مارتن انديك هو مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأوسط. أي انه ملزم، بحكم وظيفته، التعاطي مع المنطقة التي يشتغل بملفها في الادارة الاميركية. ولكن التعاطي مع المنطقة شيء والاشتغال ب "الملف" شيء آخر. الفارق هو ان معرفة المنطقة وفهمها يؤديان الى انتاج سياسة معقولة، اما الاكتفاء بالملف فيعني فقط النظر الى المصالح الاميركية. الغريب ان معيار النجاح هو اخضاع حقائق المنطقة لتلك "المصالح" وليس البحث عن نقطة التقائهما. الأغرب ان الملف لا يمكن ان يأخذ في الاعتبار مصالح أهل المنطقة المطلوب التعاطي معها. الاكثر غرابة ان تبنى سياسة اميركية للمنطقة على ايديولوجية وليس على المعطيات الواقعية. لكن عندما لا تكون هناك سياسة، أصلاً، فإن الأمر يصبح كارثة بمقدار ما يثير السخرية. اما ان يصبح عدم وجود سياسة هو السياسة نفسها فهذا يعني اننا ازاء "ام السياسات" على غرار "أم المعارك" سيئة الذكر. ينطبق ذلك على واقع الحال الاميركي في الخليج، وعلى واقع الحال العربي مع اميركا في الشرق الاوسط. ونبقى في الخليج، اذ ان مارتن انديك تفوّه اخيراً بجملة أفكار تنم عن غريزة ايديولوجية متحجرة اكثر مما توحي ببراغماتية اميركية مشهورة. يقال ان انديك قبل مروره بسفارة الولاياتالمتحدة في اسرائيل هو غير انديك بعد تلك التجربة. اي انه، على ذمة الرواة، خرج من السفارة بطروحات اكثر تعقلاً ومرونة مع انه كان يعتبر مناضلاً صهيونياً اكثر مما هو ديبلوماسي اميركي. اصبح الفلسطينيون يجدون فيه محاوراً جدياً ومتفهماً، حتى انهم يتمنون لو انه يحل محل دنيس روس الذي اشبع عملية السلام "تنسيقاً" حتى اهلكها. واصبح السوريون يعتبرونه اكثر زوارهم الاميركيين عقلانية. انديك وزير مساعد لشؤون الشرق الأوسط لكن "ملف" عملية السلام ليس في يده. يبقى له ملف العراق، لكن هذا الملف ملتهب ولا بد ان يتولاه البيت الأبيض عبر مجلس الأمن القومي فضلا عن الخارجية ممثلة بالوزيرة، اضافة الى وزارة الدفاع. وفي ما يخص العراق والخليج يعتبر انديك احد الأبوين الروحيين لسياسة "الاحتواء". صنعها واصبح اسيراً لها. كانت سياسة ممكنة النجاح لو خطط لاعتمادها خلال مرحلة محددة قبل انتاج سياسة اخرى اكثر عملية، فأصبحت سياسة مؤكدة الفشل لأنها اعتمدت كسياسة دائمة ونهائية. نبقى في الخليج، اذاً، والسيد انديك قال خلال وجوده في الرباط ان الولاياتالمتحدة ليست "مهتمة بفتح حوار" مع بغداد. والاسباب مفهومة طبعاً، أو بالاحرى كانت مفهومة ولم تعد كذلك. ف "الحوار" يمكن ان يساهم في انهاء ازمة يريدها أهل المنطقة ان تنتهي فعلاً لا ان تدوم الى ما لا نهاية. وهو قال ايضاً ان "القضية بين العراقوالاممالمتحدة وليست بين العراقوالولاياتالمتحدة". لعل انديك لا يطمح لأن يكون مقنعاً، فالجميع بات يعرف القضية بين مَن ومَن، واين يقع الجانب الامم متحدي فيها واين الجانب الاميركي. الا ان انديك يصر على ان يكون مقنعاً، اذ يقول ان واشنطن تأمل بالتعامل مع "قيادة مغايرة" في العراق. ليس وحده من يأمل بذلك، ولكن كيف؟ هل يُتوقع الجواب - الأمل من السي. آي. إي؟ هناك دائماً حلقة ناقصة في المنطق الاميركي. ولأن هذا المنطق لا يهجس الا بالهيمنة، فإن افتقاده حلقة واحدة يفسد على اصحابه التمتع بانتصارات دائمة. وفي أي حال، يبدو ان كل ما حصل لم يقنع المخططين الاميركيين بأنهم مطالبون بسياسات معقولة ومقبولة في الخليج كما في الشرق الأوسط.