قبل عرض فيلم "إحياء فن التحنيط"، وهو فيلم تسجيلي يتضمن تجربة عملية لتحنيط جثمان مواطن أميركي على الطريقة المصرية القديمة، اعترض البعض على وجود أطفال داخل صالة العرض الملحقة بمتحف التحنيط في مدينة الأقصر. لكن هؤلاء الأطفال أصرّوا على مشاهدة الفيلم بل وشاركوا أيضاً في مناقشة تفاصيله. وتسجّل أحداث الفيلم تجربة تحنيط المواطن الأميركي جون سانتوس الذي تبرّع بجسده لمصلحة الأبحاث العلمية بعد صدور حكم قضائي بإعدامه، علماً أنه كان يبلغ قبيل تنفيذ الحكم الستين من عمره. ونفّذت التجربة في منتصف العام 1994 على يد ثلاثة اختصاصيين في التشريح من جامعة ماري لاند الأميركية هم بوب برايد ورون ويد وروجر موريتس. وبعد انتهاء عرض الفيلم أول من امس وبدأ النقاش حوله بإدارة الأثري احمد صالح مدير "متحف التحنيط" في مدينة الأقصر، فوجئ الحاضرون بطفل يسأل إذا كان اصحاب التجربة راعوا اختلاف المناخ في كل من مصر والولايات المتحدة الأميركية. وإزدادت الدهشة حين كشف طفل آخر عن خطأ في تجربة التحنيط الأميركي، تمثّل في عدم مراعاتهم وضع الذراعين على الجسد وهو ما يسمى بالوضع الأوزيري، المعتاد في الدفنات المصرية القديمة، قبل تجفيف الجسد المحنّط. ولعل من أطرف ما شهدته الندوة هو اتفاق ثلاثة أطفال على شراء دجاجة وتحنيطها ووعدهم الحضور بعرض نتائج تجربتهم في ندوة أخرى. وشملت الندوة محاضرة الأثري أحمد صالح عن "تجربة التحنيط الأميركية" وأخطائها والرد على ما اثير من مزاعم حول اكتشاف سر التركيبة السحرية للتحنيط عند الفراعنة وحقنهم الجسد المراد تحنيطه بنبيذ النخيل. وأوردت المحاضرة عدداً من أخطاء التجربة الأميركية وفشلها في محاكاتهم التحنيط المصري القديم. ونفى المحاضر وجود ما سمّي بالتركيبة السحرية للتحنيط في مصر القديمة، وأن التحنيط ليس سحراً، مشيرا الى أنها عملية متكاملة كانت تستخدم فيها مواد كثيرة ومختلفة لكل منها غرضه الطبي، مواد تجفيف وهي ملح النطرون لاستخلاص المياه من الجسد المراد تحنيطه، وهناك مواد تعقيم يستخدمها المحنط وهي ما سمّي بنبيذ البلح الذي يحتوى على 14 في المئة من الكحل. وفي الختام خرج الأطفال من الندوة مشغولي الذهن بعضهم يرغب في التجربة، وبعضهم يسأل كيف نجح المصريون على تواضع تقنيات عصرهم وفشل الأميركيون برغم استخدامهم أحدث التقنيات.