Roland Cayrol Medias et Democratie الاعلام والديموقراطية . Presses de Sciences po, Paris. 1997. 120 Pages. يشير الكاتب مدير الابحاث في المؤسسة الوطنية للعلوم السياسية في مقدمته الى التناقضات التي تحكم علاقة وسائل الاعلام أو الاتصال الجماهيرية بالحكام، إذ بات هؤلاء مقتنعين بأنها ضرورية للإمساك بزمام السلطة. وعلى خلاف مهمتها الرئيسية التي هي الاعلام، والمساهمة في خلق الرأي العام، وهو ما أضحى جزءاً من الديموقراطية، نجد تلك الوسائل مشدودة الى مسألة الربح وتحقيق نسبة عالية من المشاهدين. غرض الكتاب كما يبرزه كايرول هو تقصي سقطات هذا النظام الذي لا يعمل كما يجب، بطرفيه: السياسيين والاعلاميين، اي ملاحقة شططه، قياساً على ما يتطلبه النظام الديموقراطي. فغاية المؤلف العمل على قيام أخلاقية مهنية "ديموقراطية" للاعلام اثر تزايد دوره ومسؤوليته عقب أفول الايديولوجيات الكبرى. لقد سجل أرسطو قديماً دور الرأي العام، كعامل تأييد للسلطة السياسية، لكن هذا الامر تعزز راهناً بولادة الديموقراطية: الاقتراع العام، ظهور صحف الجماهير ذات الانتشار الواسع، فغدا الارتباط وثيقاً بين الديموقراطية الحية وحرية الاعلام وتعدده. والتلفزيون بشكل اساسي وضع الناس على اتصال مباشر مع الحكام والسياسيين. ويُعدد الكاتب ستة تعديلات أدخلتها وسائل الاعلام على قواعد اللعبة الديموقراطية: - شخصية السلطة، فالحملات الانتخابية والمواجهات، هي بين اشخاص، حيث تكثر التعابير المستعادة من الرياضة والمصطلحات الحربية. هذا، ويذكرنا كايرول بأن جون كنيدي والجنرال ديغول أسسا جزءاً من سلطتهما على الظهور التلفزيوني المنتظم. حتى ان أناساً مجهولين مثل ريتشارد نيكسون أضحوا مشهورين بسبب الظهور التلفزيوني، كما ان التلفزيون قد يلعب دوراً سلبياً، كما كانت الحال ايام حملة مكارثي ضد الشيوعيين عام 1954. لقد بات التلفزيون اليوم يحول السياسيين الى نجوم. - التغيير في الاولويات Agenda Setting فمن المعتاد ان الاحزاب والقوى السياسية الحكومة، المؤسسات، القوى الاقتصادية والاجتماعية، مجموعات الضغط هي التي تتناول كل القضايا والمسائل السياسية والاجتماعية، والاقتصادية والثقافية وتغطي كل مناحي الحياة العامة. لكن وسائل الاعلام اليوم، تلعب دوراً بارزاً في اختيار وترتيب أهمية المسائل الواجب مناقشتها، وتغطيتها، ويلعب التلفزيون بشكل خاص دوراً وسيطاً بين النظام السياسي ومجموع المواطنين، حيث يعتمد المواطن عليه لتجميع المعطيات والمعلومات. - التغيير الثالث ويرتبط بالثاني، هو تغيير مكان السياسة. فالتلفزيون ينحو الى ان يرث هذا المكان اكثر فاكثر، فهو الذي ينظم وقعها ونبرتها ولحظاتها أي السياسة، مثال خطابات الرؤساء المتلفزة في اللحظات السياسية المهمة والخطيرة والمناظرات التلفزيونية خلال الانتخابات الاميركية والفرنسية. لقد انتقلت الحياة السياسية الى أعمدة الصحف، وانتينات الراديو، واستوديوهات التلفزيون. - يحصل المواطن من وسائل الاعلام على العناوين الرئيسية للاحداث، خصوصاً السياسية، بشكل مبتور واحياناً دون القدرة على التدقيق فيها والتأكد منها. فما يفبركه بعض هذه الوسائل قد يؤخذ على انه الحقيقة بعينها. - الدور الذي يتجسد من خلال الخطاب وتحديداً السياسي، حيث نجد انه بدأ يخضع لقواعد التلفزيون، اي الاستجابة لسمة "الاستعراض" Le Spectacle، فنجد أنفسنا امام سياسة/ استعراض، حيث يلعب اغواء المواطن دوراً أهم من اقناعه. - ان مضمون الرسالة الاعلامية يوثر على السلوك السياسي وتحديداً الانتخابي، للمواطنين، فوسائل الاعلام تساهم في تعزيز قناعات الناس المترددين، وتعدّل في قناعات البعض الآخر. فالرسالة الاعلامية - تحديداً زمن الانتخابات - تهتم اكثر بالذين لم يحسموا خياراتهم بعد، بالتأكيد، لا يضع التلفزيون الانتخابات - يستدرك الكاتب - ولكن يُساهم فيها بشكل حاسم. وتلعب الرسالة الاعلامية دورها الكامل في الانظمة التي تعتمد في الانتخابات الرئاسية على الاقتراع العام، حيث يتوجه المرشح مباشرة، ويحاول كسب الناخب، متبنياً صيغ التسويق والترويج والاستعراض التي انتجها عصر التلفزيون. ويتابع المؤلف شطط الفاعلين السياسيين، فهم مشغولون بوسائل الاعلام، حتى انهم يبالغون في مداها وقدراتها. فيروي عن رجال سياسة أمثلته من الحياة السياسية الفرنسية لا يترددون في الظهور على قنوات التلفزة في أوقات لا تحظى باهتمام المشاهدين، ولو لدقيقتين، وذلك فقط لكي يشعروا بلذة الظهور، لذة النجومية. فالظهور على الشاشة الصغيرة والنجاح في ذلك هو جزء من العلامات الملموسة للنجاح في السياسة. فالشطط ان رجال السياسة باتوا يفكرون لحظة اتخاذ القرارات المهمة والخطيرة بوقعها على وسائل الاعلام، وباستسلامهم للعبة "النجومية" التي يتيحها التلفزيون. لذا بات طبيعياً اللجوء لخدمات المستشارين الاعلاميين ولرجال الاعلان، ويحدد الكاتب التاريخ الرسمي لاعتماد ذلك في فرنسا بالعام 1965، بمناسبة الانتخابات الرئاسية، إذ بدأ عندها الحديث عن "الاتصال" Communication وبات دليلاً على الحداثة السياسية. ثم يعدد كايرول بعض مهمات المستشار الاعلامي: اعطاء السياسيين الثقة بالنفس، التدخل حين تسوء الامور، ان يكون حاضراً ليستمع ويقدّم النصائح. كما ان المستشار يُلقِن السياسي بعض الحيل الصغيرة والضرورية للنجاح أمام الكاميرا طريقة اللبس، الحركات. ويرصد الكاتب دور وسائل الاعلام في تعديل شبكة الالتزام، اذ انها تقوم، خصوصاً التلفزيون، بقطع قنوات الاتصال التقليدية، والمشاركة المعتادة التي كان يعتمدها المواطن، لدرجة ان التلفزيون بات جزءاً من العائلة - بمعنى المشاركة بتنشئة الفرد وتلقينه أصول وقواعد الانخراط في المجتمع - فالرسالة الاعلامية تُساهم بتعديل هذه القيم، وهو ما لاحظه عالم الاجتماع بول لاغارسفيلد. فنظراً لطول ساعات البث التلفزيونية، تؤثر الرسالة الاعلامية ايضاً في التربية المدرسية، فهي تقدم نماذج يمكن مقارنتها بسهولة بما تقدمه المؤسسات التعليمية. هذا، ويُساهم التلفزيون بشكل ايجابي في حث المواطنين على المشاركة من خلال البرامج التي تستقبل سياسيين وممثلين لما يُطلق عليه "المجتمع المدني"، حيث تعتمد هذه البرامج على تلقي اتصالات من الناس، يعبرون فيها عن آرائهم ومواقفهم السياسية والاجتماعية، ويلعب مُقدموها دوراً في تقديم المعلومات بشكل بسيط غير معقد، مما يسمح للمواطن بابداء رأيه على بينة. ويحاول الكاتب ان يحدد عوامل الشطط التي طالت الصحافة ووسائط الاتصال الاخرى قياساً على مهمتها الأصلية: الاعلام. فتناول الانباء لا يُعالج بالضرورة الواقع الاجتماعي، بل انه يهتم بالبحث عن "الحدث" عن "السبق الصحافي" وغالباً ما يُنقل بدون تدقيق أحداث رومانيا، حرب الخليج، الانتخابات الاسرائىلية. ويصل الى وسائل الاعلام كمّ هائل من الاخبار، تمر من خلال قناة تصفية وتنقية للاحداث المثيرة للاهتمام أو المفترض انها كذلك من وجهة نظر الجمهور، فيتم إهمال جزء هائل منها، وهناك حقيقة يعود الكاتب ليذكرنا بها، وهي ان التلفزيون - وبرامجه - صناعة اقتصادية تبيع صوراً، وبالتالي يخضع للسوق ولمتطلباته ولارتباطه بالاعلان. لهذا، نلحظ احياناً غياب السياسة عنه أو أقله في ساعات البث العادي الذي يشاهد الجمهور اثناءه البرامج، وهو ما يشجع في الوقت نفسه برامج تسخيفها أي السياسة بتقديم السياسيين بشكل كاريكاتوري. ويؤكد كايرول مرة جديدة على الدور الرئيسي الذي تلعبه وسائل الاعلام في حياة الديموقراطية، وليس أقلها مساهمتها في تسليط الضوء على القضايا الساخنة، وابقاء بعض المسائل حية في ذهن الجمهور. ولا يكتفي الكاتب بوصف المشكلة، بل يقترح حلولاً منها: ضرورة الاصلاح السياسي، باعتبار نظام الاعلام هو الابن الشرعي للنظام السياسي، ويشدد كايرول على دور المدرسة في شرح وظيفة الرسالة الاعلامية. وهو ما يُساهم في التحصن منها، وما يستدعي ايضاً مشاركة المجتمع في نقاش الدور الاعلامي المفترض، للوصول الى أخلاقيات محددة ميثاق شرف. ويخلص الكاتب الى ان السياسة والاعلام مسائل خطيرة في الحياة الديموقراطية، بحيث اننا لا نستطيع ان نتركها كلها بين أيدي السياسيين وحدهم أو حتى رجال الاعلام. فالحل الأنجع هو النقاش المستمر للمجتمع مع ذاته وبين أطرافه، في سبيل رفع سقف ما ينتظره ويتطلبه من مستوى نوعي للانباء أو الاعلام. أخيراً، فإن الكتاب يلخص جو العلاقة المستجدة بين الاطراف الثلاثة: السياسة، الاعلام، والمواطن.