أعرف زميلاً ولد اليوم، أي متأخراً يوماً عن أنسب موعد لولادته في السنة. أمس كان أول نيسان ابريل وبما ان الواحد منا لا يعرف الكذب من الصدق في الأيام العادية، فقد قرأت الجرائد الانكليزية بحذر، ثم قرأت الجرائد الاسرائيلية، مترجمة، بحذر أكبر، وخفت ان أقع في فخ منصوب، فقررت في النهاية ان أعود الى بعض رسائل القراء فهي أصدق أنباء من الصحف. القارئ عصام الصفدي من الدمام يسأل هل لپ"الحياة" رسالة، ويجيب بنعم، ثم يطلب منها ان تكون "جريدة متميزة لها هدف واضح وسياسة واضحة، وتسخّر كل امكاناتها لخدمة هذا الهدف وهذه السياسة مع المحافظة على استقلاليتها التامة. نريد صحيفة تخدم السياسة والثقافة العربية بشكل عام…". والقارئ يكمل بهذا الشكل سطراً بعد سطر، ولا أقول له سوى اننا نحاول والله من وراء القصد، وأن عليه ان يتذكر الحكمة المعروفة "إذا شئت ان تُطاع فسل المستطاع". والرسالة الطويلة لا تخلو من لمحات تظهر مدى معرفة القارئ الصفدي بپ"الحياة" من النقد المبطن لاعلانات السجاير وصور الممثلات في الصفحة الأخيرة، الى الشكوى من كثرة الأخبار عن الأكراد العراقيين ومنهم، الى المطولات من المقالات. ويا أخ عصام، أخذنا علماً بملاحظاتك واستر علينا يستر ربنا عليك، وتذكّر ان عين الرضا عن كل عيب كليلة. وعين الرضا هي التي يرى بها القارئ انطوان خليل من الانتيل الهولندي "الحياة"، فهو بعث برسالة مطبوعة بحرف صغير في صفحتين كاملتين تلاحقت سطورهما، بدأ فيها باطراء الناشر الأمير خالد بن سلطان، وأكمل برئيس التحرير والمحررين وانتقل بعد ذلك الى الصفحات واحدة بعد واحدة. وأوافق الأخ انطوان تماماً عندما يقول: "… وهذه هي "الحياة"، العملاق الاعلامي الخارج من القمقم… "الحياة" اليوم ليست جريدة النخبة وحسب، بل هي جريدة كل عربي بصرف النظر عن قطره ومذهبه… ان الأبحاث القيّمة في تاريخي العروبة والاسلام والنقاشات التي تدور حولها بين فئات عالمة على صفحات "الحياة" كل يوم تنطلق بالانسان العربي الى عصر التنوير الأوروبي ولو متأخراً…". كمان، يا أخ انطوان، كمان… وكلمة جد فإنه يسعدنا ان يكون هذا رأي قارئ فينا، ونأمل ان نستحق ثقته يوماً، كما اننا بصدد تطوير "الحياة" على الانترنت، وهو ما أشار اليه في جزء آخر من الرسالة. اما القارئ حسين ناصيف فبعث برسالة من هولندا يبدأها بشكري على ما أسهمت به في برنامج اخباري أخيراً في تلفزيون MBC، ويُكمل بالقول ان "العالم العربي غني بمشاكله، وبالمقابل فهو غني بطاقاته إلا ان الأنظمة عملت على تهميش هذه الطاقات، ولكن علينا ان نكون متفائلين…". وهو بعد ذلك يسألني وأمثالي ان نطرح الحلول ونقترح كيفية الخروج مما نحن فيه من تمزق وانحطاط. بسيطة يا أخ حسين. غداً أطرح حلولاً تعيدنا الى عصر الفتوحات. كم كنت أتمنى لو ان هذا ممكن، غير ان الواقع هو ان المشاكل العربية لم يعد ينفعها سوى "الكيّ"، الذي هو آخر الدواء، وهذا ليس في صيدليتي. ولا أدري لماذا لا اسمع بالمشاكل العربية إلا ويعود اليّ بيت شعر قديم هو: لكل داء دواء يستطب به إلا البلاهة أعيت من يداويها واختم بپ"كاتب عراقي مقيم في بروكسل" بعث اليّ برسالة طويلة من صفحتين مرصوصتين جعل عنوانها "صليل الأقلام"، مع عنوان فرعي هو "أحمل عليهم، فديتك، جحفلاً لجبا"، إلا انه لم يسجل اسمه او عنوانه. ولو ان القارئ طلب مني ان أحمل على الولاياتالمتحدة او اسرائيل لهان الأمر، فأنا شعرت دائماً بأنني أقوى منهما، إلا انه يهاجم النظام العراقي، من دون اسم او عنوان، كما أسلفنا، ثم يطلب مني انا ان أحمل "جحفلاً لجبا" على هذا النظام الخفيف الظريف اللطيف والديموقراطي حتى أخمص قدميه. وصحيح انني مغفل، ولكن ليس الى هذه الدرجة، وإذا نظّم الأخ القارئ الكاتب حملة من بروكسل على بغداد، فقد يقنعني بالهتاف له على الطريق، فقد كنت دائماً من "الهتّيفة"، اما البطولات فتركتها لأهلها، مثل عنتر بن شداد وطارق بن عزيز وزياد بن الرحباني.