وتوقفت عند تحقيق طويل في "لوس انجليس تايمز" كتبه الان ابرامسون وجودي باسترناك فهو يقول: "إن الأخطار الخارجية حكمت وجود الجاليات اليهودية على مدى ألوف السنين من الرق على أيدي المصريين في زمن التوراة، الى الرومان القدماء، والاضطهاد في أوروبا وخطر الجيوش العربية". واعتقد ان الاشارة الى خطر الجيوش العربية تقتصر على آخر 50 سنة، أي عندما لم يكن هناك خطر حقيقي. أهم من ذلك ان هذا الاختصار للتاريخ يتجاوز وضع اليهود في اسبانيا تحت الحكم العربي، فهناك وثق بهم المسلمون وتركوا لهم حرية العقيدة والتنظيم الداخلي، وهم تسلموا مناصب مهمة في الدولة، الى درجة الوزير وكان للنصارى أيضاً قضاتهم، كما كان لهم مطران مركزه طليطلة، وحفظ لهم العرب أديرتهم وأكثر كنائسهم، وكان بعض رجالهم مثل ارطباس مقدّماً في عهد الولاة يستشيرونه، وقد ولاّه عبدالرحمن القماسة، أي جعله قومسا.... في مقابل هذا التسامح خيّر الاسبان اليهود، بعد انتصارهم على العرب، بين اعتناق المسيحية أو الطرد، وكانوا يسمونهم مارانوس، أي الخنازير، بعد ان قامت منهم طائفة تمارس الطقوس اليهودية سرّاً، وتدعي المسيحية أمام الاسبان. واستطيع ان أعود الى خرافات اليهود عن وجودهم في مصر، والى سنوات التيه في سيناء، ولكن اختصر التاريخ القديم لأصل الى يومنا هذا، ففي اسرائيل اليوم مؤرخون يصححون التاريخ الحديث والقديم. وأبقى مرة أخرى مع التاريخ الحديث فالوثائق الرسمية الاسرائيلية محفوظة، ويستطيع الباحثون العودة اليها، وعندما قرأها المؤرخ الاسرائيلي توم سيغيف اكتشف أنها تناقض ما تعلم في مدارس اسرائيل عن تأسيسها، خصوصاً اسطورة الأرض من دون شعب. وكان الدكتور وليد الخالدي سجّل في "الحياة" مجازر اسرائيلية للمدنيين غير المعروف منها مثل دير ياسين. وينقل سيغيف عن مذكرات يوسف نعماني، مدير صندوق الجباية اليهودي، أخبار مجازر كثيرة، ففي قرية صفصاف رفع القرويون الفلسطينيون علماً أبيض، فقيّد الجنود الاسرائيليون أيديهم، ثم قتلوا 50 إلى 60 منهم. وفي قرية الصالحة رفع القرويون العلم الأبيض أيضاً، ومع ذلك قتل الجنود الاسرائيليون منهم 60 إلى 70 شخصاً. وكتب نعماني سائلاً نفسه: "من أين أتى هذا الحد من القسوة؟ ألا توجد طريقة انسانية لطرد الناس بغير هذه الوسائل". وسيغيف ليس وحده، فبين المؤرخين الاسرائيليين الذين أعادوا كتابة تاريخ بلادهم معتمدين على وثائقها الرسمية بيني موريس وآفي شلايم وايلان بابي. والدولة التي قامت على الكذب ثم الجريمة يحكمها الان كذّاب مجرم. وهو ما كان يستطيع الاستمرار في كذبه واعتدائه على عملية السلام لولا وجود شركاء له في الجريمة، خصوصاً في الولاياتالمتحدة، حيث يؤيد اللوبي اليهودي اسرائيل، ويهدّد كل من يجرؤ على الوقوف في وجه أطماعها. وسيتزامن الاحتفال في اسرائيل بالذكرى الخمسين لتأسيسها مع انعقاد المؤتمر السنوي في واشنطن للجنة العمل في العلاقات الأميركية الاسرائيلية ايباك أي اللوبي الرسمي. ونظرة الى الأسماء المدعوّة تكفي، فقد دعي الى الافتتاح نائب الرئيس آل غور، ووزيرة الخارجية مادلين اولبرايت، ومساعد وزيرة الخارجية مارتن انديك، ومنسّق عملية السلام دنيس روس. ودعي الى الاختتام قادة الكونغرس الأربعة الكبار، النائب نيوت غينغريتش، زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس النواب، والنائب ريتشارد غيبهارت، زعيم الأقلية الديموقراطية، والسناتور ترنت لوت، زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس النواب، والسناتور توم داشل، زعيم الأقلية الديموقراطية. وبين الافتتاح والاختتام سيلقي نتانياهو خطاباً في حفلة العيد الذهبي لاسرائيل مساء 18 أيار مايو. كل السياسيين الأميركيين يخدم اسرائيل، ويصوّت لتحصل على بلايين الدولارات كل سنة. وبعضهم من الحقارة ان ينافس نتانياهو في الكذب، فقد سمعنا في الآونة الأخيرة ان اسرائيل أصبحت في وضع لا تحتاج معه المساعدات الأميركية، وأنها مستعدة للتخلي عنها، ما يعني خفض المساعدات المقابلة الى مصر أو وقفها. أول من طلع بهذه الكذبة نتانياهو نفسه في خطاب في واشنطن بعد تسلّمه رئاسة الوزارة، فهو تحدث عن الاستغناء عن المساعدات ثم تبين أن ليكود وضع مسودة خمس ميزانيات كلها يضم المساعدات الأميركية. وكان أعضاء مجلسي الكونغرس وقفوا وصفقوا لنتانياهو عندما زعم أنه سيتخلى عن المساعدات، ولم يكلف أحدهم نفسه عناء درس الميزانيات الاسرائيلية. وقرأنا حتى كدنا نصدق، ولكن عندما عدنا الى الاقتراحات الاسرائيلية وجدنا أنها تدعو الى خفض المساعدات الاقتصادية وهي 1.2 بليون دولار في السنة، تدريجياً حتى تنتهي، وزيادة المساعدات العسكرية، وهي 1.8 بليون دولار، بحصول الثلث لتصل الى 2.4 بليون دولار على مدى السنوات العشر الى الاثنتي عشرة القادمة. يعني هذا ان اسرائيل ستقبض باليسار ما تعطى باليمين من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، وبتواطؤ من السياسيين الأميركيين، وتحت تهديد اللوبي الرسمي الذي يؤيد اسرائيل وهي ترتكب الجرائم منذ قامت والى اليوم وغد وبعده.