يوم الثلثاء الماضي أضاف مجلس الشيوخ الأميركي 38 مليون دولار الى ميزانية وزارة الخارجية، ضمن اتفاق له مع مجلس النواب، لدعم جهود المعارضة العراقية لاطاحة صدام حسين. يوم الأربعاء نشرت الصحف الأميركية قراراً لقاضي هجرة فدرالي في لوس انجليس اتخذ الاثنين بترحيل ستة عراقيين تعاونوا مع وكالة الاستخبارات المركزية سي. آي. ايه لاطاحة صدام حسين. يوم الخميس ذكرت الصحف الأميركية ان محامي العراقيين الستة قرروا تقديم استئناف ضد الحكم باعادتهم الى بلادهم، أي الحكم بقتلهم. اليوم الجمعة جلست لكتابة هذه السطور، وأنا أفكر في هذا الخيار المطروح علينا، عراقيين وكويتيين وعرباً، بين صدام حسين والادارة الأميركية ما يذكرني بقصة عراقية قديمة عن المجرم الذي وضع سكيناً في رقبة ولد وخيّره بين ان يقتله أو يغتصبه. وقال الولد: الا يوجد حل وسط بين فوق وتحت؟. وعودة الى تاريخ لم تمحه الذاكرة، فبعد الثورة الايرانية وطوال الثمانينات كانت ايران عدو أميركا والعراق حليفها غير المعلن. وما حصل العراق عليه من أسلحة دمار شامل في تلك الأيام، حصل عليه بمساعدة أميركا أو تواطؤها وسكوتها. ثم جاءت كارثة حلبجة، ففي 16 آذار مارس سنة 1988 ضربت القوات العراقية هذه المدينة الكردية بپ"كوكتيل" من الأسلحة الكيماوية شمل غاز الخردل وعناصر غاز الأعصاب سارين وتابون وفي إكس، فقتل حوالى خمسة آلاف، ولا يزال سكان حلبجة وجوارها الى اليوم يعانون من أمراض في الجهاز التنفسي والأعصاب والجلد، مع تلوث مياه المنطقة وتربتها. واقتنع السناتور كليربورن بيل، بعد ان قرأ تقارير موظفي لجنة العلاقات الخارجية في حينه، بأن كارثة وقعت، وقدم في مجلس الشيوخ "مشروع قانون منع ابادة الجنس"، الا ان الادارة ضغطت على الأعضاء ومنعت اقرار مشروع القانون هذا. وفي حين ان ادارة تالية قادت الحملة العالمية لاخراج العراقيين من الكويت، فإن الادارة نفسها لم تحاول اطاحة صدام عندما كانت قادرة، بل انها تركته يقمع الانتفاضة في الجنوب والشمال. ووصلنا اليوم الى ادارة أخرى تخصص ملايين الدولارات لزعزعة نظام صدام حسين، فيما قاض أميركي يطرد عراقيين تعاونوا مع أجهزتها لاطاحته، ثم تطلب منا ان نصدق انها جادة في التصدي له. مع صعود الولاياتالمتحدة كالدولة العظمى الوحيدة في العالم فإننا نجد انفسنا في وضع اننا لا نستطيع ان نعمل من دونها، ولا نستطيع ان نعمل معها. وهي لن تنجح في تغيير هذا الوضع الا اذا طمأنت الحليف قبل العدو ان التعامل معها طريق باتجاهين، وانها لن تتخلى عن الحليف أو تضحي به في أول فرصة. ويبدو حتى الآن ان الادارة الأميركية وبعض أعضاء مجلس الكونغرس سمعوا الشكوى من خلل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ومن ان هذه السياسة لن تجد حلفاء كثيرين اذا ركزت على بلد، وأهملت بلداً آخر أو تجاهلته، وهو يملك أسلحة نووية مع وسائل ايصالها، ويرهب بها جيرانه كلهم. اليوم، لا أجد مثلاً أفضل على هذا الخلل من قرار قاضٍ فدرالي أميركي ان تدفع ايران 247.5 مليون دولار لاسرة الطالبة الأميركية اليزا فلاتو التي قتلت مع سبعة جنود اسرائيليين في عملية انتحارية في غزة سنة 1995. وأولاً، فالقاضي الأميركي لا تتجاوز سلطته المحكمة التي يعمل فيها ولا يستطيع ان يدين بلداً اجنبياً. وثانياً، فادانة ايران لا يمكن ان تقوم على أدلة حقيقية. وثالثاً، فالقتيلة ما كانت ماتت لو لم تدخل منطقة نزاع. ورابعاً، وهو أهم من هذا كله ان حكم القاضي نشر فيما الجنود الاسرائيليون يقتلون ثلاثة شبان فلسطينيين غير مسلحين خطأ وتعترف حكومتهم بالخطأ. وسنطمئن أكثر الى السياسة الأميركية، من صدام حسين الى اسرائيل، الى أسعار النفط، اذا حكم قاضٍ فدرالي لأسرة كل من الضحايا الفلسطينيين بمبلغ 247.5 مليون دولار تدفعها الولاياتالمتحدة لأن مساعداتها العسكرية ودعمها السياسي غير المحدود يمكّنان اسرائيل من قتل الناس. طبعاً، هذا لن يحدث، وقضية عربية لا تصل الى المحاكم الأميركية، ناهيك ان يصدر حكم لصالح المدعي فيها.