لم يمض اسبوع على الاتفاق الذي وقعه العراق مع الاممالمتحدة. ومع ذلك يمكن القول ان ما تحقق هو اهم تطور تشهده منطقة الخليج منذ تحرير الكويت من الاحتلال العراقي. للمرة الاولى منذ عام 1990، يظهر النظام العراقي رغبته في التعاطي مع الواقع الاقليمي ومع موازين القوى العالمية كما هي وليس كما يتصورها او يتخيلها. وما حققه كوفي أنان هو انه رمى الكرة في الملعب العراقي، فاذا تصرفت بغداد بطريقة لائقة امكنها الحديث في مرحلة لاحقة عن امكان رفع العقوبات الدولية رغم ان الاولوية الاميركية هي للتعايش مع نظام صدام حسين ولكن في ظل العقوبات مع ما يعنيه ذلك من توفير قدرة لواشنطن على تطبيق سياسة الاحتواء المزدوج في اتجاه واحد هو الاتجاه العراقي، فيما تسعى الى ايجاد طريقة لاعادة العلاقات مع ايران! من هنا، يفترض في النظام العراقي ألا يفوّت الفرصة التي اتيحت له لاعادة الاعتبار الى العراق وذلك رحمة بالشعب العراقي اولاً، الذي لا يستأهل ان يحكمه مثل هذا النظام الذي لم يدع حتى الآن مناسبة الا واستغلها من اجل افقار احد اكثر شعوب المنطقة حيوية، معنوياً ومادياً. ولعل افضل سبيل يسلكه نظام بغداد هو التعاطي بشكل ايجابي مع الامين العام للامم المتحدة. وكوفي انان لم يتوجه الى بغداد الا بموافقة اميركية، وذهابه الى بغداد كان دليلاً على رغبة اميركية في اقامة حوار غير مباشر مع النظام العراقي. واذا استطاع هذا النظام بناء جسور الثقة مع انان سيكون سهلاً مد خيوط مع واشنطن ولكن في مرحلة لاحقة. والمضحك المبكي ان يكون هناك من يعتقد ان كوفي انان توجه الى بغداد قبل ان يضمن وجود صفقة اميركية - عراقية. وهنا يكمن سر نجاح الامين العام للامم المتحدة الذي ادرك ان الاولوية الاميركية ليست لتوجيه ضربة عسكرية، كما فهم في الوقت نفسه ان صدام حسين ليس في وضع يسمح له بأن يذهب الى النهاية في تحدي الارادة الدولية. بل اكثر من ذلك يعرف كوفي انان ان مسألة تفتيش المواقع الرئاسية لا معنى لها اذ لا توجد اسلحة من اي نوع في هذه القصور وان الهدف الوحيد من الاصرار على دخولها هو احراج الرئيس العراقي، وحتى اذلاله. في النهاية ان كوفي انان هو الجسر العراقي الى واشنطن. ولهذا السبب ظهرت كل تلك المعارضة في الكونغرس الاميركي لما حققه الامين العام من دون ان يوجد من يطرح سؤالاً بديهياً هو: ما الذي كان يمكن ان تؤدي اليه ضربة عسكرية اميركية للعراق باستثناء تفتيت البلد. ومن كان سيستفيد من ذلك باستثناء اسرائيل بنيامين نتانياهو؟ آن الأوان لكي يدرك النظام العراقي بديهيات المعادلة الاقليمية ولا يلعب مرة اخرى دور الحليف الحقيقي لاسرائيل عبر اعتماد سياسات متشنجة لا تخدم الا بنيامين نتانياهو. فاذا كان تفتيش القصور اذلالاً لصدام حسين، فأهلاً بمثل هذا الاذلال اذا كان يساهم ولو جزئياً في رفع المعاناة عن الشعب العراقي... وأهلاً بالاذلال اذا كان خطوة اولى على طريق اعادة بناء جسور الثقة مع واشنطن، ذلك ان كرامة الحاكم هي من كرامة شعبه، والذل الذي يلحق به ليس ذلاً اذا كان يساعد في اعادة الاعتبار الى هذا الشعب!