تلقى اسرائيل الحماية والدعم والمساندة لتصبح أقوى آلة عسكرية في المنطقة، وها هي التقارير السنوية التي ينشرها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية توضح ان حجم ميزانية الدفاع الاسرائيلية وصل عام 1996 الى 8.9 مليار دولار شاملاً المساعدات الاميركية لاسرائيل 1.9 مليار دولار. وتشير التقارير الى صفقات رئيسية سلمت الى اسرائيل خلال عام 1997 منها 25 مقاتلة قاذفة من طراز اف - 151 و42 وحدة مدفعية صاروخية و85 قطعة مدفعية أم - 26 وعدد غير محدود من حاملات الجند المدرعة، وكلها أسلحة اميركية. كما ستدخل الخدمة انظمة تسليحية متقدمة يتم تطويرها أو انتاجها في الداخل بالتعاون مع الولاياتالمتحدة الاميركية، فضلاً عن قوة اسرائيل الضاربة من دبابات قتال يصل عددها الى 4300 دبابة رئيسية، اضافة الى 4500 قطعة مدفعية وراجمات صواريخ و449 طائرة مقاتلة وقاذفة، وطائرات هليكوبتر وغواصات وزوارق للصواريخ، تضاف الى ترسانة اسرائيل النووية التي تشكل أكثر من مئة صاروح لحمل الرؤوس النووية التي تدعمها ترسانة بيولوجية وكيماوية ضخمة. وفي المجال السياسي لا تتورع الولاياتالمتحدة عن استخدام حق الفيتو في مواجهة أي قرار يدين أعمال اسرائيل وانتهاكاتها لحقوق الشعب الفلسطيني أو يدين احتلال اسرائيل لأراضي الدول العربية. أما العرب فلهم مكيال آخر متساهل في أمر حقوقهم غير المكترث بها. وهذه شهادة من مسؤول اميركي كبير، هو وزير الدفاع وليم كوهين - أدلى بها أمام لجنة الاعتمادات التابعة لمجلس الشيوخ - وأوضح بعض الأسباب التي تقف وراء ضعف التحالف الدولي الذي انشئ خلال أزمة العراق، فقال ان السكان في المنطقة لا يعتقدون اننا نضغط ما يكفي لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط الى أمام ويعتقدون ايضاً اننا نقيس بمقياسين، ولا يعتقدون اننا منصفون أو عادلون أو نضغط بقوة لنصل الى تسوية سلمية. وأضاف: "ان الناس يعتقدون اننا أيضاً متلهفون لمعاقبة العرب وغير تواقين لمعاقبة الاسرائيليين"، ثم قال: "ان هذا الانطباع لدى العرب يعقد الأمور ولا أقول انه صحيح لكنها سياسات داخلية على هذه الدول التعايش معها". الشهادة تلقي الضوء على حقيقة الفكر السائد عند المسؤولين الاميركيين ومدى فهمهم للرأي العام العربي، فهم يدركون الأفكار والمشاعر لدى شعوب المنطقة، ومدى الاحساس بالظلم الناتج عن سياسة الكيل بمكيالين. والتفرقة في المعاملة بين العرب واسرائيل. أما تعليق وزير الدفاع الاميركي عن انطباع لدى العرب يعقد الامور، فيوضح التجاهل وسوء النية. فمن هو المسؤول عن تعقيد الأمور؟ هل هي الدول العربية أم اسرائيل التي تحتل أراضي عربية وترفض تنفيذ قرارات مجلس الأمن اعتماداً على التأييد الاميركي الكامل؟ ومن هو المسؤول عن تعقيد الأمور: هل هي الدول والشعوب العربية أم الولاياتالمتحدة التي تقف وراء اسرائيل وتمدها بالمعونات والمساعدات العسكرية والسياسية؟ هذه المفارقة في المعاملة لا نجد لها تفسيراً منطقياً أو حتى في السياسة التي تقوم على فكرة المصالح، فإن مصلحة الولاياتالمتحدة تتحقق مع الدول العربية مرات عدة اكثر من مصالحها لدى اسرائىل. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل تستطيع الولاياتالمتحدة ان تعامل اسرائيل المعاملة التي تعامل بها العرب على رغم انها لم تنفذ أياً من قرارات الاممالمتحدة أو مجلس الأمن ولم تنفذ أياً من تعهداتها في اتفاق السلام الذي تنكر رئيس وزرائها له؟ أين السلام الذي ترعاه اميركا التي اصبحت سياستها في الشرق الأوسط تتعرض لنقد شديد وكارثة محققة لعدم استطاعتها التصدي لتعنت نتانياهو الذي ادخل عملية السلام برمتها في نفق مظلم مسدود؟ ولا نريد ان نشتط في القول فنطلب منها تحريك قواتها وحشد أساطيلها، فإن هذا أمر مستحيل الوقوع، لم تفعله الولاياتالمتحدة في تاريخها ولا ننتظر منها ان تفعل، لأن اسرائيل مزروعة في المنطقة شوكة. حقاً ان الاخطاء القاتلة التي يقع فيها بعض القادة العرب سهلت على اسرائيل مهمتها ومكنتها من تحقيق أهدافها، وأقرب مثال لذلك عدوان نظام صدام حسين واحتلاله الكويت ورفعه شعار "أم المعارك" وما ترتب على ذلك من آثار وخيمة أدت الى اذلال شعب العراق الذي اكتوى بنار واخطار ديكتاتورية صدام التي ألقت بظلالها الكثيفة على مستقبل العلاقات العربية - العربية. أبسط قواعد المنطق تبين لنا ان الأمة العربية مستهدفة، عسكرياً واقتصادياً وحضارياً، ولتحقيق هذه الاهداف العدوانية لا بد ان تظل مفككة - كل دولة مشغولة بنفسها - فهذا هو الهدف الحقيقي لاسرائيل وللولايات المتحدة ومن يسير في فلكها، وبالنسبة لبريطانيا فما هو المعنى لتحركها المتشدد خلف اميركا ضد المصالح العربية بينما لم تقف هذا الموقف عندما حاربت الولاياتالمتحدة في فيتنام بمفردها حرباً جرت عليها الويلات. ما نريد توضيحه ان الأزمة العراقية وتداعياتها التي تسبب بها صدام حسين تؤكد الضرورة القصوى لحشد الطاقات العربية حتى لا تسقط في "الفخ الاسرائيلي" الذي استغل رغبة العرب الصادقة في السلام العادل وجيرها الى حلقة مفرغة واتفاقات عرجاء عوجاء. والأمر يستدعي وقفة تأمل عربية جادة تكشف لعبة حكومة الليكود البعيدة عن مفهوم السلام العادل الذي سلك العرب طريقه ولم يصلوا. وهذا يتأتى بتوسيع آفاق التعاون العربي، والنظر الى الواقع نظرة لا تقف عند حدود اللحظة الراهنة.