عدنا الى الحكاية إياها: العراق ومجلس الامن، العراق والولايات المتحدة، الاميركيون المفتشون والاميركيون الجواسيس… لم يتغير شي منذ بداية الازمة "الاخيرة" والمستمرة. ترقب في بغداد، استعدادات في حاملات الطائرات والقواعد الاميركية. واشنطن لم تبدل لهجتها، موسكو تؤكد اختلافها، وباريس بين بين. عواصم العرب متفقة على جملة اعتبارات، مختلفة في تصور الاهداف او في التمنيات. الواضح الآن، لدى الاميركيين، هو ان الحلفاء والاصدقاء لا يمانعون في توجيه ضربة للنظام العراقي يمكن ان تحسم شيئاً ما اساسياً في معطيات الازمة. لكنهم يعارضون ضربة استعراضية تحرز نتائج دموية هائلة من دون ان تغيّر شيئاً. والجميع يعلم ان الخيار الوحيد عند صدام حسين هو ان يبقى، لذلك فإن اي ضربة لا تؤثر في هذا الخيار لن تكون ذات جدوى. الأهم من كل ذلك هو ان الضربات العسكرية يجب ان لا تكون بديلاً من سياسات واضحة بعيدة المدى. عندئذ تصبح الضربات مجرد مسكّنات للعرب وغير العرب المعنيين بالوضع العراقي لمساعدتهم على تحمل استمرار الازمات. وفي الوقت نفسه تبدو هذه الضربات وسائل غير مقصودة لتقوية النظام وترسيخه. بعد مضي نحو شهرين على اجتماع وزراء خارجية الدول الاعضاء في مجلس الامن في جنيف و"توافقهم" على صيغة روسية للحل، يتضح ان هذا التوافق لم يكن فاعلاً في معالجة الازمة وانما توصل فقط الى تمرير مرحلة منها. لا شك ان المبادرة الروسية، غير المستحبة لدى واشنطن وعدد من عواصم الخليج، اشارت الى جملة اجراءات لا يعدو انها نُفّذت. وبالتالي، يمكن القول ان ما تقدمت به موسكو شكّل احراجاً ديبلوماسياً لمرحلة الانتظار والاستعداد. واضح ايضاً، ان التأزيم الراهن هو استباق عراقي لما سيأتي بعد انتهاء شهر رمضان المبارك. ومن المستبعد ان ينجح مسعى روسي مشابه في المرحلة الحالية، لأن الظروف تغيّرت ولو بشكل طفيف. يكمن جوهر المسألة، الآن، في ان بغداد لم تقنع جيرانها، خصوصاً، وهي بالطبع لم تقنع مجلس الامن، بأنها انجزت فعلاً الالتزامات التي فرضتها عليها القرارات الدولية. ولا يمكن اي مسؤول في المنطقة ان يتجاهل وجود خطر اسلحة دمار عند جاره الذي سبق ان ارتكب الكثير من الجنون، ولا يبدو انه استوعب دروس هزيمته العسكرية. فأي سلاح كيماوي او بيولوجي لا بد ان يُقلق، خصوصاً اذا كان في يد صدام حسين. لا أحد يصدّق ما تقوله بغداد عن التزاماتها. هذا مفهوم ومحسوم، لكن ماذا بشأن ما تقوله واشنطن ولو متغطية بمجلس الامن؟ الامر لا يقتصر على مجرد مقارنة ساذجة بين كلام وكلام، فالأطراف المعنية العربية وغير العربية ترغب في ان تأخذ بالمواقف الاميركية. ولكن، مرة اخرى، تكراراً هناك مآخذ كثيرة على الادارة الاميركية لمسألة العقوبات، وهي مآخذ من الاصدقاء والحلفاء قبل الآخرين. صحيح ان ازمة يفتعلها العراق لا يمكن ان تدفع واشنطن الى مراجعة سياستها وتبديلها، لكن الأصح ان ملاحظات الاصدقاء والحلفاء جديرة بالاعتبار. فهل تعتبر واشنطن.