أكدت مصادر اميركية مطلعة ان اعلان المبادرة الاميركية المتعلقة بعملية السلام او تأجيله موجود الآن على طاولة الرئيس بيل كلينتون لاتخاذ قرار في شأنه، فيما بقي الحديث عن خطاب ستلقيه وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت عن الشرق الأوسط في باب التكهنات حتى الآن. وتضاربت الانباء امس في شأن امكان عقد اجتماع بين وزيرة الخارجية الاميركية وكل من الرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في أوروبا الأسبوع المقبل لاطلاعهما على تفاصيل المبادرة الاميركية. ففي حين قال مسؤول اميركي انه لا يرى "اي مؤشرات الى ذلك"، لم يستبعد مسؤول اميركي آخر عقد اللقاء "في مكان ما في اوروبا ربما يومي الخميس والجمعة المقبلين". وشدد على ان الفكرة "لا تزال فكرة في انتظار اتخاذ قرار في شأنها اذا تم تبني الرأي الداعي الى اطلاق مبادرة خاصة وغير علنية تبلغ رسمياً الى الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وتُسرب لاحقاً". وأشار المسؤول الى ان اولبرايت ستكون في المانيا الأربعاء المقبل لعقد اجتماعات في شأن قضية كوسوفو، و"عندئذ قد تطلب منهما عرفات ونتانياهو الحضور الى اي مكان في اوروبا". وكانت الصحف الاسرائيلية تحدثت عن عقد مثل هذا اللقاء امس. في غضون ذلك، سعت واشنطن الى طمأنة اسرائيل في شأن مبادرتها، مشددة على انها لن تتضمن "اي مفاجأة"، فيما لمّح نتانياهو الى رفض المبادرة حتى قبل ان يطلع على مضمونها. وتحدثت الاوساط الصحافية الاسرائيلية امس عن الفتور الذي قوبل به موفدا نتانياهو الى واشنطن، وزير التجارة والصناعة الاسرائيلي ناتان تشارنسكي ومستشار نتانياهو السياسي عوزي اراد. وفيما تحدثت الانباء عن رفض اولبرايت لقاء تشارنسكي، أكد مسؤولون في الخارجية الاميركية ان الاجتماع "مقرر في وقت لاحق اليوم امس". لكن الصحافة الاسرائيلية اشارت ايضاً الى ان وزير المال الاسرائيلي يعقوب نئمان لقي المعاملة الباردة نفسها. اذ افادت مصادر في وزارته انه قبل يوم واحد من مغادرته الى واشنطن، اعلنت الادارة الاميركية الغاء لقاءاته كلها في العاصمة الاميركية، وعزت ذلك الى عدم انتهائها من دراسة القضايا" التي يريد نئمان البحث فيها مع المسؤولين الاميركيين، والتي تتعلق بالدعم المالي المدني والعسكري للدولة العبرية. وأعربت اسرائيل عن قلقها ازاء المبادرة الاميركية التي يحاول نتانياهو ارجاءها قدر الامكان من اجل محاولة التأثير على مضمونها. وتتخوف اسرائيل من ان تلجأ الولاياتالمتحدة الى ممارسة ضغوط على تل أبيب للموافقة على مبادرتها بما في ذلك التهديد بقطع الدعم المالي كما حدث في السابق وهو ما دلل عليه الغاء اللقاءات الرسمية مع نئمان. وكان من المقرر ان يبحث نئمان في نية واشنطن تقليص دعمها المدني لاسرائيل والذي يزيد عن بليون ونصف بليون دولار اضافة الى بليون وثمانمئة مليون دولار على شكل مساعدات عسكرية بسبب ارتفاع المستوى المعيشي في اسرائيل. وقالت اسرائيل ان نئمان سيكتفي بالمشاركة في سلسلة من المحاضرات في نيويورك وزيارة الجاسوس الاسرائيلي جوناثان بولارد بدل عرض اقتراحاته على الادارة الاميركية بتأجيل التقليص حتى بداية الألفية الثالثة على ان لا تتجاوز نسبته خمسين في المئة. وأكد وزير الأمن الداخلي الاسرائيلي افيغدور كهلاني تخوف اسرائيل من ضغوط اميركية محتملة. وقال في تصريح للاذاعة الاسرائيلية ان "اسرائيل تخشى المبادرة الاميركية الجديدة التي ستحاول ان تفرض على اسرائيل انسحاباً من مناطق واسعة من الضفة الغربيةالمحتلة"، معتبراً ان محاولة الفرض بالقوة "من شأنها ان تضر بالجانبين الفلسطيني والاسرائيلي على السواء. والأمر الآخر الذي تخشاه اسرائيل هو حدوث تقارب، ولو محدود، في وجهات النظر بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة في خصوص العملية السلمية، علماً بأن المبعوث الأوروبي لعملية السلام ميغيل انخيل موراتينوس توجه الى واشنطن لاطلاع الاميركيين على نتائج محادثات وزير الخارجية البريطاني روبن كوك في المنطقة. وتتزامن زيارة موراتينوس مع اقتراب موعد اطلاق المبادرة الاميركية في ظل غضب بريطاني واوروبي على الطريقة التي عاملت بها اسرائيل موفدهما. وفي هذا السياق، كشفت مصادر صحافية اسرائيلية رفض رئيس الوزراء البريطاني توني بلير التحدث هاتفياً مع نتانياهو، تعبيراً عن استيائه من سوء المعاملة التي قوبل بها وزير الخارجية. ونفت الحكومة الاسرائيلية النبأ وعزت عدم حدوث المكالمات الهاتفية التي وعد نتانياهو بالقيام بها بعد مغادرة كوك تل ابيب الى "اسباب تقنية بحتة". وحاول نتانياهو في تصريحات الفصل بين بلير "الصديق الحميم لاسرائيل" ووزير خارجيته، معرباً عن امله في ان يستضيف بلير الشهر المقبل و"سنستقبله بالترحيب". لكن محللين اسرائيليين حذروا نتانياهو من ان بلير لا يحتاج الى اموال الحاخام البريطاني الاكبر لتمويل حملته الانتخابية كما يحتاج الرئيس بيل كلينتون اموال اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة ايباك في حملته الانتخابية. وكما حكم نتانياهو مسبقاً بالفشل على المبادرة الاوروبية، استبق الخطوة التي تعتزم الادارة الاميركية القيام بها لتحريك العملية السياسية وأعلن رفض تل أبيب أي "املاءات خارجية تخص مستقبل إسرائيل وأمنها". وقال نتانياهو في مؤتمر صحافي عقده مع المستشار النمسوي فيكتور كليما الذي يزور تل أبيب، ان إسرائيل وحدها هي التي ستتخذ القرارات المصيرية لأمنها ومستقبلها، مضيفاً انه "لا يمكن لأي طرف آخر الاملاء على إسرائيل في ما يتعلق بمصالحها الأمنية". لكنه قال ان في امكان واشنطن طرح اقتراحات على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي لدفع العملية السلمية الى امام. وفي ما بدا كأنه تراجع عن التزامه اتفاقات الحكم الذاتي قال نتانياهو: "ان اتفاقات اوسلو التي استندت الى منطق السلام مقابل الامن كما قال اسحق رابين رئيس الوزراء السابق، تحولت خلال العامين الماضيين الى آلية لتسليم الفلسطينيين مقابل لا شيء". ويبدو ان ما وصف ب "الغطرسة والوقاحة الديبلوماسية" التي اتسمت بها معاملة نتانياهو لوزير الخارجية البريطاني خلال زيارته لتل ابيب قبل يومين على الدولة الاوروبية التي ستترأس الاتحاد الاوروبي بعد ثلاثة اشهر. اذ حرص المستشار النمسوي على ان يستهل زيارته بالتوقف عند متحف الكارثة والبطولة ياد فاشيم في القدس حيث وضع باقة من الزهور على قبر رابين. كذلك اعلن عزمه لقاء ايهود باراك زعيم المعارضة العمالية الاسرائيلية، قبل ان يحظى بمراسيم استقبال رسمية من نتانياهو الذي اقام على شرفه مأدبتي غداء وعشاء "نكاية" بالوزير البريطاني. وحرص المستشار النمسوي ايضاً على التوضيح ان الهدف من زيارته هو "الاصغاء وجمع المعلومات" توطئة لرئاسة بلاده الاتحاد الاوروبي. وأكد كليما حق اسرائيل في حدود آمنة ومعترف بها، لكنه اكد ايضاً حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في ظل سلام عادل. وكان الرئيس الاسرائيلي عيزرا وايزمان كرر على مسامع كيلما في وقت مبكر امس الموقف الاسرائيلي من المبادرات الدولية سواء كانت اميركية او اوروبية لانعاش العملية السياسية. وقال وايزمان ان على الفلسطينيين والاسرائيليين حل مشاكلهم بأنفسهم من دون تدخل خارجي. الى ذلك أ ف ب، ذكرت الاذاعة الاسرائيلية ان الأمين العام للحكومة الاسرائيلية داني نافيه وكبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات التقيا اول من امس في منزل سفير الولاياتالمتحدة لدى اسرائيل ادوارد ووكر، لكن من دون ان يسفر اللقاء عن تحقيق اي تقدم. وأشارت الاذاعة الى ان المحادثات تناولت مسائل منها فتح مطار في قطاع غزة وانشاء منطقة صناعية مشتركة حسبما نصت اتفاقات الفترة الانتقالية للحكم الذاتي الفلسطيني. من جهة اخرى ق ن ا حذر رئيس حزب العمل الاسرائيلي يهود باراك من "ان الجمود الذي يكتنف عملية السلام في الشرق الأوسط قد يؤدي الى نسف العملية السياسية مع الفلسطينيين والسوريين". ونقلت الاذاعة الاسرائيلية باراك قوله في كلمة امام مؤتمر حزبي ان اسرائيل "لا تزال في مركز قوة يتيح لها حل بعض المشاكل". وحذر من انه في حال تفويت الفرص فقد "تواجه اسرائيل حرب عصابات تؤدي الى خلق واقع جديد يشبه الاوضاع السائدة في البوسنة".