الكتاب: النساء والغواية والخيانة في المرويات التوراتية المؤلفة: آليس باخ الناشر: دار جامعة كامبردج - 1997 يهدف هذا الكتاب الى طرح وجهة نظر نسوية صريحة في مرويات التوراة المتعلقة بالنساء، وموضوع الجنس والاغواء والخيانة. وتضرب مؤلفته أليس باخ على وتر أن ما ورد في التوراة والانجيل عن المرأة يعكس موقفاً ذكورياً نابعاً من خلفية اجتماعية تتسم بهيمنة الرجل في المجتمع. ومن هذا المنطلق يمثل الكتاب انزياحاً عن النمطي والتقليدي في الكتابات المتعلقة بالتوراة، الى حد ان الكاتبة تستبدل ضمير الغائب المذكر هو بضمير الغائب المؤنث هي، في مسعى إلى رد الاعتبار للمرأة المهضومة حقوقها حتى الآن باعتبارها تشغل موقعاً ثانويا او هامشيا في كل شيء تقريبا، بما في ذلك اللغة. وترى ان من بين الاهداف الايديولوجية في النصوص التوراتية تمزيق أو تشظية قوة النساء وكلمتهن. وخير وسيلة لتحقيق هذا الغرض فصل او عزل النساء عن بعضهن البعض الآخر ضمن الوحدات النصية. لذلك تحاول المؤلفة، من جهتها هي، ان تدرس موضوع النساء التوراتيات ضمن اطار موحد عام، كما تسعى الى عقد مقارنة بين صورة البطلة التوراتية وبين دورها المتعاظم في أدب ما بعد التوراة. ففي الاطارالعام نرى ان مهمة الزوجات التوراتية تتسم بالمحافظة على التقاليد الموروثة، اما الشريرات فيستخدمن غرائزهن الجنسية لإغراء الرجل وصرفه عن المحافظة على القيم والتقاليد. وان الادب النسائي التوراتي يذهب، على العموم، الى اعتبار العامل الجنسي لعبة تدميرية وسلبية في أبعادها الاجتماعية. وتسلط التوراة التي بين أيدينا الاضواء على هذا الجانب الجنسي عند المرأة في غير مناسبة، موجهة الادانة لها حتى لو كان الرجل هو المعتدي. وأول شخصية نسوية تتعامل معها هذه الدراسة هي "زوجة العزيز"، التي تعرف في الادب التوراتي بزوجة فوطيفار، وقد آثرت المؤلفة تسميتها ب "موت - ايم - انيت"، مستعيرة الاسم من رواية توماس مان "يوسف واخوته" التي ألفها في العام 1934، لأنها كانت غفلاً من الاسم في التوراة. وفي الفصل الثالث من كتابها تقارن بين هذه الشخصية النسائية في رواية توماس مان ونظيرتها في التوراة، وتعقد مقارنة أيضاً بينها وبين سوسنة التي تعتبر المقابل الانثوي ليوسف، وهي المرأة التقية، كيوسف، لكنها اتهمت ظلماً بتهمة جنسية. وتذهب الكاتبة أبعد من ذلك، فتحاول الاستفادة من نص اغريقي يرقى الى القرن الأول الميلادي عنوانه "وصايا الآباء الاثنتي عشرة"، يروي فيه يوسف على فراش الموت لأبنائه عن حياته، لا سيما قصته مع المرأة المصرية التي راودته. وهو نص كتب بضمير المتكلم على لسان يوسف حول "ما جرى" بينه وبين زوجة سيده. ومن المعروف ان يوسف في التوراة كان صامتاً بعد اتهامها اياه، لكن القصة اليونانية تتوسع في هذا الجانب، طبعاً مع الالتزام بموقف يوسف الصامد تجاه اغواء المرأة. كما تعمد الكاتبة الى عرض استطرادات توماس مان بشأن "مُوت - ايم - انيت" ويوسف التي تعتبر بمثابة تنويعات بتوسع على قصة يوسف، من وجهة نظر زوجة فوطيفار امرأة العزيز نفسها. ونفهم من قراءتنا الفصل الثالث من الكتاب ان المؤلفة، المتخصصة بتدريس التوراة من وجهة نظر نسوية، تؤكد على ان المرأة، او الضمير "هي"، انما اتخذت وتتخذ دائما موضوعاً ضمن الهيمنة السردية او الروائية الذكورية. وترى المؤلفة ان موضوع الذكر والانثى كان ماثلاً منذ عهد التوراة حتى الآن، مرورا بنظريات فرويد. ومع ان توماس مان لم يشذ عن هذه التوصيفة، الا انه سار في خط مغاير للتوراة في تعامله مع "مُوت - ايم - انيت"، الى حد انه لا يوجه اليها ملامة او ادانة. ولا شك في أن رواية توماس مان الثلاثية عن يوسف واخوته لها بُعد عصري حديث ومنظور ذو فضاء رحب ومتسع في تحليل الشخصيات، أو تحديداً، تنظير شخصيتي الرجل والمرأة، من خلال يوسف وزوجة سيده فوطيفار. اما المؤلفة فترى ان الشخصيات التوراتية، لا سيما النسائية، تتسلك ضمن منظور تقليدي كبضاعة اكثر منها كشخصية، او ككتل صلبة من الابيض والاسود اكثر منها صورة حافلة بالألوان، او كنوطة مفردة اكثر منها كسمفونية. اما مهمة القارئ الحديث فهي ان يدخل عصر الميلودي، والضوء، والامكانات المتعددة الاخرى للقراءة. وفي مقابل الصورة السلبية التي تمثلها زوجة فوطيفار في التوراة، نقف على النموذج الايجابي للمرأة - المصرية أيضاً - في قصة يوسف نفسها، هي زوجته أسيناث. لكن هذه الاخيرة لم تُذكر سوى مرة واحدة فقط في التوراة. اما الكاتبة أليس باخ فتستقي معلومات مفصلة عنها من قصة طويلة عنوانها "يوسف وأسيناث" كُتبت باليونانية في القرن الاول الميلادي. وتأتي صورة أسيناث هنا على نقيض تام مع صورة امرأة فوطيفار، عفة ورغبة. ومع ان بيتشبع ينظر اليها كامرأة مُغوية أيضاً، لأنها أغوت الملك داود، إذ عمدت للاستحمام في البرد أمامه، لكي تجتذب اهتمامه، كما تفيد التوراة، إلا أنها تصنف في قائمة النساء الخيرات من أمثال أسيناث، كما تقول المؤلفة، لأنها في عرف التأويل اليهودي كانت تهدف الى مسح ابنها سليمان ملكاً على بني اسرائيل. وعند الحديث عن سالومي تستعيد الكاتبة صورة السفنكس الهولة التي جثمت على مشارف طيبة في مأساة اوديب، وطلبت من الناس ان يجدوا حلاً للأحجية التي طرحتها عليهم، وقضت بقتل والتهام من يفشل في حل الأحجية. وقارنت هذه الهولة بسالومي التي طلبت رأس يوحنا المعمدان. فتلك عفريتة أنثى، وسالومي لا تكاد تختلف عنها. لكن الكاتبة تذكرنا دائما بأن صورة المرأة الشريرة المرتدية لباس سالومي هنا انما تحمل ايضا نظرة ذكورية إلى المرأة. وقصة سالومي تلخص بالكلمات الآتية: في مناسبة عيد ميلاد هيرود الحاكم اليهودي على فلسطين التابع للحكم الروماني، ترقص ابنة زوجته للضيوف، ونتيجة لاستحسانه رقصها يعرض عليها اي شيء بما يعادل نصف مملكته. وحسب الرواية الواردة في انجيل مرقس تترك سالومي الصالة لتستشير أمها هيرودياس، التي تقترح عليها رأس يوحنا المعمدان. ثم ان سالومي تتفنن اكثر في هذا الطلب، فتطلب رأس يوحنا مقدما على طبق. وتتحدث المؤلفة عن دور "المأدبة" في قصص النساء التوراتيات. ومع أن المآدب لم ترمز الى شيء واحد في كل مكان، إلا أن هناك صلة بين الأكل والتنشئة مقترنين بالنساء لارتباطهما بالطعام والجنس والموت، كما تقول المؤلفة. لكن الطعام هنا يتخذ بُعداً رمزياً: إنه يسمم، أو يُسكر، أو يورث إحساساً بالسعادة. والطعام إما ان يمثل سعادة جنسية او يرافقها. هكذا كانت مآدب احشويرش الملك الفارسي في قصته مع استير اليهودية، وهيرود، انعكاساً لسلوك حضاري على غرار الولائم الندوات الاغريقية التي كان يحضرها سقراط وتلامذته. لكنها ولائم للرجال تحضرها او تخدمها النساء، مع ان حضور المرأة هنا يلعب دوراً كبيراً، اذا أضفنا عوامل اخرى اليها: الجمال، الجنس، العطور، الافاوية. وتحت عنوان تفصيلي واضح الدلالة "مأدبة ذات أبعاد بوليفونية، أي كثيرة"، تستشهد الكاتبة بكتاب ديشيين "ادونيس" حول دور العطور والأفاويه في موضوع الجنس ايجاباً أو سلباً، وتقول: "إن بطلاتنا التوراتية الافاويهية يحاكين ادونيس في استعمال الروائح والرموز الانثوية الجنسية الاخرى في حملاتهن للقضاء على أعداء اسرائىل". وفي حالة أستير زوجة الملك الفارسي احشويرش نرى ان سلاح المرأة هنا ليس جسدها، بل المأدبة الطعام، والشراب، والمشهد، لتشجيع الملك على إصدار أمر بقتل هامان. ومن بين الشخصيات النسائية المهمة أيضاً، بيتشبع، زوجة داود وأم سليمان، التي انتزعها داود من زوجها اوريا الحثي، وقتله ثم تزوجها. وبيتشبع كانت امرأة جميلة جدا، وقد تعلق بها داود بعد ان نظر اليها وهي تستحم كما مرّ بنا، مع انها زوجة رجل آخر. وهي هنا تدخل في خانة النساء القمينات بأن يُنظر اليهن بتحديق، على حد تعبير المؤلفة. لكن هذه المرأة، بحكم كونها ستصبح أم الملك سليمان، ستطالب زوجها داود - بالاستعانة بالنبي اليهودي ناثان - بأن يعدها بتسمية ابنها سليمان ولياً للعرش، وستحصل على هذا الوعد، وبذلك تتحول مهمتها من امرأة تُشتهى الى ملكة يُسمع رأيها، او بكلمة اخرى من امرأة تُرى الى امرأة تُسمع. وحسب التوراة، لم تكن علاقة داود ببيتشبع، العقدة او المشكلة الوحيدة في بيته. فإبنه ابسالوم يغتصب محظيات أبيه. وابنه الآخر أمنون يقضي وطره مع أخته غير الشقيقة تامار. وهي ممارسات تثير اكثر من تساؤل لدى قراء التوراة. لكننا نعتقد بأن غشيان المحارم، كالعلاقة بين الأخ وأخته، أو بين الابناء وزوجات أبيهم بعد وفاته، كانت موجودة في المجتمعات السامية او معظمها، منذ القديم. وما ورد في التوراة انما هو امتداد او رواسب لهذه العادة القديمة. Women, Seduction, and Betrayal in Biblical Narrative. By: Alice Bach. Cambridge University Press- 1997. ISBN 0-521-47560-0.