الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    20 مليار ريال مشروعات وعقود استثمارية أُبرمت لخدمة الشرقية    الذهب يتراجع ب 38 دولارا مع ترقب الفيدرالي    المملكة الأولى عربياً وال 20 عالمياً في مؤشر «البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة»    إمدادات الغذاء لغزة لا تلبي 6% من حاجة السكان    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    «أونروا»: مليونا نازح في غزة تحت حصار كامل    ضمن الجولة 11 من دوري«يلو».. نيوم يستقبل الباطن.. والجندل في اختبار العدالة    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الهلال ضيفاً على السد القطري    « هلال بين خليج وسد»    الهلال يتوعد السد في قمة الزعماء    وزير الخارجية يلتقي وزيرة خارجية كندا    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    311 طالباً وطالبة من تعليم جازان يؤدون اختبار مسابقة «موهوب 2»    الدخول لمطل البجيري مجاناً احتفالا بالذكرى السابعة..    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    انعقاد الجلسة الثانية ضمن فعاليات مؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة في الرياض    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    بدء التسجيل لحجز متنزه بري في الشرقية    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    جازان: انطلاق المخيم الصحي الشتوي التوعوي    أمير تبوك يستقبل القنصل الكوري    القيادة تهنئ السيد ياماندو أورسي بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية في الأوروغواي    الاحتفاء بجائزة بن عياف    بنان يوسع مشاركات الحرفيين المحليين والدوليين    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    الرخصة المهنية ومعلم خمسيني بين الاجلال والإقلال    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. هل يغازل محمد صلاح الدوري السعودي؟    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للطفل تحت شعار "مستقبل تعليمي أفضل لكل طفل"    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    قطاع ومستشفى بلّحمر يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    «حساب المواطن»: بدء تطبيق معايير القدرة المالية على المتقدمين والمؤهلين وتفعيل الزيارات الميدانية للأفراد المستقلين    وكيل إمارة المنطقة الشرقية يستقبل القنصل العام المصري    أمير حائل يستقبل سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة    حسين الصادق يستقبل من منصبه في المنتخب السعودي    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    الأهل والأقارب أولاً    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين والعلمانية . في مفاهيم الحرية والأصولية وافتراقنا فيها عن الغرب 2 من 2
نشر في الحياة يوم 03 - 02 - 1998

بعدما تناولت حلقة الأمس المنطلقات النظرية ومدى التطابق والتفارق في الواقع الفعلي، هنا التتمة الأخيرة: "التعددية في جوهرها تعني التسليم بالاختلاف، التسليم به واقعاً لا يسع عاقلاً انكاره، كما ان التسليم به حق للمختلفين لا يسع أحداً أو سلطة حرمانهم منها، ويوصف بالموضوع الذي يكون الاختلاف حوله، أو الذي ينحصر في نطاقه، فتكون سياسية أو اقتصادية أو دينية أو عرقية أو لغوية أو غير ذلك" محمد سليم العوا - التعددية السياسية من منظور اسلامي، "وهذا التعريف يعطي للتعدد مشروعيته ويستلزم الاعتراف بهذه المشروعية التسليم بحق المختلفين في التعايش مع بعضهم البعض والتعبير عن اختلافهم" أحمد صدقي الدجاني - التعددية السياسية في التراث الاسلامي، فالتعددية في جوهرها تعني ثلاثة أمور هشام أحمد عوض جعفر - الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية.
1 - الاعتراف بوجود التنوع في المجتمعات بسبب وجود دوائر عدة للانتماء فيه ضمن هويته الواحدة. يقول تعالى كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس في ما اختلفوا فيه البقرة/ 2113. ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين هود/ 118.
2 - احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من خلاف واختلافات في العقائد والألسنة والمصالح وأنماط الحياة والاهتمامات، ومن ثم فعل الخيرات والأولويات. قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين الكافرون. وأنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عمّا جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنت تختلفون المائدة/ 48.
3 - ايجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك كله بحرية وفي اطار مناسب وبالحسنى وبشكل يحول دون نشوب صراع يهدد سلامة المجتمع. وادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، ان ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين النحل/ 125، قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضناً بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأننا مسلمون آل عمران/ 64.
وبذلك يتميز موقف الاسلام في موضوع العلاقة مع الآخر بأنه قائم على أساس التعايش الايجابي والعملي المفيد لصالح المجتمع ككل، ولا يقف الاسلام في علاقته بالآخر عند التسامح والقبول بمشروعية الآخر وحقه في الاختلاف فحسب، وانما يتعدى ذلك الى اشعار المسلمين بالقيام بواجباتهم ازاء الآخرين. فالنظرة اليهم مبنية على أساس المساواة بين الجميع وان لا تفضيل ولا سيادة ولا سلطة لبشر على بشر وان حرمة النفس والمال والفكر مطلقة للجميع ولا تفاضل الا بالتقوى ومدى الالتزام بالعقود والعهود المبرمة بين الأطراف "يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم وان الله عليم خبير" الحجرات/ 13، و"أوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولاً" الاسراء/ 34، "بلى من أوفى بعهده وأتقى فإن الله يحب المتقين" آل عمران/ 76، وان القرآن هو للبشرية كافة وعلى المسلم تبليغ أحكامه من جهة وترك حرية الاختيار للناس من جهة اخرى، "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" الكهف/ 29، و"هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين" آل عمران/ 138. وبهذا يمكن القول ان الاسلام يعترف ويؤكد التعددية كأمر واقع ضمن السنن الالهية في الخلق، كما يعمل ويحض على ضرورة الحوار والتفاهم المشترك مع غيره من أصحاب الديانات الأخرى أو الأفكار غير الدينية، ومنها العلمانية في تطبيق النظم الاجتماعية الصالحة للأمة، فبهذا لا تعتبر العلمانية بالمفاهيم المتقدمة تحدياً للاسلام أو الأديان بصورة مطلقة ضمن الاطر العامة في اختلاف الجماعة.
وأساس هوية الجماعة المسلمة هو الايمان المشترك، وأساس حياتهم المشتركة هو التعاقد الاختياري في ما بينهم على العمل بالاسلام، ومع غيرهم على العمل لصالح المجتمع. فالأمة الاسلامية هي صاحبة السيادة على الفهم الملزم لها في قوانينها وحياتها العامة، عند عدم وجود المعصوم وهي المسؤولة عن مراعاة الحدود الواضحة التي أقرها الله سبحانه وتعالى في القرآن والتي تمثل القدر الأدنى الذي يجب ان تلتزم به الأمة وتحترمه من قبيل حقوق وحرية الانسان وكرامته.
فالعمل بالقرآن في الحياة العامة يعتمد على ما تتعاقد عليه الأمة من فهم، وكغيره من العقود في الحياة العامة، فهو متروك للأمة في تحديد مجالاته وآفاقه. ولذا فإن اختلاف المسلمين في العمل بالاسلام في الحياة العامة هو كاختلافهم في تحديد مصالحهم وأمر تنظيمه، والاجتهاد فيه متروك لأنفسهم. ولا يعني اختلافهم في المواضيع العلمية اختلاف في رفض أو قبول نصوص الوحي بالضرورة، وانما هو اختلاف في فهم الوحي وتأويله وتفسيره، أو في كيفية أو مجال تطبيقه. ولذا فإن اختلاف المذاهب وتفاوت أعمال الصحابة والأئمة هي ملزمة لمن يعتقد ويختار التعاقد على العمل بها، والا فإنها غير ملزمة للجماعة التي لا تقرها. ومن الطبيعي ان يعتمد المسلمون في تنظيم اختلافاتهم في الرأي على قواعد متعددة منها العمل بما فيه الصالح العام وضرورة فرض القوانين وحماية الحقوق الأساسية للفرد والمجتمع وغيرها، وعليهم تحديد سلطاتهم التي يرجعون اليها في اختلافاتهم سواء في مفهوم الوحي ودلالة منطوقه، أو في مجال تطبيقه، كما هو من الطبيعي بحكم العقل الأخذ برأي العالم الخبير والمتخصص كل في مجاله الا ان هذا الالتزام بهذه القواعد ايضاً يتم على أساس التعاقد والاتفاق وليس على أساس فرضها بقوة دينية أو سلطة مدنية، وشأنهم في ذلك في ما بينهم كما هو في ما بينهم والآخرين، فمن واجب الأمة رعاية الحق الالهي للانسان في الاختيار والاختلاف وان نتج عن ذلك اختلاف الناس الى مسلمين وغير مسلمين، كما وانه من مسؤولية الجماعة احترام حق الفرد في الاختيار والاعتقاد.
اما بالنسبة الى الأصولية فپ"الأصل في اللغة، هو أسفل الشيء، وجمعه أصول" لسان العرب. ويراد منه المبدأ والأساس لكل ما يبنى عليه، أو الركن القويم، ولذا يمكن جمعه. فالأصول تعني الأركان، فيقال أصول الدين ويراد بها أساس الاعتقاد بالاسلام وهي التوحيد والنبوة والمعاد.
وفي الحديث الشريف "بني الاسلام على خمس" ميزان الحكمة/ مصادر متعددة، ويراد بها أركان الدين وهي: الصلاة والصيام والحج والزكاة والجهاد.
والأصول في الاصطلاح هو "علم يبحث فيه عن قواعد تقع نتيجتها في طرق استنباط حكم شرعي" محمد رضا المظفر - أصول الفقه/ ج1 ص5، من أدلتها التفصيلية التي هي القرآن والسنة. وورد أيضاً "الأصول جمع أصل، وأصل الشيء في اللغة أساسه القائم عليه، وهذا المعنى بالذات هو المراد بأصول الفقه" محمد جواد مغنية - علم أصول الفقه/ 15. وتقسم الأصول الى قسمين:
أ - الأصول اللفظية، ويراد منها تلك القواعد التي تبحث في تحديد دلالة الظاهر من اللفظ على معناه، كصيغة الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، وما شاكلها.
ب - الأصول العملية، ويراد منها تلك القواعد التي تبحث في كيفية تطبيق الفقيه عمله على مقتضاها عند عدم وجود النص عليه، كأصل الاباحة والاستصحاب وكأصل الاحتياط والتخيير.
"فالأصولي في اللغة العربية والثقافة والمصادر الاسلامية هو من تخصص في علم الأصول بفروعه المتعددة" مانع بن حماد الجهني - مستقبل الأصولية - مجلة المستقبل الاسلامي، العدد 65،
وفي الانكليزية: علم القانون، القانون، فقه، علم أصول الفقه: Jurist Prudence:
وأما معاني الأصل فهي كالتالي:
أصلي: Provenance
أصلي، أصيل: Original
أصلي، حقيقي: Aithentic
أصلي، عريق: Pristine
أصلي، جوهري: Fundamental
أصلي، في الأساس: Fundamentally
مذهب العصمة: Fundamentalism
متعصب متشدد:Fundamentalist المورد/ 1995.
"وقد بدأت شهرة هذا المصطلح في أواخر القرن الماضي في مناطق مختلفة في أميركا، واشتدت في أوائل القرن الحالي وفي العشرينات منه بالتحديد، حيث بدأت حملة منظمة من قبل بعض المسيح البروتستانت استهدفت الليبيرالية الدينية في الكنائس والمدارس، معلنة عن خوضها حروباً مقدسة تشنها من اجل الحفاظ على أصول العقيدة Nancy T. Ammerman. - The Fundamentlism Project، "لتمسكهم بمبادئ مسيحية كما فهموها من العهد الجديد" الجهني/ المتقدم. ونلاحظ انه كيف اشتقت الكلمة مع تغيير كبير في المعنى بين "الأصلي والأساس" الى "مذهب العصمة" ثم الى "متعصب ومتشدد". كما تشكلت مقابل هذه المجموعة مجموعة اخرى معارضة للمجموعة الأولى على أساس حرفيتهم في التعامل مع الكتاب المقدس، وكان ذكرهم لتلك المجموعة ونعتهم بالأصوليين فيه ازدراء ونقص، وقد حمل هذا المصطلح عندهم معاني متعددة ومتناقضة أحياناً تقدم في مجملها نظرة سلبية تثير في ذهن الغربي عالماً من التناقضات.
فالأصولي عندهم ريفي متخلف، جاهل غير مثقف، مخالف للعلم، ضد الفكر وغير عقلاني، مستبد، فاشستي، رجعي، متعصب وحاد المزاج، ضد المرأة، ومحب للحرب، وبالتالي حرفي الفهم، وما شاكلها من أوصاف دنيوية.
حتى اختفى هذا المصطلح من الأوساط بانتهاء دور المجموعتين المختلفتين. وغلبة القانون الجديد على وضع المجتمع الأميركي بصورة عامة، ثم عاد من جديد الى أوساط الاعلاميين ورجال السياسة، وأطلقوها على بعض الأفراد أو بعض الحركات أو الحكومات الاسلامية المناهضة للسياسة الأميركية، مع الفارق الكبير والبعد الشاسع بين المعنى الانكليزي والعربي لهذا المصطلح، وللأسف الشديد فقد انساقت بالتبعية بعض وسائل الاعلام العربية وراء الاعلام الغربي في ترديد المفاهيم المغلوطة. "ولو افترضنا جدلاً ان الناس فهموا من لفظ الأصولي انه الشخص الذي يتمسك بأصول الاسلام، فهذا أمر ينطبق على المسلمين جميعاً، بل ان من لم يؤمن بأصول الاسلام أو بمصادره الأصلية من كتاب وسنة فهو ليس بمسلم، ولذا فلا معنى لتقسيم المسلمين الى أصوليين وغير أصوليين" الجهني/ المتقدم.
نعم يمكن تقسيم المسلمين على أساس المدارس الفقهية الاجتهادية المختلفة فيما بينها على أساس علمي، ولكل مدرسة رأيها الخاص حسب اجتهاد ائمتها وعلمائها، كما يمكن لبعض العاملين ضمن الحركات السياسية الاسلامية التي تعمل على أساس الخلط بين المفاهيم الدنيوية والأخروية، وعدم التمييز بين الثابت من الدين والمتغير، وخروجهم بنتائج غير صحيحة محاولين تطبيقها بالقوة أو عن طريق الارهاب، وصفهم بحركات متطرفة غير عقلانية، الا ان تصرفات هؤلاء أيضاً هو ما يرفضه جمهور المسلمين قبل ان تحاول بعض الدوائر الغربية النيل من المسلمين عموماً عن طريق خلط المفاهيم والاصطلاحات غير الصحيحة. فإن ما يحدث اليوم في الجزائر مثلاً أو في أفغانستان من مجازر وحوادث تقشعر منها الجلود باسم الاسلام لهو أمر مشين ومرفوض ومستنكر ومحكوم عليه بالباطل من قِبَل جمهور المسلمين. وتنبثق الأخلاق من مجموعة من التصورات والمفاهيم التي تهذب الفطرة الانسانية وتتفاعل مع الأحاسيس والعواطف الغريزية والمكتسبة من عرف المجتمع ومنظومة القيم التي تشكل أسس نظام وحياة الأمم. ومن هنا كانت بعثة الأنبياء جميعاً لا سيما رسول الاسلام ص من اجل تثبيت هذه القيم وتعميق الأحاسيس وتهذيب الغرائز وتربية الانسان وتعليمه وتمرينه على العمل وفق القيم النبيلة والأخلاق السامية للوصول به الى الأهداف والغايات العالية التي خلق الانسان من أجلها. ولذا يولي الاسلام أهمية فائقة الى موضوع التربية وتزكية النفوس والأفكار من الدنس والأرجاس وتعتبر ذلك من أهم وأولى واجبات الانبياء والمصلحين، يقول النبي الكريم ص: "انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" كنز الأعمال/ ح5217، وان من أهم العوامل التي تكمن وراء توفيق المجتمعات البشرية وانتصاراتها أو انتكاساتها هي العوامل القيمية والأخلاقية، ولها اثار حاسمة وواضحة ظاهرة في الحياة العامة، بحيث لا تبقي مجالاً لأحد في التشكيك والترديد في هذا الأمر. كما يتضح ان التربية على أساس القانون الوضعي والانساني لوحده ومن دون رصيد معنوي، لا تستطيع دفع مصادمات الغرائز المختلفة، ولا يمكن بوحدها التحصن من الانفلات في متاهات المادية، الا بالالتزام بالجانب المعنوي منه.
والواضح ان القيم هي أساس هذه التصورات والأحاسيس ومنها العواطف والغرائز وتشمل الحسن والقبح، وهما من الأمور النسبية والاعتبارية وليستا من الأمور الذاتية، الا في عنوان العدل والظلم. كما تقرها الفلسفات المختلفة. وفي ما عداها أو حتى في مجال تطبيق مصاديقهما، فإنه أمر مختلف عليه بنسب مختلفة أو باعتبارات عرفية أو دينية أو فكرية أحياناً. وقد جاءت الأديان السماوية جميعها لتعريف وبيان الحسن من القبيح مضافاً الى ما تعارفت عليه الأمم وأجمعت عليها، فانها الاهم والاقوى نفوذاً في ضمانة التقييد بها وعدم الانحراف، وهي اكبر رصيد لاستقرار المجتمع.
وكما نعلم بأن الطبيعة الحقيقية للانسان مستعدة للتكامل الى اقصى حدد ممكن، وان قواه العقلية واستعداداته وإرادته وكراهته قد اودعت فيه ما يمكنه من ادراك شخصيته الواقعية، فيكون تربية الروح وتكاملها هو الهدف الاهم في الحياة، وعليه ينبغي فتح نوافذ قلوبنا وعقولنا لتقبل الخير وكراهة الشر، والايمان بالصدق ورفض الكذب والخداع، وبث الحب والرحمة والشفقة ونبذ الكراهية والشقاء والغلظة. فإن هذه الأمور هي التي تمنحنا الوضوح والجلاء وتفشي في الأمة الخير والمحبة وتثبت الاستقرار. لذا "يجب ان نتعود لنكون كما نعرف النور من الظلمة والصوت من السكوت بدقة، وان نميز الخير من الشر، ولكن ترك الشر يسلتزم نظاماً جسمانياً ونفسانياً خيراً. ولا يمكن الكمال الأسمى للجسم والروح الا بمساعدة تزكية النفس، فلا يجوز أي افراط في قضاء أوطار النفس على من يريد تكاملها. ان هذا الوضع الفيسيولوجي هو ما يبتني عليه الركن الأساسي للشخصية الانسانية، وهو كقاعدة أو مطار لتسامي الروح الانسانية منها" كارل - عن رسالة الأخلاق.
وبهذا يمكننا كمتدينين، الأخذ بجميع المظاهر الأخلاقية الحسنة للشعوب والأمم سواء كانت متدينة أو علمانية، ما لم تعارض من الأخلاقيات الأساسية للاسلام، فإننا مأمورون بالانقياد وراء الحسن والصالح والخير من دون أي اعتبار لمصدرها يقول تعالى "خذ العفو وأمر بالمعرف وأعرض عن الجاهلين" الأعراف/ 199.
ان موضوع الحرية ومداها ومعارضتها بالأخلاق وقيوده، أمر مهم ومجال بحثه واسع وعميق بالنظر الى موضوع النسبية فيهما، ولا يمكن التفاضل بين الأخلاق والحرية بصورة عامة، حيث ان التفاضل انما هو بين قيد وقيد آخر، بمعنى انه ليست الحرية في كفة ميزان والقيد الأخلاقي في الكفة الأخرى. وانما هي حرية مقابل حرية اخرى، فالأخلاق الحسنة حرية بتمام معنى الكلمة، لأن الانسان مختار بين الخلق الانسانية والقيود الحيوانية أو أحدهما. ونحن نعرف ان القيود الحيوانية هي الغرائز والشهوات غير المتناهية. فالذي يستجيب لنداء الأهواء النفسانية ويطيعها، وينقاد لها من دون واعز أخلاقي، قد يعتبر حاله بأنه قد توصل الى الحرية بمعنى انه قد تحرر من أزمة الضوابط وقيود الدين. ولكن هذا المنطق المغري غريزياً ليس هو الا نقض لاعتبارات الحسن والقبح الفطرية والعقلية المعتبرة عند البشرية، وان تجاوزها هو تجاوز على المنطق وحقوق النفس الانسانية التي هي منافية للحرية نفسها.
وفي الاسلام فقد اعتبر الايمان بالله سبحانه وتعالى والتسليم له، هو الأصل الذي يتفرع عنه فعل الخير فمن أكثر الألفاظ التي ترددت في القرآن الكريم لفظ الجلالة الله ولفظ الايمان أو مشتقاته مثل آمنوا ومؤمنين واقترن خطاب الذين آمنوا بخطاب وعملوا الصالحات في أغلب الأحيان. وهذا يؤكد ان اعتبار الايمان هو المصدر الذي به يقوى ويتسع مجال الاصلاح في حياة الفرد والجماعة. ولكنه ينبغي التنبيه الى ان ذلك لا يعني عدم وجود قيمة أو اعتبار للأعمال الخيرة والصالحة التي لا تبتني على الايمان بالله أو بالاسلام، لأن ما يعرف اليوم بالقيم الانسانية العامة أيضاً، هي في الحقيقة مجموع ما تعلمته الانسانية من الديانات السابقة، وما تعلمته من تجارب الأنبياء والمصلحين في المسار الشاق نحو الكمال. وان تعلق النفوس البشرية بهذه القيم السامية كحب الخير والعمل به هو ذات قيمة بحد ذاتها، شأنها شأن الايمان الذي هو قيمة بحد ذاته، وهذان الأمران من الممكن جمعهما وهو ما يريده الاسلام للبشرية، الايمان بالله ورسوله والعمل الصالح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.