من الواضح ان الموقف العربي من العمل العسكري الأميركي ضد العراق ليس متحمساً ولا مرحباً ولا محرضاً… ولا معترضاً أيضاً. وطالما ان هناك مساعي ديبلوماسية، ليست هناك أسباب قاهرة لخوض حرب، فإن هذا الموقف مفهوم. مثلما يمكن تفهم الموقف الكويتي المؤيد لما تراه الولاياتالمتحدة، أو حتى الموقف الأردني الذي تعب من معايشة الأزمة المستمرة. لم يكن ممكناً ان يتطور الموقف العربي كي يصبح له دور في صنع القرار، ديبلوماسياً كان أم عسكرياً، لأن هذا التطوير يتطلب مساهمة جدية من العراق نفسه. لكنه لم يفعل، والأرجح ان تقوقعه في منطقه المتكلس يمنعه من الاقدام. فهو مستعد للتراجع عن دونكيشوتياته والتنازل عن مواقف أساسية يعلنها، عندما يشتد الضغط الدولي عليه، الا انه عاجز تماماً عن التقدم بأي مبادرة نحو العرب. بل أبدى مراراً انتظاره لأن يبادر العرب نحوه بخطوات تصالحية من دون ان يبادلهم بشيء. طبعاً، هناك في الاداء العراقي الراهن جانب كبير للمصالح. لذلك تراهن بغداد على روسيا وفرنسا، أملاً في ان تتمكن بواسطتهما من اختراق مجلس الأمن وتفكيك روابط أعضائه الخمسة الدائمين. الا ان ثمة حدوداً لهذا الاختراق، لأن الجميع يؤيد المبدأ الوحيد السائد، أي "تنفيذ القرارات" وعدم عرقلة عمل المفتشين لأنه يعتبر "مخالفة" للإرادة الدولية. وحتى العواصم العربية، على اختلاف آرائها، لا تبتعد في مواقفها عن ذلك المبدأ. وهذا مجرد واجهة لمخاوف كثيرة يتحمل العراقوالولاياتالمتحدة، من موقعين مختلفين، مسؤولية ادامتها واشعالها. من ذلك ان الحصار اذا كان مفيداً فهو أفاد النظام العراقي على رغم انه أضعفه وأذلّه كما أفاد الولاياتالمتحدة اذ أعفاها من اتباع سياسة فاعلة تؤمن مصالح أصدقائها وحلفائها في المنطقة مقدار ما تؤمن مصالحها. واذ يتبرم أكثر من طرف اقليمي من منهجية واشنطن في ادارة الأزمة - من دون معالجتها - فإن الحلفاء الاقليميين يتطلعون الى مرحلة جديدة لا يعود فيها بقاء نظام صدام حسين مجرد تغطية أو تبرير للوجود العسكري الأميركي. والعكس بالعكس. هناك تحجر في السياسة الأميركية بات مشتبهاً به الى أقصى حد، كما بات من الضروري كسره والخروج منه، مثلما ان هناك حاجة عراقية واقليمية وحتى دولية لتغيير في العراق. فالعرب يعانون الأزمة يومياً، وأصبح الخلاص منها يعني التخلص من طرفيها سواء بسواء. وليس من الاحترام للعرب ولمعاناتهم، حكومات وشعوباً، ان لا يُسألوا إلا التأييد والتمويل من دون ان يكون لهم دور - كما لاسرائيل دور منحها أياه الأميركيون - في مستقبل منطقة هي عربية في الأساس، لا أميركية ولا اسرائيلية. منطق الحرب هو المسيطر الآن في واشنطن، وأصبح ضرب العراق مطلوباً منها لذاته بمعزل عن نتائجه. النتيجة الوحيدة المقبولة ضمنياً من كل الأطراف بلا استثناء هي ان ينبثق تغيير في العراق من أي عمل عسكري مرتقب، وإلا تصبح الضربة - فعلاً - مجرد هروب كلينتوني من نفق الفضائح الجنسية. عدا ذلك، ليس مقنعاً أبداً القول بأن التحرك الأميركي الراهن هدفه فقط تنفيذ القانون الدولي، ولو فعلت واشنطن ذلك مع اسرائيل وفي كل مكان لما أثارت أي شكوك حول نياتها وأهدافها. ولو ارفقت ضرب العراق بالضغط لتحقيق تقدم ايجابي في عملية السلام لأمكن الاعتقاد بأن واشنطن بدأت تعترف بحقائق المنطقة كما هي.