ليس مطلوباً ان تفرح ليبيا كثيراً بالقرار الذي اتخذته محكمة العدل الدولية لمصلحتها في شأن قضية لوكربي، بل يفترض ان تعتبر القرار، الذي يؤكد ان ما تطالب به جامعة الدول العربية واطراف اخرى بأن تتولى محاكمة المتهمين في تفجير الطائرة الاميركية جهة محايدة، خطوة على طريق اظهار الحقيقة، وهي ان قضية لوكربي سياسية اولاً وأخيراً، وان التهمة ألصقت بليبيا لأن ذلك يناسب السياسة الاميركية الهادفة الى وضعها في قفص أطول مدة ممكنة، حتى ولو كان ذلك يؤدي الى الاضرار بالشعب الليبي من دون ما يشير الى ان النظام فقد أياً من العناصر التي تساعده على الاستمرار والبقاء. المفارقة ان فرنسا التي لعبت دوراً أساسياً في تفادي مواجهة عسكرية مع العراق قبل نحو أسبوع، كانت مهدت الطريق امام التعاطي الدولي المختلق مع ليبيا، وذلك عبر التوصل الى تسوية في شأن قضية اخرى هي تفجير طائرة "يوتا" الفرنسية فوق صحراء النيجر. وها ان قرار محكمة العدل الدولية يظهر ان هناك شبه اجماع دولي على اغلاق الملف الليبي من منطلق معرفة ان نظام العقوبات المفروض على هذا البلد لم يؤدِ سوى الى نتائج عكسية، خصوصا ان ليبيا تتبع منذ فترة طويلة سياسات معقولة على صعيد دعم الاستقرار في منطقة شمال افريقيا، خصوصاً انها تعاني بدورها مشكلة اسمها التطرف الديني عالجتها على طريقتها. ولكن أبعد من قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، ان العالم بدأ يعي ان النظام الدولي الجديد الذي افرزته نهاية الحرب الباردة لا يمكن ان يعني ديكتاتورية مطلقة تمارسها الولاياتالمتحدة. وقد عبر عن ذلك الرئيس جاك شيراك افضل تعبير عندما اشار في حديثه الاخير الى صحيفة "لوموند" يوم الجمعة الماضي، الى ان الازمة الاخيرة بين العراق والامم المتحدة اظهرت ان هناك تحولاً نحو عالم متعدد الاقطاب. وبكلام آخر، اوضح الرئيس الفرنسي انه في ضوء الطريقة التي عولجت بها الازمة والمواقف التي اتخذتها اطراف مختلفة بدءاً بروسيا والصين وانتهاء بفرنسا مروراً بما اظهره العالم العربي من رغبة في تفادي ضرب العراق، تأكد ان الولاياتالمتحدة لم تعد صاحبة الكلمة الاولى والاخيرة عندما يتعلق الامر بمعاقبة هذه الدولة او تلك، خصوصاً عندما يكون هناك مجال للمعالجة الديبلوماسية. الواقع ان الادارة الاميركية خسرت الكثير من رصيدها عندما فشلت في التعاطي الجدي مع ظاهرة بنيامين نتانياهو، وتبين ان كل ما تستطيع عمله هو ممالأته تفادياً لغضبه في حين انها على استعداد للذهاب الى النهاية في معاقبة اي طرف عربي يشتبه بأنه تجاوز القانون الدولي، من دون حاجة حتى الى فتح حوار معه... المهم الآن ان تتعاطى القيادة الليبية مع قرار محكمة العدل الدولية بهدوء، وان تزيده الى رصيد كبير جمعته في الاشهر القليلة الماضية من اجل الوصول الى مرحلة يسهل فيها الحديث عن رفع العقوبات، خصوصاً ان افريقيا والدول الاسلامية والدول العربية باتت مقتنعة بأن لوكربي قضية سياسية لا علاقة لها بالعدل والعدالة، بمقدار ما انها تستخدم لأهداف مرتبطة بالمصالح الاميركية.