استأنفت الحياة دورتها الطبيعية بعدما لفظت الحرب العالمية الثانية انفاسها وان بقيت بقعة واحدة مشتعلة مع بداية الحرب بين الكوريتين ودخول الصين طرفاً فيها برغم تهديد الرئيس الاميركي هاري ترومان باللجوء الى القنبلة الذرية مجدداً. ومع ارتداد الروح الى ملاعب كرة القدم عقدت أول جمعية عمومية للاتحاد الدولي لفترة ما بعد الحرب في 25 تموز يوليو 1946 في لوكسمبورغ فتمت الموافقة على اطلاق اسم جول ريميه العجوز على كأس العالم بناء على اقتراح نائبه في رئاسة "فيفا" البلجيكي سيلدرايرز "تقديراً لخدماته في الحرب كما في السلم"، وعهد الى البرازيل تنظيم الكأس الرابعة من 24 حزيران يونيو الى 15 تموز يوليو 1950 فتعهدت بناء ملعب ضخم يتسع لنحو 200 ألف شخص، ولم تترشح اي دولة اوروبية لان الحرب طحنت البشر والحجر فيها. مشاركة سورية وفي خطوة طال انتظارها وافقت الاتحادات البريطانية الاربعة على العودة الى حظيرة "فيفا" بعدما ابتعدت عنها منذ 1929 لأن العزلة لم تعد مقبولة لا سيما من جانب انكلترا واسكتلندا اللتين ولدت فيهما كرة القدم المعاصرة. واحتفالاً بالخطوة فاز منتخب بريطانيا على منتخب من نجوم العالم 6 - 1 على ملعب هامبدن بارك في غلاسغو امام 130 ألف متفرج. ومع ان 73 دولة باتت تنتسب الى "فيفا" فان 33 منها قررت خوض التصفيات ثم "زمّ" العدد الى 23، ومن الدول البارزة التي لم تشارك كانت الارجنتين لنزاع اداري بين اتحادها والاتحاد البرازيلي، وكانت دول اوروبا الشرقية باستثناء يوغوسلافيا لوجود ستار حديدي وكذلك النمسا وبلجيكا والبيرو. وتفادياً للرحلات الطويلة وزعت المنتخبات المشاركة في التصفيات على عشر مجموعات جغرافية، وقد ضمت المجموعة العاشرة الهند والفيليبين وبورما ثم انسحبت الدول الثلاث، وشاركت سورية للمرة الأولى في تاريخها فخسرت صفر/7 امام تركيا التي انسحبت بعد ذلك. ومن مفاجآت التصفيات ما اقدمت عليه اسكتلندا التي جمعتها وانكلترا وويلز وايرلندا الشمالية مجموعة واحدة، وقد وافقت جميعها على اعتبار بطولة الجزر البريطانية السنوية بمثابة تصفيات لكأس العالم. ومع ان اسكتلندا حلت ثانية وبلغت النهائيات مع انكلترا فانها رفضت خوض المسابقة الكبرى "لأن البطل وحده يستحق الاشتراك في كأس العالم". وتعادلت يوغوسلافيا وفرنسا 1/1 مرتين ثم فازت الاولى 3/2 في مباراة فاصلة وسجل تشايكوفسكي هدف الترجيح في مرمى عبدالرحمن ايبرير في الوقت الاضافي. وعادت الاوروغواي الى المسابقة بعد غياب طويل بالتزكية لانسحاب الاكوادور والبيرو. اعتبارات اقتصادية ولوجود اماكن شاغرة في النهائيات دعيت فرنسا للاشتراك فيها ووضعت في مجموعة واحدة مع الاوروغواي وبوليفيا، ويبدو انها لم تكن متحمسة، فاحتجت على البرنامج ورفضت الدعوة، ولم يغير البرازيليون البرنامج وذكّروا الفرنسيين بأنهم لعبوا في كأس 1938 في أربع مدن مختلفة مع مهلة 48 ساعة بين كل مباراة واخرى. وقد بدأ العمل بملعب ماراكانا في 2 اغسطس 1948، لكن البرازيليين يجيدون على ما يبدو التنظيم داخل الملعب اكثر مما يجيدون خارجه، وتبين لاحقاً ان الملعب لن يكون جاهزاً عند افتتاح المسابقة في 24 حزيران يونيو 1950 فاعلنت حال الطوارئ وانقذ الاتحاد الدولي الموقف بعد جهد جهيد بعدما اوفد مندوبه الايطالي اوتورينو باراسي ليتدبر الامر وهو مهندس مسابقة 1934. اما المشكلة الاخرى التي طرأت فهي رفض البرازيل اقامة المباريات بطريقة الحذف 16 مباراة وانما بطريقة لمجموعات 22 مباراة لاعتبارات اقتصادية، وقد حصلت على مبتغاها في مؤتمر لندن 1948 فاستقال الفرنسي هنري دولوني من عضوية اللجنة المشرفة على كأس العالم احتجاجاً على الابتزاز البرازيلي. ووزعت المنتخبات ال 13 على أربع مجموعات على ان يلعب ابطالها على اللقب في مجموعة نهائية واحدة بطريقة الدوري. وتشكلت المجموعات الأربع كالتالي: المجموعة 1: البرازيل ويوغوسلافيا وسويسراوالمكسيك. المجموعة 2: انكلترا واسبانيا والولايات المتحدة وتشيلي. المجموعة 3: السويدوايطاليا والباراغواي. المجموعة 4: الاوروغواي وبوليفيا. وانطلقت البطولة التي بدأت الاذاعات في نقلها مباشرة الى اكثر من دولة فضلاً عن تصويرها سينمائياً، في 24 حزيران يونيو بفوز كاسح للبرازيل على المكسيك 4/صفر بفضل مهاجميها جايير واديمير، وحارس مرمى المكسيك انطونيو كارباخال 21 عاماً الذي بدأ وكأنه "ملتقصق" بخط المرمى. وثبت كارباخال في مركزه حتى مونديال 1966 وقد خاض مباراته الاخيرة فيه امام الاوروغواي صفر/صفر. ثم تعادلت البرازيلوسويسرا 2/2 وكادت الاخيرة تفوز لو استثمر فريدلاندر فرصة سنحت له قبل النهاية بدقيقتين، وتغلبت يوغوسلافيا على سويسرا 3/صفر والمكسيك 4/1 لكنها لم "تعطس" في مباراتها الحاسمة امام البرازيل في حضور 150 ألف متفرج فخسرت صفر/2. معقول؟ وفي المجموعة الثانية، فاز "اساتذة" انكلترا على تشيلي 2/صفر واسبانيا على الولايات المتحدة 3/1، ثم فجرت الولايات المتحدة واحدة من القنابل الاشد انفجاراً وفتكاً في تاريخ المسابقة عندما هزمت انكلترا 1/صفر في 29 حزيران يونيو في بيلو هوديزونتي، وكان المنتخب الاميركي خليطاً من الجنسيات، فحارسه بورغي ايطالي ومدافعه ماكا بلجيكي وجناحاه الشقيقان سوزا برتغاليان وقلب هجومه لاري غاتينز من هاييتي، وكان لهذا الاخير شرف تسجيل الهدف، وكان من الصعب على وكالات الانباء العالمية ان تصدق خسارة انكلترا برغم النجوم الذين ضمتهم صفوفها من رايت الى فيني ومانيون ومورتنس والظهير الايمن آلف رامزي الذي اهدى بلاده بعد 16 عاماً لقبها الأول والأخير في المسابقة كمدرب. ولم يكن غريباً ان تتصدر صور غايتنز الصفحات الاولى في الصحف العالمية في اليوم التالي. وكان لابد لانكلترا لتستعيد روعها وتتأهل ان تهزم اسبانيا بيد ان الاخيرة هي التي فازت بهدف سجله زارا فسقط الانكليز من عليائهم في أول ظهور لهم على مسرح الكرة العالمية. وفي المجموعة الثالثة كان لقاء مبكر بين السويد بطلة اولمبياد لندن 1948 وايطاليا حاملة اللقب. ومع ان نجوم السويد امثال غرين ونوردال وليدهولم غابوا عن الدورة فانها هي التي فازت 3/2 من دون ان ينفع تشجيع الجالية الايطالية لمنتخب الوطن الأم في شيء. ومع ذلك فان الجميع عذروا منتخب ايطاليا. فقبل عامين فقط وقعت كارثة طائرة سوبرغا التي كانت تقل فريق تورينو مع اكثر من لاعب دولي أساسي ولم يكن من السهل ايجاد بدلاء ليحلوا محل ماتزولا وغابيو وبالارين ولويك وريغامونتي وباتشغالوبو. وتدربت الاوروغواي ببوليفيا فاكتسحتها 8/صفر. واللامعقول! وارتاحت منتخبات مجموعة الدور النهائي اسبوعاً كاملاً، ثم بدأت المعمعة فتعادلت اسبانيا والاوروغواي 2/2 في حضور 5 آلاف من مشجعي المنتخب الاخير الذي برز منه قائده فاريلا وساعدا الهجوم خوليو بيريز وخوان شيافينو. ثم نصبت البرازيل السيرك على استاد ماراكانا امام 155 ألف متفرج وهزمت السويد 7/1 بعد لمحات هجومية رائعة من زيزينيو واديمير وجايير وشيكو على انغام الهتاف الموحد "أو برازيل يا دو غاويار" أي "البرازيل مقبلة على الفوز". وقدمت الاوروغواي عرضاً خجولاً امام السويد ففازت عليها بشق النفس 3/2، ثم قدم البرازيليون عرضاً آخر في فن الباليه الكروي وهزموا اسبانيا 6/1 امام 133 ألف متفرج. وامام 173850 متفرجاً، حسب البرازيليون ان منتخبهم سيتنزه على عشب ماراكانا الاخضر في امسية صيفية حلوة ليتوج بطلاً للعالم للمرة الأولى في تاريخه، باعتبار انه سجل 13 هدفاً في مرميي السويدواسبانيا في حين لم يسجل منتخب الاوروغواي فيهما اكثر من 5 أهداف مع اهتزاز شباكه 4 مرات، وباعتبار ان المنتخب صاحب الضيافة كان يكفيه التعادل ليصعد الى اعلى درجة على المنصة. وبقيادة الحكم الانكليزي ريدر ايلليس بكر اصحاب الارض بالهجوم وحصلوا على ركنية بعد 10 ثوان فقط، ثم استعاد الضيوف وعيهم شيئاً فشيئاً وسدد بيريز الكرة الاولى لهم باتجاه حارس البرازيل باربوزا، وردت العارضة البرازيلية كرة سددها ميغيز في الدقيقة 38 الى ان انتهى الشوط الاول بتعادل سلبي فبدا الامر وكأنه نذير سوء بالنسبة الى الجمهور الكبير وفأل حسن بالنسبة الى منتخب الاوروغواي الذي لم يترك لخصمه وجمهوره مجالاً للتأثير عليه. وبعد 48 دقيقة انفرجت اسارير الجميع عندما سجل فرياتشا هدفاً للبرازيل بعد لعبة مشتركة من زيزينيو وجايير، وكان للهدف فعل السحر في نفوس لاعبي الاوروغواي، فسيطروا على ما تبقى من زمن المباراة وضغطوا الى ان مرر خوليو بيريز الكرة الى شيامنينو فاطلقها هدفاً لا يرد في شباك باربوزا بعد 65 دقيقة. وبرغم الهدف، فان البرازيل بقيت نظرياً بطلة للعالم اذا ما ثبتت في آخر 35 دقيقة، لكن ألسيديس غيجيا كان له رأي آخر لانه سجل هدفاً ثانياً للاوروغواي بتمريرة من بيريز نفسه، فانقلب العرس الى مأتم في غمضة عين. وآوت البرازيل الى الفراش مبكراً وسكتت عن الكلام المباح في حين سهرت الاوروغواي حتى الصباح. وهاجمت صحف البرازيل "فئران" الاتحاد المحلي كما وصفتهم لأنهم اهتموا بايرادات المسابقة اكثر من اهتمامهم بالمنتخب نفسه. واحتلت السويد المركز الثالث بتغلبها على اسبانيا 3/1، وحضر المباريات مليون و337 ألف متفرج وقدرت الارباح بنحو 384 مليون فرنك فرنسي. نتائج وهدافون وسجل 88 هدفاً في 22 مباراة بمعدل 4 أهداف في المباراة الواحدة، وتوج البرازيلي اديمير هدافاً برصيد 8 أهداف، اي ان هداف المسابقة بقي من خارج المنتخب الفائز للمرة الرابعة على التوالي. وهنا النتائج والهدافون: - المجموعة الأولى: البرازيل 4 أديمير، وجايير وبالتازار - المكسيك صفر. يوغوسلافيا 3 توماسيفيتش 2 واونيانوف - سويسرا صفر. البرازيل 2 ألفريدو وبالتازار - سويسرا 2 فاتون 2. البرازيل 2 أديمير وزيزينيو - يوغوسلافيا صفر. سويسرا 2 بادر وتاميني - المكسيك 1 كازارين. الترتيب: 1- البرازيل، 2- يوغوسلافيا، 3- سويسرا، 4- المكسيك. المجموعة الثانية: اسبانيا 3 بازورا 2 وزارا - الولايات المتحدة 1 سوزا انكلترا، مورتنسن ومانيون - تشيلي صفر. الولايات المتحدة 1 غايتنز - انكلترا صفر. اسبانيا 2 بازورا وزارا - تشيلي صفر. اسبانيا 1 زارا - انكلترا صفر. تشيلي 5 روبليدو وكريماسكي 2 ورييرا وبريتو - الولايات المتحدة 2 والاس وماكا من جزاء. الترتيب: 1- اسبانيا، 2- انكلترا، 3- تشيلي، 4- الولايات المتحدة. - المجموعة الثالثة: السويد 3 يبسون، واندرسون - ايطاليا 2 كارابيليزي وموتشينيللي. السويد 2 سونوكفيست وبالمر - البارغواي 2 ساغوير ولوبيز. ايطاليا 2 كارابيليزي 2 - البارغواي صفر. الترتيب: 1- السويد، 2- ايطاليا، 3- الباراغواي. - المجموعة الرابعة: الاوروغواي 8 شيامنينو 4 وبيريز وفيدال 2 وغيجيا - بوليفيا صفر. الترتيب: 1- الاوروغواي، 2- بوليفيا. - الدور النهائي: الاوروغواي 2 غيجيا وفاريلا - اسبانيا 2 بازورا 2. البرازيل 7 اديمير 4 وشيكو 2 ومانيكا - السويد 1 اندرسون من جزاء. البرازيل 6 جايير وشيكو واديمير وفرياتشا وزيزينيو وبارا خطأ في مرمى منتخبه - اسبانيا 1 ايغوا. السويد 3 سوندكفيست وميلبرغ وبالمر - اسبانيا 1 زارا. الاوروغواي 2 شيامنينو وغيجيا - البرازيل 1 فرياتشا. الترتيب النهائي: 1- الاوروغواي، 2- البرازيل، 3- السويد، 4- اسبانيا. مثل الاوروغواي: ماسبولي - غونزاليس وتيخيرا وغامبيتا وفاريلا واندرادي وغيجيا وبيريز وميغيز وشيامنينو وموران. متفرقات - سجل كل من البرازيلي اديمير والاوروغوياني شيامنينو 5 أهداف في مباراة واحدة امام السويدوبوليفيا. - الهدف الاسرع احرزه البرازيلي الفريدو دوس سانتوس بعد دقيقتين في مرمى سويسرا. - بلغت بوليفيا النهائيات من دون ان تخوض اي مباراة في التصفيات، مرتين. الأولى عام 1930 حيث شاركت بناء على دعوة، والثانية عام 1950 بعد انسحاب الارجنتين. - لم يطرد اي لاعب في الكأس الرابعة. - لاعبان فقط شاركا في نهائيات 1938 و1950 هما السويدي اريك نيلسون والسويسري ألفرد بيكل.