت عليه المسرحية في برودواي... ولا يزال يرافقها في مدن اميركية عدة! لا مجال للحجز الا بعد اسابيع كثيرة. فما هي الاسباب او الاسطورة التي تحيط بها؟ كل الذين تتحدث معهم، من المنتج الى الممثلين، يعطونك تفسيراً واحداً، وهو ان المسرحية ضربت وتراً في نفوس الناس، وانها تعبر عن معاناة انسانية في محاولة للعثور على صوت وتعبير عن وجود. ثم هناك قصة ملحنها جوناثان لارسون الذي اشتغل في اعداد المسرحية لفترة طويلة عندما كان يعمل نادلاً في احد مطاعم نيويورك الفاخرة. ثم حاول العثور على منتج يقدمها. وبعد سبع سنوات من المعاناة وافق مسرح صغير على عرضها لأسابيع محدودة. لكن لارسون مات ليلة الافتتاح بسكتة قلبية عن 35 عاماً. وكثيراً ما يقارن الممثلون بين موت الملحن والأغنية الاولى في المسرحية التي تتحدث عن انفجار عرق في الجمجمة. بل انهم يذهبون الى حد انها كانت نبوءة بموته. المقارنات في المسرحية كثيرة خصوصاً بين أبطالها، الا انها لا تخرج عن نطاق الابداع الدرامي. وفي حين انها مقتبسة عن أوبرا "لا بوهيم" لبوتشيني فقد تحول مرض السل في الاوبرا الى مرض للإيدز، وصارت شخصية رودولفو شخصية روجر، وهو موسيقي يبحث عن فرصة لاعداد استعراض غنائي قبل ان يقضي عليه مرض الايدز. يصفونها بأنها اوبرا عن المخدرات والموت والجنس والحياة بموسيقى الروك. اشخاصها من الشباب الذين يشتركون في مسكن كأنه مستودع تجاري في منطقة فقيرة في نيويورك يختلط فيها المدمنون والمتشردون برواد المسارح. طموح هؤلاء الشباب لتحقيق أحلامهم الفنية موضوع مستهلك كله تقريباً، فما هو الجديد هنا؟ انه الأغاني: فهناك حوالى 30 مقطوعة، نصفها جيد الاعداد والتنفيذ والأداء. ثم الديكور المصنوع من الحديد: سيارات محطمة وأعمدة وسلالم. العازفون يشتركون مع الممثلين على الخشبة. وهؤلاء يعبرون عن خلية اجتماعية تشمل كل العناصر: المنبوذ والمتشرد والشاذ والطموح والذي يعيش في اللحظة. كل منهم يحاول التعبير عن حالته في صدق مهما كلفه ذلك من مشقة او سخرية. الأداء والاخراج متماسكان لكن خيوط القصة ضاعت في محاولة التأثير. لم يمنع هذا ان يحصل الاستعراض على جوائز عدة منها جائزة "طوني" ونقاد الدراما وجائزة "بوليتزر" لأفضل مسرحية.