سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
200 مدينة منسية ولوحات فسيفساء عملاقة وجمال آخاذ يلتف على ثلث جمالات سورية :محافظة أدلب أحبها المعري والخليفة عمر بن عبدالعزيز وطاولها الاهمال وجشع مكاتب السياحة
من أين تبدأ رحلة سياحية إلى أدلب؟ من تل مرديخ الذي يضم حضارة ايبلا، أم من البارة أو سرجّلا أم من مدينة أخرى من "المدن الميتة" أو "المدن المنسية"؟ هل من متحف معرة النعمان الذي يضم مجموعة من أهم لوحات الفسيفساء في العالم، أم من متحف أدلب الذي يضم رقم مكتبة ايبلا التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد؟ من ضريح الفيلسوف ابي العلاء المعري أم من ضريح الخليفة الأموي عمر بن العزيز وربما من مقام النبي ايوب؟ من مصايف جبل الأربعين في منطقة أريحا أم من ينابيع العين الزرقاء وربما من حمام الشيخ عيسى والمياه الكبريتية فيه؟ الإجابة عن هذه الأسئلة صعبة جداً لأن أي زيارة لهذه المنطقة لا بد ان تشمل هذه الأماكن كلها أو على الأقل لا بد أن تشمل مساراً من هذه المسارات حسب الاهتمامات سواء كانت السياحة الثقافية أو السياحية الاصطيافية. لكن صعوبة تحديد المسار أو الإجابة ترجع إلى سبب آخر يختصر المشكلة كلها. هذا السبب هو عدم وجود فندق في المحافظة التي تضم ثلث المواقع والمعالم الأثرية في البلاد البالغة ثلاثة آلاف أثر وموقع وأكثر من 5،1 مليون من السكان، كما أن أكثر من عشر بعثات أثرية تعمل في تلال هذه المحافظة. وعدم وجود فندق هو وجه من أوجه المشكلة، ذلك ان غنى هذه المنطقة بالمثقفين المعاصرين مثل الكاتب الساخر خطيب بدله وكاتب الدراما رياض نعسان آغا والراحلين مثل الساخر حسيب كيالي، إضافة إلى الفيلسوف المعري والمناضل - المفكر إبراهيم هنانو، لم ينعكس واقعاً في قيام نشاط ثقافي كبير في المحافظة سواء في مركزها أو ضواحيها. وليست هناك سوى صالة سينما واحدة يزورها سنوياً أقل من 15 ألف شخص ليشاهدوا بضعة أفلام تتكرر دورياً، علماً ان مدينة مجاورة مثل حلب تضم أكثر من عشر صالات يتردد عليها أكثر من 5،1 مليون شخص. التحليل البسيط لغياب الخدمات، هو أن أدلب سميت محافظة وفصلت عن حلب قبل عقود فقط، وتحديداً عام 1957، وطالما أن النشاط الثقافي - الاقتصادي - الخدمي يجب أن يكون متوافراً بصرف النظر عن اسم أي مدينة سواء كانت محافظة أو لا، فإن التدقيق في ذلك التحليل يؤدي إلى الاعتقاد بأن أسباباً أخرى تقف وراء ذلك تبدأ من قربها من عاصمة الاقتصاد السوري في الشمال التي تضم أيضاً نشاطاً ثقافياً مهماً، إضافة إلى مواقع أثرية ضخمة مثل قلعة حلب ودير سمعان، ووقوعها بين حلب والمدينة الساحلية الأخرى المهمة اللاذفية، إضافة إلى كون أهاليها محافظين. لكن لا يمكن نكران الخطوات البسيطة التي اتخذت أخيراً لتنشيط السياحة في هذه المحافظة، مثل إقامة وزارة السياحة العام الماضي "مهرجان المدن المنسية" لأول مرة، وعرضها تنفيذ مشروع "فندق أدلب السياحي" الذي لا يزال العمل مستمراً به منذ نحو 15 سنة. وقال مسؤول في مديرية السياحة في أدلب ان الوزارة دعت المستثمرين إلى إقامة منتجع "الشيخ عيسى" الذي يبتعد إلى 25 كيلومتراً في شمال شرقي جسر الشغور حيث توجد نبع مياه ساخنة تبلغ حرارها 38 درجة تصب في حوض نهر العاصي، وتساهم في معالجة الأمراض الرئوية والجهاز الحركي والهضمي والتنفسي. واقترحت الوزارة إقامة مركز علاجي، بمساحة طابقية قدرها ثلاثة آلاف متر مربع، يشمل مسابح ومغاطس وساونا وعلاجات فيزيائية وكهربائية، إضافة إلى 100 سرير ومقصف بمساحة قدرها 200 متر مربع. وقدرت كلفة المشروع بنحو 40 مليون ليرة سورية 5،1 مليون دولار. أدلب... من بوابة حلب لا بد من الانطلاق في رحلة إلى هذه الزاوية الشمالية من بلاد الشام وإحدى بوابات العلاقة العثمانية - الإسلامية التي استمرت 400 سنة بشجونها وآلامها، والبوابة العربية - التركية في الأزمات وفترات الانفراج، لكن، من أين تبدأ؟ من أحد فنادق حماة أم حلب أم اللاذقية؟ تحديد نقطة الانطلاق يساعد على تحديد المسار التالي للرحلة السياحية. كان الانطلاق من فندق "بارون" وسط حلب، محملين بذكريات تركتها الكاتبة البريطانية اغاثا كريستي ولورانس العرب وكبار السياسيين من كمال أتاتورك وتيودور روزفلت، الأمر الذي جعله نقطة التقاء السياح الحالمين برحلات "لورانسية" في أي وقت من الأوقات لا سيما في الشتاء. كان المسير على طريق حلب - دمشق. بعد قطع 52 كلم جنوباً كنّا على موعد من لوحة كتب عليها "تل مرديخ - ايبلا، على بعد 3 كلم". وتأتي المتعة من أنه في غضون نصف ساعة انتقلنا من فندق عمره 90 سنة إلى بيوت طينية تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. تدفع ما قيمته دولار أو دولارين فيرفع الحارس الانبوب الحديدي الذي يسد الطريق إلى ذلك التل المحاط بالحشائش الخضراء هذه الأيام. في هذا المكان وجد العالم الايطالي باولو ماتيه قبل عقدين أقدم مكتبة في العالم تضم 17 ألف رقيم. وقال رئيس شعبة الآثار في أدلب السيد غازي علولو إن هذه التلة "أحدثت هزة في الأوساط العلمية العالمية"، ونبّه إلى أهميتها اكتشاف مذبح بازلتي في العام 1955. واعتماداً على القطع الفخارية التي وجدت في القصر الملكي يمكن القول إن الدمار الذي حل في المدينة جرى في العام 2250 قبل الميلا. وأشار إلى "الكنز الحقيقي الذي يتمثل في محفوظات القصر الملكي من الوثائق الرسمية والسجلات ومراسلات الملوك التي سطرت بخط مسماري في 17 ألف لوحة طينية". جئنا مع المعطيات في الذاكرة، فكان التل أمامنا وقد اقيمت أمامه غرفة على عجل من دون أي خدمات أو تسهيلات، يستقبلنا الحارس أبو أحمد بابتسامة قائلاً بلهجة محلية: "عرب أم أجانب؟". وقبل ان يسمع الجواب قال: "تفضلوا اشربوا كأس شاي" أعده على مدفأة تتذاءب فيها ألسنة اللهب من غصون زيتون قديمة. بعد الانتهاء من تبادل الحديث والمجاملات الاجتماعية، نسأل أبو أحمد: "هل هناك دليل سياحي؟". يضحك ويقول: "أنا دليل سياحي وحارس وعالم آثار!". ليس هناك في المكان سوى بيوت طينية وبعض المعالم التي تدل إلى سور يدور حول هذه التلة وبعض الغرف المسقوفة بالخشب بحثاً عن آثار في هذا المكان الكلسي الذي اطلق عليه "أيبلا" أي "الصخرة البيضاء". إذا كنت تبحث عن معالم شاهقة مثل قلعة حلب أو صروح مبنية في قمة جبل وتطل على وادٍ مثل قلعة صلاح الدين في اللاذقية أو عن مدينة ميتة ولوحات فسيفسائية مثل كنيسة قلب لوزة، فلن تجد مبتغاك في هذا المكان الذي يروي فقط ظمأ الباحث عن عبق التاريخ والحضارات. ودّعنا أبا أحمد واتجهنا إلى الحاجز حيث قال أحد الحراس أشياء كثيرة منها: "سواء كنت صحافياً أم عالماً فستدفع الفاتورة المستحقة لعبور هذا الطريق". عدنا إلى طريق حلب - دمشق وسرنا باتجاه العاصمة بضعة كيلومترات لنكون على موعد مع مدينة الفيلسوف ابي العلاء المعري الذي توفي منتصف القرن الحادي عشر تاركاً أشعاراً وفلسفة لا تزال تعيش ذاكرة العقل العربي. ما أن نجحنا في التغلب على الحفر التي تغمر الطريق الفرعي إلى معرة النعمان، وهي حفر كانت ستعرقل شخصاً مثل الكفيف - المبصر ابي العلاء المعري، حتى وجدنا تمثال "رهين المحبسين" وصاحب "رسالة الغفران" و"اللزوميات". هذا الفيلسوف الذي يقف تمثاله أمام "متحف المعرة" كان على الأرجح أول "الخضاريين" في العالم، التوجه الذي يفتخر به الأوروبيون حالياً. لم يأكل "رهين المحبسين" الانتاج الحيواني أبداً وفق بعد فلسفي عميق. وكان اطلق عليه هذا الاسم لأنه كان كفيفاً وهذا حبس وكان يلزم بيته وهذا حبس ثانٍ من "حبسيه". ولم ينل هذا الفيلسوف حقه محلياً ووطنياً، إذ ان العام الماضي بالكاد شهد ندوة محدودة عنه. عبارة الوداع "الرائعة" التي قالها حارس ايبلا، عادت إلى الذاكرة عندما دخلنا "متحف معرة النعمان" حيث استقبلنا أمين المتحف السيد كامل شحادة بود رائع حقيقي، سرّ كثيراً لأننا من المنطقة ومهتمون فيها. وقال: "يا بني صار عمري أكثر من سبعين سنة ويجب أن يكون هناك جيل جديد مهتم بتكملة المشوار بعدي". عندما وصلنا إلى المتحف، كان يدور سيارته للرحيل، لأن الدوام انتهى، ترك سيارته "بيك آب" الزرقاء وجاء مبتسماً "أنا بأمركم". وفتح باب مكتبه الكبير وبدأ يتحدث عن هذا المتحف الذي هو "أهم متحف في الشرق الأوسط يضم لوحات فسيفساء"، وزاد "السياح الأجانب الذين جاؤوا قالوا لي إنه أهم متحف في العالم للفسيفساء". اقيم المتحف في "خان مراد جلبي" الذي يعود إلى العام 1517 حيث يتوسطه مسجد كبير تلتف حوله قاعات كبيرة مقسمة تاريخياً وفنياً حسب لوحات الفسيفساء الموجودة فيه. أصر السيد شحادة على مرافقتنا في جولة في المتحف، فخوراً باناقته الكلاسيكية التي تشمل بدلة زرقاء وربطة عنق سوداء وقبعة عثمانية، وبعدما رفض ب "أي شكل من الاشكال" ان ندفع "ليرة واحدة" مقابل دخولنا. الفسيفساء خيال منسوج بالجماد الفسيفساء هي فن تصويري تستهدف التعبير بصف قطع يبلغ طول الواحدة منها مليمترات، عن ما يدور في الخيال تجاه الطبيعة والمعتقدات والبطولات التي يسجلها قادة أي فترة تاريخية. ويقوم التصوير أحياناً على خلفية رمزية، إذ ان الحمل يرمز إلى السيد المسيح، والطاووس إلى الخلود والقيامة. ونتيجة غنى المنطقة الشمالية من سورية بالكنائس البيزنطية - الرومانية، أقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف ورشة لترميم اللوحات استطاعت تنفيذ صورة للرئيس حافظ الأسد من قطع حقيقية معلقة في واجهة المتحف. ومن اللوحات المهمة الموجودة "فسيفساء هرقول" التي تبلغ مساحتها 270 متراً مربعاً ويعود تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي ومستقاة من التراث الاغريقي وتضم مواضيع عدة. ويوضح السيد شحادة ان المشهد الأول يصور هرقول في مركب مع أخيه ايفيكلس خارجاً من البحر حاملاً أفعى لخنقها حيث تسارع والدته لانقاذ اخيه، فيما يشهر الوالد سلاحه. ويقف هرقول في المشهد الثاني أمام الالهة لتباركه إلى جانب اناسيا حاملة المشعل. ويجمع المشهد الثالث اناسيا ووالدته، فيما يضم المشهد الرابع هرقول أمام اوقيانوس اله النمو والمحيطات، بعدما طعن افعى إلى أن سال دمها على الشجرة التي تلفها. وبعد مشاهدة لوحات "معرشورين" التي تبلغ مساحتها 74 متراً مربعاً و"دير سمعان شرقي" التي تعود إلى القرن الرابع الميلادي و"معرة مصرين" و"تل عار" و"حوّا" و"معراتا" و"فركيا" و"ام حارتين"، هناك لوحة "الهوّات" التي تعود إلى العام 567 وتبلغ مساحتها 88 متراً مربعاً. وقال السيد شحادة إنها كانت ترصف أرض كنيسة في مزرعة الهوات في مدينة محردة، لذلك فهي تمتاز بزهو كعوبها الحجرية ومشاهدها الحيوانية المثيرة، حيث جمعت المشاهد بين الحيوانات مثل الفيل واللبوة والحمار الوحشي والثور والدب والأسد مع الاشكال الهندسية الرشيقة. بعد هذه الجولة في المتحف الفارغ من الزوار إلى حد أثار لدى السيد شحادة شعوراً بالفرح لزيارتنا، والسبب هو ان ستة آلاف شخص فقط زارو المتحف العام الماضي. يستوقفنا أمين المتحف ويقول: "قبل أن تذهبوا سأخبركم قصة هذا الخان"، موضحاً ان الأحجار التي رفعته تعود إلى بيوت أهالي المعرة المهدمة عندما جاء الصليبيون وحاصروها إلى أن سقطت عام 1098، وأكد الكاتب اللبناني أمين المعلوف في كتابه "الحروب الصليبية" ان الفرنجة أكلوا لحوم أهل المعرة وحرقوها وهدموها. ضريح عمر بن العزيز بعد سبعة كيلومترات باتجاه حلب وعلى اليسار يقع دير نقيرة أو شرقي الذي يضم ضريح الخليفة عمر بن العزيز إلى جانب الشيخ أبي زكريا يحيى بن منصور. ويختلف المؤرخون حول دقة هذه الرواية، لكن هناك اجماع على أن الضريح يخص الخليفة الأموي الذي توفي عام 720، وهناك اجماع واضح أيضاً على أن الضريح مهمل تماماً، إذ أنه ليس سوى غرفة تضم قبرين تعلوهما حشائش، عدا عن سوء حال الطريق الترابية المتفرعة من اوتستراد حلب - دمشق سواء في الشتاء بسبب الطين أو في الصيف بسبب الغبار. وبالامكان التوجه من "دير شرقي" إلى رويحا، وهي إحدى المدن الميتة في المحافظة والتي تأسر النظر لأسباب عدة منها المساحة الكبيرة التي تمتد عليها وزرقة حجارتها التي تبدو مع الغروب كبحر أزرق، إضافة إلى تداخل الآثار والمعالم الأثرية مع البيوت التي يعيش فيها الناس. وما ان تهبط السيارة من إحدى التلال حتى تلمع الحجارة الزرقاء في العيون على امتداد الافق. ويفضل السيد علولو ان نسميها واحدة من "المدن المنسية" وليس "الميتة"، موضحاً لأنها "ليست كذلك، بل معمرة لكن منسية". وهناك في أدلب 200 مدينة من هذا النوع، يختلف المؤرخون عن أسباب دمارها، لكن هناك اجماع على أسباب عدة منها حصول كوارث طبيعية وأمراض مثل الطاعون، إضافة إلى أن بعضاً من أهالي المنطقة رحلوا بعد الفتح الإسلامي لأنهم كانوا مسيحيين سرياناً، علاوة على حدوث زلزال كبير عام 1157. سرنا باتجاه الشمال الغربي لمسافة 15 كلم لنصل إلى أريحا أو ريحا، وهو تكبير لكلمة رويحا. وتضم هذه المنطقة جبل الأربعين، وهو أحد أهم المصايف للحلبيين ويضم بعضاً من الفنادق والبيوت المعروضة للايجار وبعض الفيلات ووصل، حسب الحلبيين، للمكان ان تاجر حلبي بنى قصراً بأكثر من ثلاثة ملايين دولار. وتضم المدينة أيضاً مدافن تعود إلى العام 386 حيث عثر فيها على صينية تصور السيد المسيح في العشاء الأخير مع الحواريين تعود إلى القرن الخامس الميلادي. ويمكن الانتقال بعد ذلك إلى مدن منسية أخرى، لكن لا بد من المرور ببلدة أورم الجوز التي تبعد ثلاثة كيلومترات غرباً، وكلمة "اورم" آرامية تعني "مدن"، لأن "أور" تعني مدينة والميم للجمع. وقال المؤرخ الأدلبي فائز قوصرة ان الملك الفرعوني تحوتمس الثالث قاد حملة عسكرية مرت بأورم الجوز عام 1450 قبل الميلاد وأقام في الوادي الأخضر الواقع غربها، الذي لا يزال يضم أشجار الجوز والكرز. وتقع هذه البلدة في الطريق الذي يتفرع من اوتستراد حلب - اللاذقية، إلى المدن المنسية في جبل الزاوية مثل البارة وسرجلا وكنيسة قلب لوزة، ذلك ان قيادة السيارة في تعرجات الطريق المؤدي إلى تلك المناطق في جبل الزاوية، ذات طعم آخر سيما أن الأشجار على جانبي الطريق قد تعرت بجسدها وتركت أوراقها تترامى إلى الأرض مع قدوم الشتاء. وتستمر تلك المتعة على طول 14 كلم مروراً بقرى الرامي ومرعيان واحسم. وتضم الآثار أربعة كنائس ومقبرة، إضافة إلى قلعة ابي سفيان، وهي ناهضة جميعاً بين أشجار الزيتون، ويعود أقدمها إلى القرن الثاني الميلادي. ويبدو ان زلزال القرن الثاني عشر فعل فعله فرمى بالجدران أرضاً بين التراب الغضاري الأحمر. ويروي أحد الحراس أنه نجح قبل أيام في إفشال محاولة لسرقة تيجان من الكنيسة الموجودة، في حين قال آخر ان ثلاثة اعتقلوا بعد ضبطهم يحاولون سرقة مدفن في بلدة المغارة الذي يعود إلى 246 قبل الميلاد، ويعتبر من أهم المدافن الوثنية. وكان البرلمان أقر أخيراً قانوناً يفرض عقوبات صارمة ضد المتاجرين بالآثار تصل إلى السجن مدة 25 سنة لأي مهرب آثار، واعطاهم مهلة ستة أشهر للتصريح عن ممتلكاتهم. ويتاجر مواطنون من بعض القرى بالآثار عبر نقلها إلى لبنان وبيعها بأسعار خيالية، وتنصب جهود السارقين على الفسيفساء والتيجان. وأشار السيد علولو إلى انخفاض عدد الحراس إلى أربعين شخصاً فقط منهم عشرون في المواقع الميدانية، مطالباً بتأسيس مخافر شرطة ميدانية. الانتقال من البارة إلى كنيسة "قلب لوزة" وسرجلا سهل، ذلك ان هذه المواقع الثلاثة متشابهة باستثناء ان الكنيسة تعتبر من أجمل الكنائس البيزنطية في العالم حيث كانت عام 560 مدرسة لتخريج طلاب العلوم الدينية إلى انحاء العالم. وتتميز بزخارفها وتيجانها الجميلة. وقال روس بيرنز في كتابه "معالم سورية" إن هذين الموقعين، "رائعان ولا بد من رؤيتهما" وصنفهما في مستوى قلعتي حلب والحصن وسط البلاد. جبل النبي ايوب وفي موازاة متعة التاريخ، هناك متعة الطبيعة في الانتقال بين القرى والبيوت المقامة على جانبي طريق ترابي - طيني يوصل إلى قمة جبل النبي ايوب على ارتفاع يصل إلى ألف متر، حيث تضم القمة مسجداً صغيراً بسيطاً يقع فيه مقام للنبي ايوب وليس ضريحاً كما يعتقد البعض، ذلك ان النبي أيوب مر من هنا ولم يمت في هذا المكان. وقال الباحث الألماني ريتر في كتاب عن الرحالة في شمال سورية: "هناك جبل مخروطي يدعى النبي ايوب محط أنظار الجميع، لأنه كان أكبر بمئة مرة من طائر العناق وأقوى بألف مرة من شمشون الجبار". وحيث أقام تاجر حلبي فيلاً بيضاء محاطة بالتراب الأسود، يقع في طرف الجبل نبع كبريتي يقصده الناس للشفاء من أمراض جلدية أو ان بعضهم يأتي كي يصلي في هذا المسجد، وهو الأمر الذي فعله أحد المرافقين بخشوع. بعد هذه الجولة الطويلة لا بد من أن تكون المحطة الأخيرة مع الأرقام في وقفة عند "متحف أدلب" على بعد 30 كلم من جبل النبي أيوب، لمعرفة إذا كانت أهمية هذه المنطقة تنعكس ايجابياً في عدد الزائرين. وقال السيد علولو "عدد زوار ايبلا ومتحفي المعرة وأدلب من الضيوف والسياح والطلاب لا يتجاوز 25 ألفاً منهم 2،12 ألف زاروا متحف المحافظة العام الماضي مقابل نحو ثلاثة آلاف زاروا ايبلا". وأضاف ان أحد الأسباب هو ان "منظمي الرحلات السياحية، لا سيما المكاتب السياحية يفضلون أخذ المجموعات إلى الاماكن المفتوحة كي يوفروا سعر بطاقة الدخول".