على رغم المساعي المبذولة لتهدئة الأجواء، في ضوء ما أثاره طرح مشروع قانون الزواج المدني الإختياري، لم ينقطع سيل المواقف المتعلقة بهذا الموضوع، وكان ابرزها امس ما قاله رئىس المجلس النيابي نبيه بري لجهة ان الخلاف بين رئيسي الجمهورية الياس الهراوي والحكومة رفيق الحريري "ليس الزواج المدني"، من دون ان يعطي تفاصيل. واعتبر بري، خلال لقائه نواباً امس في المجلس النيابي، ان "الموضوع ليس الزواج المدني بمقدار ما انه ممنوع مسّ جدار برلين الطائفي داخل لبنان ومسألة إلغاء الطائفية السياسية. فبمجرد الوصول الى هذا الربط تم إيجاد هذا الجدار القوي الذي اصطدم به الجميع". ونقل النواب عنه "ان الزواج المدني يُتخذ ذريعة لتوتير الأجواء، بدليل ان ثمة اقتراحاً قدّمه نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي يتجاوز ما طرح في مجلس الوزراء مقدّم منذ 16/7/1997 ومحوّل الى الحكومة ولجنة الإدارة والعدل". وسأل "لماذا اذاً تجري الامور هكذا؟". وأتى على ذكر ما قاله البطريرك الماروني نصرالله صفير "إلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص". وقال "ان هذا الكلام جيد لذلك نقول بتأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية التي ليس من حقها او واجبها الغاء الطائفية انما تقديم آراء واقتراحات وأفكار يمكن ان تساعد على تخفيف الجو الطائفي شيئاً فشيئاً وصولاً الى إلغاء الطائفية السياسية، وليس غير الهيئة الوطنية في إمكانها ان تؤدي دوراً لإلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص. لذلك عندما طرحناها قلنا انها تحتاج الى عشرين او 30 سنة وأكثر". وقال ان مبادرته بالتحرك "من اجل تشكيل هذه الهيئة لا تحتاج الى رسالة موجهة من رئىس الجمهورية بل ان هذا من ضمن صلاحياته، وهو ما نصّ عليه الدستور". ودعا الى "عدم تعظيم الأمور في هذه المواضيع"، قائلاً "ان المشكلات الطائفية تحدث في الأندية الرياضية حتى ان بعض الكتب المدرسية لا تساعد على توفير اجواء وطنية". ورجحت مصادر نيابية ان تشكل العودة الى هذا الاقتراح "مخرجاً ملائماً للبلبلة القائمة حيال هذا الموضوع، ويمكن للجنة الادارة والعدل النيابية بعدما احيل الاقتراح عليها ان تدرجه على جدول اعمالها لدرسه". الحريري وكان الرئىس الحريري قال "ان توقيت طرح مشروع الزواج المدني في غير محله"، على ما نقل عنه وفد من حزب الكتلة الوطنية الذي اعلن امينه العام ابراهيم اسطفان "تأييد رئيس الحكومة في موقفه على اعتبار ان الاهتمام يجب ان ينصبّ في صورة اساسية على تنفيذ القرار الرقم 425". وأشار الى "ان البحث تناول موضوع عودة المهجّرين"، لافتاً الى "ان الرئىس الحريري في صدد تقديم المشاريع اللازمة الى المجلس النيابي لإقرارها في ايجاد التمويل اللازم لعودتهم". واعتبر وزير العمل اسعد حردان بعد لقائه الحريري "ان الزواج المدني الاختياري ركيزة من ركائز الاصلاح السياسي في البلد وترفع من عيار المواطنية وتسهم في إلغاء الطائفية". وعن امكان اعادة طرح الموضوع في مجلس الوزراء، قال حردان "ان رئىسي الجمهورية والحكومة قيّمان على المؤسسات وهما أعلم بإمكان إعادة طرح الموضوع على مجلس الوزراء"، مشيراً الى "ان ما يطرح الآن يبحث في اطار عمل المؤسسات". وفي المواقف، اكدت الهيئة الشرعية للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى التي اجتمعت امس برئاسة الإمام محمد مهدي شمس الدين "رفضها مشروع القانون المدني للأحوال الشخصية الإختياري الذي تورده وسائل الإعلام باسم الزواج المدني، لمخالفته جوهر عقيدة المسلمين وإيمانهم الديني". واستغربت "عدم استجابة الجهات ذات العلاقة في الدولة الى الآن للموقف الواحد للمرجعيات الدينية اللبنانية في امر يتعلق بجوهر مسؤولية هذه المرجعيات عن الإيمان الديني والأحوال الشخصية الشرعية للبنانيين". واعتبرت "ان امراً بهذا المستوى الفائق من الخطورة لا يمكن ان يكتسب اي شرعية قانونية ما دام يتنافى مع العقيدة الدينية ويهدد الوفاق الوطني". ورفضت "الادعاء ان قانون الاحوال الشخصية المدني المقترح من شأنه ان يعزز التلاحم الوطني او يحقق السيادة الوطنية لأنه لا يستند الى حقيقة ثابتة ولا يقوم على رؤية موضوعية عميقة وشاملة". واعتبر "ان طرح هذا المشروع احدث توتراً خطيراً في الوضع الوطني العام". وتابعت "ان المرجعيات الدينية اللبنانية والمؤسسات الدينية للبنانيين كانت دائماً ولا تزال وستبقى تتحلى بأعلى درجات الأمانة والمسؤولية عن سلامة لبنان وسيادته ووحدة شعبه ومؤسساته وكرامته وهي ضمان لكل ذلك، ولم يحدث قط ان فرطت في شيء من ذلك". ودعا القائم مقام شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث الى "ضرورة الوعي والتعقل والترفع عن الحساسيات والمشكلات الكثيرة وإرجاء كل المشاريع والملفات المثيرة للجدل والإنقسام من موضوع الزواج المدني الى المعالجة الهادئة المسؤولة بروح التفاهم والاقناع والحوار وعدم الوقوع في فخ الفتنة حرصاً على الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحرجة". وانتقدت النائبة نائلة معوض الحكم "الذي يطرح الزواج المدني ويمارس كل يوم ممارسات طائفية ومذهبية وأول عنوان واضح لها هو وجود الترويكا". وأضافت، بعد زيارة بكركي امس، "ان الطائفية متغلغلة في كل الوزارات وكل ممارسات الحكومة طائفية تتنكر للديموقراطية والحرية في لبنان. نحن لا نستطيع ان نطرح مواضيع في هذه الأهمية تكون خلفياتها مرتبطة باستحقاقات او شهوات خاصة"، وتابعت "لا يمكن التساهل في اي موضوع يحدث ارباكاً في الوفاق الوطني". وقال النائب أيمن شقير "ان تجربة الحرب أثبتت ان العائلات التي فيها اختلاط في الزواج على اساس الزواج المدني، الذي قاعدته احترام انتماء الشريك وأصوله ومعتقدات عائلته، أنبتت روحاً متسامحة منفتحة، أسهمت في التخفيف من الغلو الطائفي والمذهبي وفي كبح الطائفيين الذين أوقدوا نار هذه الحرب. وفكرة الزواج المدني الاختياري في مجتمعنا خطوة ايجابية تسهم في الانصهار الوطني والاجتماعي وتساعد على الخروج من مجتمع الطوائف الى المجتمع الموحد".