تلقيت من الصديق حسّان الشواف رسالة من لوس انجليس تعليقاً على قولي في هذه الزاوية "ان المراقب العربي يعترف بأن من حق الكويتي ألا يجرؤ على ادارة ظهره لصدام حسين…"، وأن الحل ليس التفتيش او عدم التفتيش، بل ازاحة صدام حسين ليستطيع شعب العراق ان يعيد بناء بيته. وأشار الأخ حسّان الى ان ما بين العراقوالكويت ليس وليد الساعة، وانما يعود الى العشرينات من هذا القرن، أي الى فترة نشوء الدولة القُطْرية الجديدة في الشرق العربي، وهي دولة أصبحت حقيقة واقعة، قانونية واقتصادية واجتماعية. ويرى الكاتب ان الحل هو في "اوسلو عربية" لأن العالم العربي يقف على أبواب القرن الواحد والعشرين "ومن حق شعوبه جميعاً على عقلائها تلبية تطلعاتها المشروعة في التنمية والأمن والاستقرار وصولاً الى أنسنة انسانها الذي هو في النهاية الغاية والوسيلة". في مقابل هذه الرسالة العاقلة، تلقيت من القارئ عبدالعزيز النعوس من الرياض رسالة يقوّلني فيها شيئاً لم أقله هو "قلت في مقال سابق انه لا يجب ان نخسر العراق لنربح الكويت". وأنا لم أقل هذا أبداً وانما قلت حرفياً "كنا قلنا يوماً اننا لا نريد ان نربح شيئاً ونخسر مصر، ونقول اليوم اننا لا نريد ان نربح الكويت ونخسر العراق". وهو كلام لا يتحمل تأويلاً، فالمقصود به ان نربح الكويتوالعراق معاً، لا ان نخسر أحدهما، ومع ذلك فالقارئ يكمل بحديثه عن "الشوام والفلسطينيين والعراقيين" ثم يقول: "ان الشعوب يقصد الدول لا تقاس بمساحاتها وكثرة شعوبها بل بانجازاتها ومساهماتها وديموقراطية نظامها…". وأرجو من هذا القارئ وكل قارئ ألا يزايد عليّ في حب الكويت او العراق، فهما وكل الدول العربية عندي سواء. غير ان القارئ عبدالعزيز ليس وحيداً في عدم فهم كلام واضح، فبعد ظهوري في برنامج MBC الأسبوع الماضي اتصلت بي سيدة فلسطينية تقيم في لندن، وقالت انني هاجمت العراق. الواقع انني لم أهاجم العراق اطلاقاً، وانما اختلفت على بعض التفاصيل مع السيد نزار حمدون، سفير العراق لدى الأممالمتحدة، وهو من المسؤولين العراقيين القلائل الذين أعرفهم معرفة شخصية. فقد رأيته للمرة الأولى عندما جاء الى واشنطن، قبل استئناف العلاقات وتعيينه سفيراً في العاصمة الأميركية، وبقيت أراه منذ ذلك الحين وأحدثه، وأكن له شخصياً كل احترام. إلا ان هذا لا يمنع ان أقول ان العراق أخطأ باحتلال الكويت، وأهم من هذا انني بدأت كلامي كله بالدعوة الى رفع الحصار عن العراق وانهاء العقوبات من دون قيد او شروط، وأكملت مشككاً بنوايا الولاياتالمتحدة، واختتمت مذكراً بأنه حتى لو كانت الولاياتالمتحدة اليوم الدولة العظمى الوحيدة، وتتربّع على القمة فهي لا بد ان تسقط كما سقطت كل دولة سبقتها الى القمة. ثم تأتي سيدة فلسطينية تقول انني هاجمت العراق. أغرب من كل ما سبق انني كتبت مقالاً قلت فيه ما أريد ضمن نطاق المسموح والمقبول، وهو الآن موضوع جدل قانوني، وإذا بي أتلقى رسالة تهاجمني لأنني لم أقل كفاية. وكنت سأقبل رأي كاتب الرسالة لولا انه وقعها "بكل احترام، شاب سوري يعتذر بأسى عن ذكر اسمه، باريس 14/2/1998". يعني هذا الشاب لا يجرؤ على ذكر اسمه في رسالة بين شخصين، ثم ينتظر مني ان أحتضن آراءه، وبعضها كتب بمبالغة تصل الى قلة الأدب، وأنشرها على الملأ. والرسائل كثيرة وقد ضاق بنا المكان فأختتم برسالة من هولندا وقّعها سيف الجاف، وهو قد يكون اسماً حقيقياً او فنياً، فالرسالة لا تحمل عنواناً او رقم هاتف للتأكد من هوية مرسلها. وسيف هنا نبا، كما هو جاف، فهو يقول انني أهاجم بنيامين نتانياهو المنتخب ديموقراطياً، وأتحدث عن عيوب شخصية في الرئيس كلينتون، ثم أتغاضى عن أبسط الممارسات الديموقراطية في العالم العربي، ويكمل بكلام قاسٍ يعاقب عليه القانون. وأقول للسيد الجاف كما قلت للشاب الخجول قبله ألا يشهر سيفه علينا، وهو يختفي وراء سطور رسالة من هولندا. فنحن ننتقد ضمن نطاق الممكن، وإذا أردت ان تطاع فسل المستطاع. أما إذا كانت عند قارئ رغبات انتحارية، فهو يستطيع ممارستها في غير صفحات "الحياة".