يختلف الوضع الداخلي الأميركي الآن، من المواجهة مع العراق بشكل مخيف عنه قبل سبع سنوات. وأكثر ما يخيف فيه ان المراقب مثلنا الذي رأى الضربة قادمة سنة 1991 وحذر منها، يراها قادمة هذه المرة ايضاً ويحذر، ثم يخاف ان يكون الرئيس العراقي لم يتعلم الدرس. في سنة 1991 كان العراق يحتل بلداً مستقلاً في عدوان واضح كشمس الظهيرة، ومع ذلك فالكونغرس لم يقر للادارة بحق التدخل إلا بعد مجهود لوبي هائل، وكان القرار المتخذ بغالبية بسيطة. اليوم هناك خلاف بين الادارة وأركان الحزب الجمهوري على التدخل ضد العراق، إلا ان الخلاف سببه ان الغالبية الجمهورية في الكونغرس تريد من الرئيس ان يتدخل فوراً، وأن يكون التدخل حاسماً قاصماً، يشمل اطاحة صدام حسين، في حين تتريث الادارة. وقال السناتور ترينت لوت، وهو من مسيسيبي ويرأس الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ انه يجب على الولاياتالمتحدة ان تزيل العوائق وتتصرف لازالة صدام حسين من منصبه بطريقة او بأخرى. وقال النائب نيوت غينغريتش، وهو من جورجيا ويرأس الغالبية الجمهورية في مجلس النواب انه يجب ان تطيح الولاياتالمتحدة نظام صدام حسين وأن تضع مكانه حكومة تقبل ان تقوم الأممالمتحدة بالتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل التي وافق العراق على ازالتها بموجب القرارات الدولية في نهاية حرب الخليج. الادارة الأميركية في المقابل لا تزال تفتش عن حل ديبلوماسي، خصوصاً انها تعرف مدى معارضة العالم الخارجي، بما في ذلك الدول العربية، لضربة عسكرية قبل استنفاد الوسائل السلمية. غير ان الادارة تفتش عن حل ديبلوماسي، وهي ترسي أسباب الضربة العسكرية، لذلك فخبراؤها القانونيون جميعاً بدأوا يسربون معلومات خلاصتها ان الولاياتالمتحدة لا تحتاج الى قرار جديد من مجلس الأمن للتدخل العسكري، وأن القرارات السابقة، مثل القرار 678 الذي سمح بالحرب على العراق في كانون الثاني يناير 1991 لا يزال فعالاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، والمادتين 41 و42 منه، فهما تعطيان المجلس حق اللجوء الى القوة لتنفيذ قراراته، وحق استخدام "قوات جوية وبحرية وبرية، حسب الضرورة، للمحافظة على السلام والأمن الدوليين، او اعادتهما". وبما ان العراق متهم الآن بأنه يستطيع تدمير العالم مرة او أربع مرات او خمساً، بما عنده من أسلحة كيماوية وجرثومية مزعومة، فإن الادارة الأميركية ستزعم إذا أمرت بالضربة العسكرية انها تملك تفويضاً داخلياً من الكونغرس، وتفويضاً قائماً من مجلس الأمن الدولي، وأنها تحمي السلام والأمن الدوليين، حتى وكل أميركي ومواطن في العالم كله يعرف ان العراق أضعف من ان يمثل خطراً على أحد بعد سبع سنوات من الحصار المنهك. وأعود الى ما بدأت به، فالكونغرس الآن يضغط على الادارة للتدخل العسكري، بعد ان كان تاريخياً، في كل واقعة بما فيها 1990 - 1991، يعارض التدخل العسكري الخارجي، ويفرض قيوداً على الادارة لمنعها من التدخل. وقد اختلف كل هذا مع العراق، بل انقلب، إذ اصبحنا أمام وضع تضغط فيه الادارة على الفرامل ويدفعها الكونغرس الى الامام. فإذا زدّنا الى ما سبق موقف البنتاغون الذي يسعى الى الحرب سعياً لتبرير ميزانيته الهائلة، بعد انتهاء الحرب الباردة، ولدعم استراتيجية "القدرة على شن حربين اقليميتين في وقت واحد" تصبح الضربة العسكرية شيئاً مؤكداً، إذا لم يتراجع النظام العراقي عن عناده رحمة بشعب العراق.