مشكلتنا مع الناشرين والموزعين معظمهم وليس كلهم من باب الانصاف والدقة مؤسفة ومحزنة. فالكاتب والأديب والشاعر والمؤلف يفني عمره ويشقى ويضع عصارة فكره من اجل كتاب أو ديوان يساعده في العيش الكريم ومواجهة أعباء الحياة، فاذا به يواجه سلسلة من عمليات الاحتيال والسرقة والاستغلال وصولاً الى النصب والتزوير بطباعة نسخ مزورة لكتّاب مشهورين. وهذا ما حصل فعلاً في مناسبات كثيرة وطال أقطاب الأدب والشعر والفكر العرب الذين بح صوتهم من الشكوى فلم يستمع اليهم أحد وذهبت شكاويهم وكأنها صرخة في واد مع انه من المفترض ان يدافع الجميع من القمة الى القاعدة عن حقوق النشر والطبع لاعادة الحق الى نصابه وردع كل من تسول له نفسه سرقة عرق جبين وعصارة فكر ودم قلب أي كاتب وأديب وشاعر. وكان آخر المنكوبين بالسلب والسرقة في وضح النهار شاعرنا الكبير نزار قباني اذ تم اكتشاف تزوير طبعات لدواوين كاملة للشاعر خلال معرض الكتاب الدولي في القاهرة. وكانت هذه الدواوين زورت في بيروت وعواصم عربية اخرى ووجدت طريقها الى العالم العربي والخارج. كما ان بعض الناس سمح لنفسه بجمع قصائد نزار الكاملة مع بعض التعليقات والآراء في سلسلة كاملة وضع اسمه على أغلفتها! وعندما سألت أخي نزار عن الأمر قال انه يسمع به مني للمرة الأولى… وأبدى امتعاضه هو وأمينة سره وحارسة صحته وأشعاره وراحته ابنته السيدة هدباء. وما حدث لنزار حدث مثله لعدد كبير من المشاهير مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس وعمر أبو ريشة وبدوي الجبل ومعظم الرواد الراحلين، ليس باصدار طبعات مزورة لنتاجهم فقط بل في أكل حقوقهم وهضمها وعدم تسديد قيمة المبيعات والتوزيع وحقوق الملكية الفكرية. وقد طالتني سهام من هذه الآفة في مرات عدة، فعندما تربيت من اللذعات قررت ان أطبع كتبي على نفقتي الخاصة ثم أسلمها الى موزعين في العالم العربي. فقد ادعى من حصل على حقوق كتابي مع الحاج علي الدجاني "القدس ايمان وجهاد" بأنه لم يوزع كثيراً وأرسل الينا مبالغ تافهة اكتشفت بالصدفة في دول عربية عدة انه باع بالآلاف نظراً الى اهمية القدس والمعلومات الوثائقية والتاريخية الواردة فيه. كما انه شارك في معارض الكتب ونفد فيها لا سيما في الامارات والسعودية حيث تأكدت من ذلك بنفسي. وعندها أصدرت كتابي "حوارات على مستوى القمة" فوجئت بوجود طبعة هزيلة منه في المكتبات، كما اكتويت بنار موزعين في القاهرة وتونس وغيرهما تسلموا الكتب ولم يدفعوا شيئاً من قيمتها حتى هذه اللحظة ولا بد ان استثني شركة تهامة العريقة والشركة الوطنية السعودية ودار الساقي ومكتبة الكشكول في لندن. صحيح ان الفكر رخيص والكتابة لا تطعم خبزاً في عالمنا العربي، ولكن عندما يلتفت الانسان حوله ويجد القانون مؤوداً يخفت ألمه لأن الموت مع الناس رحمة ما دام العدل غائباً والساحة مفتوحة لكل من هبّ ودبّ و… سرق ونصب! ولا عزاء للكتاب والأدباء والشعراء، ونزار أولهم.
لقطة من جبران خليل جبران: تعلمت الصمت من الثرثار والاجتهاد من الكسلان والتواضع من المتكبر. والغريب أني لا أقر بفضل هؤلاء المعلمين.