كل ما تبقى يقارب من 8 اشهر على تدشين الاتحاد الأوروبي للعملة الموحدة يورو المقرر في اليوم الأول من عام 1999، بعدما رأت مؤسسة النقد الأوروبية ان 11 بلداً تملك المواصفات الاقتصادية اللازمة للدخول في العملة الأوروبية الموحدة التي ستحل محل العديد من العملات الوطنية لدول الاتحاد المشاركة فيها بسعر صرف سيتم تحديده في مطلع العام الجديد، وقيمة العملات التي ستشارك فيها عند تدشينها، فسيتم تحديدها على اساس ما اذا كانت كل دولة من هذه الدول توصلت عملياً الى تحقيق المعايير الاقتصادية المقررة وفقاً لمعاهدة "ماستريخت" التي أقرت عام 1991، وهي المعايير التي تضمن لكل دولة مشاركة ضوابط الموازنة واستقرار التضخم وسعر الصرف، وتقارب بأسعار صرف عملاتها. وبغض النظر عن الاصوات المعارضة لهذا المشروع الكبير، الا ان البعض، هنا في ايطاليا، يرى بأن مشروعي الوحدة السياسية والنقدية للدول الاعضاء، لا يمك فرضهما من اعلى. ولا شك في ان هناك اسباباً تجعل ائتلاف اليسار - الوسط تحالف الزيتون متحمساً للغاية لدخول ايطاليا. وبدأت المسألة عندما واجه هذا التحالف ازمة اقتصادية كبيرة تميزت بخصائص فريدة عن شقيقاتها الأوروبيات، حين فاق العجز في الموازنة 10 في المئة من الناتج المحلي العام متوسط هذا العجز في الدول الأوروبية 3 في المئة بينما بلغت الديون العامة 120 في المئة من الناتج المحلي بينما لا يزيد في دول الاتحاد على 60 في المئة. وجعل هذا الوضع العملة الايطالية تتدهور بالنسبة للعملات الأوروبية الاخرى، ما احدث العديد من المشاكل والتحفظ في عملية دخول ايطاليا في الوحدة المالية ريثما تصلح أمورها. ويدرك الايطاليون ان صدقية نظامهم تتوقف على معالجة اوضاعهم المالية أولاً ومراجعة السياسة الضريبية، ومن ثم اصلاح الادارة السياسية في العمق. وتمثل التحدي الثاني الذي واجهته الحكومة الائتلافية في الحد من عجز الموازنة. ويتطلب ذلك اصلاح البنى الادارية الذي يطال الموظفين اكثر ما يطال اصحاب المهن الحرة وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة. واتخذت حكومة تحالف الزيتون سياسات مالية مشددة بهدف الايفاء بمعايير الوحدة النقدية الأوروبية، وكادت اجراءاتها الضرائبية التي انهكت الفئات الشعبية ان تؤدي الى انفراط التحالف من خلال سحب ثقة حزب اعادة التأسيس الشيوعي الذي يساند الحكومة. ويدعي اليمين الايطالي بأن سياسات التقشف التي تتبعها الحكومة الحالية من اجل التأهل كعضو مؤسسة للعملة الموحدة، هي السبب في زيارة حجم البطالة في البلاد، كما ان القوى المعارضة للحكومة لا زالت تشكك بشأن امكان ايطاليا الايفاء بمعيار خفض عجز الموازنة الذي نصت عليه اتفاقية ماستريخت للوحدة الاقتصادية والنقدية، وذلك في ضوء توقعاتها بانخفاض ايرادات الضرائب وتزايد حجم اجمالي العجز في الموازنة، وهو الامر الذي يستدعي تأجيل قرار الانضمام وعدم التسرع ولأن الأوضاع ما زالت غير مواتية حالياً. ولا يخفي اليمين الايطالي مخاوفه من ان يصبح العمل على التكامل الأوروبي هدفاً سياسياً على المدى الطويل من قبل المانيا لتتزعم القارة في المستقبل اذا سيطر المارك الألماني تحت واجهة اليورو ستدفع الدول الاخرى الثمن. ويعرف الكل ان حاكم المصرف المركزي الألماني هو الذي فرض السياسة النقدية على بلاده ثم عممها على معظم دول الاتحاد ونجح تماماً في جعل اليورو نسخة طبق الأصل عن المارك الألماني. الرأي العام الايطالي متردد مع ان القيادة السياسية حسمت امورها وكأنها ستركب قاطرة الفوز الأولى وغير مبالية تماماً بشرح حسنات مثل هذه الخطوة التأريخية للشعب الذي لا تزال طبقاته الفقيرة تدفع الضرائب من دون توعية كافية للدوافع الاقتصادية خصوصاً حول احتمال اشتداد المنافسة وإفلاس الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، وتفاقم البطالة وارتفاع معدل الضرائب. وتؤكد الحكومة وجود استراتيجية لمكافحة ازمة البطالة اذ ستوفر اكثر من 700 الف موقع عمل جديد خلال نهاية العام الجاري كما ستخفض الضرائب وكلفة العمل وساعاته. لكن في الواقع الايطالي يسمع الصراخ الذي يخفي دخانه الكثير من الحقائق.