بعد تصريح البابا الأخير حول العراق، الداعي إلى مراعاة حقوق الإنسان، وبغضّ النظر عن أي أسباب سياسية أو اقتصادية، اتضح بما لا يدع سبيلاً للشك ان الأمور أخطر بكثير مما يتصور البعض. فالعراق يتعرض لمجاعة حقيقية، والجزائر تتعرض لمجزرة مرعبة، والبلدان في طريقهما إلى ما لا تُحمد عقباه إذا لم يتدخل المجتمع الدولي. والتصور ان حل مشكلة الجزائر هو أسهل من نظيرتها في العراق، هو وهم مؤكد. وإذا اراد المجتمع الدولي أن يخترع حلاً للعراق، فعليه أن يتفاهم مع أصحاب الشأن المباشرين. وهما اثنان: أميركا والعراق، بينما في الجزائر لا رأس بارزاً لتناطحه، فالغموض يلفّ بلد المليون شهيد. وبمراجعة سريعة لما يجري في العراق وما تشترطه أميركا من خلال الأممالمتحدة لرفع الحصار عن هذا البلد العربي، لا نجد أن هناك خلافاً في الشروط وإنما الخلاف هو في التنفيذ أو ما تراه أميركا من أن العراق غير منفذ ما التزمه. ولو تساءلنا بصراحة أي مصلحة للعراق في رفض الشروط أو في بقاء الحصار، لوجدنا الكثير من التبريرات، منها ما هو معلن، ومنها ما هو سري، أما المعلن فهو الآتي: 1- يعتقد العراق أن أميركا، لا الأممالمتحدة، هي التي تفرض الشروط، لذا تتمادى في الهيمنة، وهي تطلب الآن تفتيش القصور الرئاسية. 2- العراق مقتنع بأن التزامه أو عدمه لن يرفع الحصار. أما الأسباب السرية فهي كالآتي: 1- بقاء الحصار يرفع من أسهم النظام العراقي لدى شعبه الذي يرى أنه ظُلم، وبالتالي يتحالف مع الشيطان لرفع الحصار. ولدى بعض الشعوب والأقطار العربية التي ترى ان أميركا تمارس حصاراً ظالماً بينما تغضّ الطرف عن ممارسات إسرائيل تجاه اخوانهم العرب في الأراضي العربية المحتلة. 2- رفع الحصار يتيح للشعب العراقي أن يتنفس وبعد ذلك يتطلع إلى الهدف الآخر، وهو هذا النظام الجاثم على صدره. إذاً فقد يكون رفع الحصار مضراً للنظام أكثر من نفعه. لذا دعونا، والحال هذه، من العراق ونظامه، وللنظر إلى مأساة شعبه البائس، فما جرى ويجري للأطفال تشيب له الولدان. أما قرار الأممالمتحدة، المعروف ب "الغذاء والدواء مقابل النفط"، فلا يكفي، وأيضاً ليس من مصلحة صدّام ونظامه ان يكفي، وعليه ليس مفاجئاً للعالمين بالخبايا أن تبرز عقبة في كل مرة يقترب الأطراف من حلول مرضية لجميع الأوساط، فتعيق الانفراج شهوراً عدة. أما حكاية السيادة العراقية فهي قصة ممجوجة مللناها، فهل بقيت للنظام سيادة لم تنتهك؟ إذا أراد العالم أن يُنهي المشكلة العراقية، فعليه إما أن يسقط صدام عسكرياً أو يرفع الحصار كاملاً مع رقابة صارمة على الأسلحة. ولو بدأنا من الآخر ورفعنا الحصار، فماذا سيجري يا ترى؟ هل سينقلب صدام إلى نمر متوحش، مرة أخرى؟ بلا شك هو يتطلع بطموح إلى ذلك. لكن دونه وذلك خرق القتاد. فالعراق الآن، ويا للأسف، بحاجة لعشرات السنين كي يتجاوز أزمته الطاحنة ومع الرقابة العسكرية الصارمة والتوجس من جميع جيرانه، فلم تبرز له أنياب إلا بعد لأي. وفي رؤية موضوعية، الكرة الآن في مرمى الحكومة الأميركية التي لا تريد للحصار ان يُرفع، ولا تريد للنظام ان يسقط، ولا تريد للدول الخليجية أن تعيش بمأمن من النزع. أما بصيص الأمل القائم على الدول العربية الناقمة على صدام ونظامه فهو في اقناعهم بأن رفع الحصار لن يُخرج الذئب من مناكبه، بل يفتح منافذ امان وآفاقاً إنسانية لهذا الشعب المسكين. ومن جهة أخرى يجب على الدول العربية الموالية لصدام ان لا تحلم بما هو أكثر من هذا. فلا مصلحة للدول الخليجية في ضرر الشعب العراقي، ولكن الضرر كل الضرر في تقوية نظامه. ماذا عن الشعب الجزائري؟ يساورني تفاؤل أكثر وأمل أكبر بأن الحل في الجزائر هو في يد ابنائها أولاً، والدول العربية والإسلامية ثانياً، لأن الأطراف الخارجية بعيدة عن المشكلة. كما ان الأممالمتحدة غير معنية موقتاً بالأمر. وفي البداية يجب ان نعترف بأن الاتهامات التي تتناثر لتحميل المسؤولية لطرف واحد بعينه لم تثبت صحتها ومن يدعي أنه يملك الحل السحري فهو لا ينطق بالحقيقة. ومن الواضح إلى الآن أن أحداً لا يقدر على فهم ما يجري هناك. ولكن من المؤكد ان الحل العربي يجب أن ينشط وعلى وجه السرعة، فالمسألة أرواح تُزهق ونساء تُغتصب وبشاعة تُمارس. أما نحن فلا الخزي والعار اللذان يغشياننا كافيان لإنهاء الأزمة. ولعل على الائمة والقادة والاعلام والمؤثرين في الرأي العام، أقول لعلهم يتفاعلون أكثر مع الحدث بدلاً من هذه السلبية. وكأن ما يجري في الجزائر إنما يجري في بلاد الواق واق، أو في الاسكا أو جبال الهملايا وليس في بلد من منظومة الجامعة العربية والدول الإسلامية. إن نظرة إلى هذا البلد، بشكل قريب من الحماس الجارف الذي اتبعه البعض في تعامله مع قضيتي أفغانستان والبوسنة، كفيلة بالمساعدة على وقف المسلسل الدموي. ولن أقول إن الجزائر يا سادتي هي أقرب لنا من هذين البلدين، ولكن أُطالب فقط بمساواتها بهما. فهل يا تُرى نرى مؤتمر قمة عربياً أو إسلامياً يخصص فقط لهذه القضية؟