بدأت المواجهة "الساخنة" بين أنصار الرئيس سيد محمد خاتمي وبين المحافظين ذوي النفوذ الواسع في مؤسسات الدولة والنظام في إيران، وذلك في منعطف يعد خطاً أحمر. وتبادل رئيس السلطة القضائية الذي يعتبر محسوباً على اليمين المحافظ آية الله محمد يزدي، وأوساط دينية وإعلامية موالية للرئيس الإيراني انتقادات لاذعة واتهامات بمحاولة "تشويش الأجواء العامة"، بعدما طلب نواب ورجال دين قريبون إلى خاتمي من يزدي فتح ملف "تعذيب نفسي وجسدي" تعرّض له رؤساء دوائر انتخابية تابعة لبلدية طهران. ورد يزدي بعنف مشدداً على أنه لن يبالي بالذين "يذرفون دموع التماسيح" وبمحاولات التأثير في التحقيق في قضية الفساد الإداري والمالي التي هزت بلدية طهران. وبينما أكد وزير الخارجية كمال خرازي خلال افتتاحه أمس في العاصمة الإيرانية "الندوة السادسة حول القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان في منطقة آسيا المحيط الهادي" أن حقوق الإنسان "مفهوم شامل مستقل عن كل الشروط" ودعا إلى "تعزيز المجتمع المدني وتشجيع التسامح"، أثار مسؤولون في بلدية طهران اعتقلوا لاتهامهم في قضية الفساد، تعرضهم ل "الإهانة والضغوط النفسية والجسدية". وجاءت هذه الشكوى خلال اجتماع مع نواب وأعضاء في الشورى المركزية ل "تجمع علماء الدين المجاهدين" المحور الديني السياسي لليسار الإسلامي الراديكالي المؤيد لخاتمي بقوة، ما دفع زعيم الراديكاليين الرئيس السابق للبرلمان حجة الإسلام مهدي كروبي إلى توجيه رسالة إلى يزدي يحضه فيها على لقاء هؤلاء المسؤولين "ليقولوا كل ما لديهم من دون خوف من طريقة تعاطي القضاء ورجال الشرطة معهم خلال فترة احتجازهم". وجاء في رسالة كروبي: "ما سمعناه من هؤلاء الأشخاص يؤلم قلب كل إنسان ومن الضروري وضع حد لهذه الممارسات". وبدا أن الرسالة والقضية عموماً أثارتا حفيظة يزدي، وكتبت صحيفة "سلام" الموالية لخاتمي أمس أن الطريقة "الإنفعالية" التي تحدث بها رئيس السلطة القضائية في خطبة الجمعة أول من أمس وعبارات "السخرية والتهديدات" التي استخدمها ضد أنصار الرئيس ممن أثاروا المسألة "مؤسفة جداً، لا تليق برئيس سلطة القضاء في الجمهورية الإسلامية". وكان يزدي حمل بعنف على مثيري قضية التعذيب ووصف ما ورد في رسالة كروبي بأنه "دموع تماسيح"، نافياً أن يكون القضاء منحازاً إلى أي تيار سياسي، علماً أن للمحافظين نفوذاً واسعاً في السلطات القضائية ومؤسسات أمنية. وفي ردّ على يزدي لم يخلُ من السخرية، جعل القضية تتفاعل علناً في شكل يعد سابقة في الجمهورية الإسلامية، اعتبرت صحيفة "سلام" أن "قضية سوء معاملة المسؤولين المتهمين في بلدية طهران شائعة على كل الألسن منذ شهور، ولا ندري كيف لم تبلغك". وتساءلت بسخرية: "ولو وصلك الملف وبلغتك الشكاوى ماذا عساك فاعلاً"؟ وكشفت أن وزير العدل ورئيس محكمة القضاة كانا أرسلا إلى خاتمي تقارير عن "سوء المعاملة"، وأن الرئيس أحالها على يزدي "لكن الأمر الوحيد الذي قمتَ يزدي به أنك أحلت التقارير على القاضي المكلف ملف البلدية". واتهم رئيس السلطة القضائية الذين أثاروا القضية بأنهم "يحاولون تشويش الرأي العام"، مشدداً على أن القضاء يبدي اهتماماً واسعاً بملف "الفساد" باعتباره "قضية وطنية". وخاطبت الصحيفة يزدي متسائلة "هل ملف سوء استخدام الأموال العامة يعدّ قضية وطنية عكس الملف المتعلق بالاعتداء وتهديد حياة الأفراد وحرمتهم وهل منطقك يجعل حرمة المال أهم من حرمة الإنسان"؟ وختمت: "نقول لك لا تشوش الأجواء العامة".