ترافقت المشاورات التي يواصلها رئىس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري لايجاد حل للأزمة الاقتصادية الراهنة مع تصاعد في حدة السجالات بينه وبين معارضيه، ولا سيما منهم سلفاه النائبان سليم الحص وعمر كرامي والنائب نسيب لحود، وحتى احد اعضاء حكومته الوزير فارس بويز الذي سمّى هذه المشاورات ب "الوشوشة"، معتبراً "ان الاطار الصحيح لها هو مجلس الوزراء". ومن المقرر ان يعقد مجلس الوزراء جلسة اليوم، يتوقف مكان انعقادها على ابلال الرئىس الياس الهراوي من الوعكة الصحية، وبعد تفاهم بين رئيسي الجمهورية والحكومة على جدول اعمالها واسترجاع مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب من المجلس النيابي. وتابع الحريري امس مشاوراته مع الكتل النيابية، الانماء والتغيير الشمالية والنائب بيار دكاش وكتلتي حزب البعث والوزير سليمان فرنجية والنائبة نائلة معوض وكتلة القرار الوطني. ودعت كتلة الانماء الى "تضافر الجهود في عمل وطني مشترك وبروح ايجابية لايجاد حلول للأزمة". وطالبت "بحل جذري"، معلنة انها قدمت الى الحريري اقتراحات، مطالبة ب "تجنّب التراشق بالاتهامات والقاء التبعات". اما دكاش فرأى ان المشاورات "تؤكد وجود ازمة تتطور يوماً بعد يوم، ومواجهتها تكون بتكاتف جميع المسؤولين، موالين ومعارضين". واعتبر "ان الحل بالوفاق الوطني وعودة المهجّرين"، مطالباً ب "حكومة وفاق وطني". ورأى "ان على الحكومة ايجاد الحل، لا على النواب". بويز وتعليقاً على مشاورات الحريري، قال الوزير بويز: "لا اعتبر انني معني بها لا من قريب ولا من بعيد. فأي مشاورات تتم داخل مجلس الوزراء. هذه وشوشة لا مشاورات خارج مجلس الوزراء، وأي بحث بين اعضاء الحكومة خصوصاً في موضوع عام وطني وكبير ودقيق وخطير في هذا الشكل يجب ان يتم في مجلس الوزراء". وقال: "ان المجلس النيابي ابدى وجهة نظره في جلسة مناقشة الموازنة وفي الجلسة التي سبقتها ولا مانع من عقد جلسة مناقشة جديدة مخصصة للوضع الاقتصادي لنسمع من خلالها آراء النواب في دقة ووضوح ومسؤولية بدلاً من ان يتم الموضوع بالمفرق على هذا الشكل". الحص وأمس ردّ الحص وكرامي على ما صدر عن المكتب الاعلامي للحريري. فقال الحص في ما يتعلق بأولوية المشاريع التي كان ينبغي للحكومة تنفيذها، "المسألة لا تتعلق بمشروع معيّن. فمجموعة من المشاريع نفّذت من دون خطة، وكانت النتيجة من جهة ان تجاوزت الحكومة حدود الامكانات المالية للدولة، بدليل تفاقم عجز الموازنة وحجم الدين العام، ومن جهة اخرى تُركت مشاريع حيوية ملحّة مثل مشاريع المناطق المحرومة وإكمال عودة المهجّرين وتنمية القطاعات الانتاجية من دون تمويل. فلو وُجدت الخطة في حينه لاختلفت برمجة المشاريع في حجمها ومراحل تنفيذها وتكاليفها، ولما تجاوزت حدود قدرة الدولة على التحمّل مالياً". وتابع "ان السؤال عن اي مشروع تم تنفيذه ولم يكن يتمتع بالأولوية انما يخطئ القصد من المطالبة بخطة انمائية شاملة. هناك مشاريع اخرى لم تنفّذ بسبب فقدان التمويل لها، وهي لا تقل عن المشاريع المنفّذة اهمية، لا بل قد تفوقها ومنها تنمية القطاعات الانتاجية وبناء الأوتوستراد الدائري والأوتوستراد العربي، فضلاً عن مشاريع المناطق المحرومة وإكمال عودة المهجّرين، فكيف كان في امكان الحكومة ارجاء تنفيذ هذه المشاريع بسبب محدودية التمويل ولم يكن في امكانها للسبب نفسه ارجاء او اعادة مرحلة اي من المشاريع التي تم تنفيذها؟ فالمشاريع المنفّذة وتلك التي يتوجّب تنفيذها كلها مهمة، لكن المفروض بأي خطة ان تقدّم الأهم على المهم ضمن حدود الامكانات المالية للدولة. والخطة بأولوياتها لا يستطيع احد ان يرسمها نيابة عن الحكومة. فالحكومة وحدها تستطيع رسم الخطة المطلوبة، لأنها وحدها تتمتع بالامكانات المالية والادارية والبشرية اللازمة للقيام بموجبات الخطة. فهي التي تتصرّف بامكانات مجلس الانماء والاعمار وإمكانات الوزارات المختصة وإمكان استخدام الشركات الاستشارية ومشاورة المؤسسات الدولية، فأين للآخرين كل ذلك؟ فلا عذر للحكومة في عدم وضع خطة انمائية شاملة، ولا طائل من مشاغلة الناس بجدال عقيم على مشاريع محددة ومدى أهميتها او جدواها". وختم "ان تكرار الحديث عن الاشتباك مع الحكومة لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو رفض وجود المعارضة اطلاقاً، علماً ان وجود المعارضة هو محك وجود الديموقراطية في اي بلد، فلا ديموقراطية من غير معارضة. اما حكم التيار الواحد او الحزب الواحد فليس من الديموقراطية في شيء". كرامي اما كرامي فقال "ان الرأي العام اللبناني اصبح مدركاً ملابسات 6 ايار مايو/ التظاهرات التي اطاحت حكومته عام 1992 من تخطيط وتنفيذ وجني ارباح، وأن زيادة الرواتب لم تكن السبب في الانهيار النقدي، بل كان ذلك بسبب التآمر من بعض اركان الحكم ومصرف لبنان وبعض المصارف التي تدور في فلك بطل 6 ايار". وأضاف "ان الدين الذي تسلمه الرئىس الحريري والبالغ ثلاثة آلاف وخمسمئة بليون ليرة لبنانية، هو حصيلة كل سنوات الحرب، وحكومتنا لم تصرف اي قرش الا ضمن موازنة متواضعة لم ترتب اعباء مرهقة على خزينة الدولة، ولم تكن كلفة الدين بالشكل الذي هي عليه الان، وكان يجدر بحكومات الرئيس الحريري المتعاقبة ان تكون عندها سياسة مالية واضحة تهدف الى تقليص الدين ضمن الاطار الذي يتحمله وضع لبنان الاقتصادي والمالي لا ان يسير في سياسة مالية وانمائية خاطئة أدت الى هذا العجز الهائل الذي يهدد مصير البلاد والعباد". وختم "يكفينا فخراً اننا زدنا الرواتب ولم يقل احد ان هناك قرشاً ذهب اهداراً بسبب السرقات والصفقات والعمولات". لحود وقال النائب نسيب لحود: "بدلاً من الانصراف الى معالجة الاسباب الحقيقية للأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية المتجذرة التي يشتد خناقها يوماً بعد يوم، ها هي الحكومة تستهلك الوقت الثمين المتبقي للعلاج في مناورات تهدف الى تبييض ساحتها وإلقاء تبعة الأزمة على الآخرين، خصوصاً على من ارشدها منذ اللحظة الاولى الى مكامن الخطأ في سياساتها، وحذّرها باكراً من المأزق الكبير التي تسوق البلاد اليه، وقدّم اليها دوماً ومن منطلق وطني مسؤول البدائل الصادقة والنصائح المخلصة". واتهم لحود الحكومة، بدلاً من التصدي للمشكلات الحقيقية، "بمحاولة تجميل صورتها وتشويه صورة الآخرين، وإيهام الرأي العام بأن المشكلة الاساس مصادر التمويل لا الاهدار والانفاق". وانتقد "الامعان في المكابرة والحديث عن المأزق المالي الراهن كأنه قضاء وقدر، وفي ذلك تنكر لحقائق التحذيرات المبكرة التي اطلقناها وغيرنا". وعدّد بعض المشاريع التي اعتبرها خاطئة، وقال "آن الأوان لأن تدرك الحكومة ان الازمة هي من العمق بحيث لم تعد تجدي المناورة، وان الوقت المتاح لاحداث تغيير ايجابي آخذ بالنفاد، وان كل يوم يمرّ يجعل مهمة الاصلاح اصعب من ذي قبل وأكثر كلفة بما لا يقاس. والمطلوب اليوم تغيير حقيقي يعالج الجذور الفعلية للأزمة المتمثلة بالعجز السياسي كما هي بالعجزين المالي والاقتصادي".