أكدت مصادر رسمية في عمّان أمس أن الحكومة الأردنية تجري اتصالات مع المنظمات المعنية في الأممالمتحدة لطلب المساعدة وتنسيق الجهود والاجراءات للتعامل مع احتمال تدفق مئات الآلاف من العراقيين إلى الأردن في حال هجوم أميركي واسع على العراق. وجاءت المخاوف الأردنية مع حديث وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت عن احتمال توجيه "ضربة قوية" إلى العراق في وقت بدا أن واشنطن اتخذت قراراً بتعزيز قواتها في الخليج. وفي هذا الإطار، أعرب وزير الدفاع الأميركي وليام كوهين أمس عن ثقته من تمكن القوات الأميركية، إذا اقتضت الحاجة، من استخدام قواعد جوية في الخليج في حال حصول تدخل عسكري ضد العراق. وقال وزير الدفاع الأميركي في مؤتمر صحافي أمس إن أي ضربة توجه إلى العراق ستكون "كبيرة"، لكنها لن تستهدف تدمير البلد أو ازاحة صدام حسين. وأضاف: "يجب ألا نفترض احتمالات غير منطقية"، مشيراً إلى أن الولاياتالمتحدة ستتخذ الاجراءات اللازمة لحماية المدنيين العراقيين من انعكاسات أي ضربة ومن احتمال تعرضهم لاشعاعات كيماوية أو بيولوجية من الجو. وبعدما أكد أنه على ثقة من ان القوات الأميركية ستكون على استخدام قواعد جوية في منطقة الخليج، قال: "نأمل أيضاً بالحصول على تعاونهم لاستخدام قواعد برية". راجع ص 5 رسالة للملك حسين وفي رسالة وجهها إلى الأمير الحسن ولي العهد الأردني وزعت أمس في عمّان قال الملك حسين: "إن مراهنة قيادة تلك الدولة المعنية العراق على احتمال انشقاق مجلس الأمن حول الأمر بما يمنع استخدام القوة أو ان الموقف الراهن مجرد خدعة أو مناورة، وان العناد في التجاوب مع مجلس الأمن لن تكون له النتائج المشار إليها، إنما هو سوء تقدير خطير للغاية وانه سوف يدفع العراق لا قدر الله إلى تفجر الأمر". وأعاد إلى الذاكرة آخر لقاء له مع الرئيس صدام حسين في بغداد، وقال إن الرئيس العراقي أبلغه الآتي: "يا أبا عبدالله ان الكون كله ضدنا والله معنا وستكون الغلبة لنا، فلا تقلق ولا تتعب نفسك، فكانت اجابتي: شكراً، سأعود إلى بلدي حزيناً، قلقاً، اسفاً. وما سمعته هو فوق قدرتي على التعامل معه وان اردتني لأمر فيه خير، فأنا في عمان. ووقعت الكارثة وأصيبت الامة بأسرها". وأشار العاهل الأردني في الرسالة الى انه اكتشف ان لديه مايكرواورغنيزم أثار الغدد اللمفاوية وكان سبباً في ارتفاع الحرارة بين حين وآخر وفقدان الوزن والشعور بالارهاق. وأوضح انه "على طريق الشفاء الكامل ويتناول الدواء اللازم". وكشف ان وزيرة الخارجية الاميركية قدمت افكاراً اميركية الى الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي يؤدي القبول بها الى تحريك العملية السلمية في الاتجاه الصحيح، هذا مع التزام الولاياتالمتحدة تعهداتها وضماناتها، وان رفض هذه الافكار من اي من الطرفين سيحمله مسؤولية تعطيل المسيرة. وقال العاهل الأردني تعليقاً على المقترحات الاميركية: "ان ما يدرك كله مرحلياً لا يدرك جله". وقالت المصادر الرسمية في عمّان إن الأردن يتوقع لجوء ما بين 350 إلى 450 ألف عراقي إلى الأردن في غضون بضعة أيام في حال اتساع نطاق العمليات العسكرية الأميركية - البريطانية في العراق وتسيب الوضع الداخلي. وأكدت ان المملكة ستحتاج إلى مساعدة الأممالمتحدة لايواء مئات آلاف اللاجئين العراقيين في حال انفجار مواجهة في العراق. وفي هذه الأثناء، دعا الملك حسين أمس إلى حل الأزمة مع العراق بالطرق السلمية و"اللجوء إلى لغة الحوار والعقل بدل اللجوء إلى لغة الحرب والقوة". وأكد "حق جميع الشعوب بالعيش بأمن وسلام وحرية وضرورة تجنيبها مآسي الحرب والتشريد". ودعا في تصريحات وزعت أمس غداة لقائه وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت في لندن إلى "ضرورة استمرار الجهود الديبلوماسية لإنهاء الأزمة الحالية بين العراقوالأممالمتحدة بما يكفل التزام تنفيذ القرارات الدولية ورفع كل اشكال الحصار والمقاطعة المفروضة على الشعب العراقي الشقيق، والتي أدت إلى مأساة إنسانية حقيقية". واعتبر أن "أية أعمال عسكرية جديدة ستؤدي إلى مزيد من المعاناة والألم للشعب العراقي الشقيق، إضافة إلى تعقيد الأوضاع في المنطقة في الوقت الذي تسعى جميع الجهات المعنية إلى اخراج عملية السلام من المأزق الذي تمر به حالياً". وقالت وكالة الأنباء الرسمية بترا في تقرير لها من لندن ان العاهل الأردني "أكد ضرورة بذل كل الجهود الممكنة وعلى كل المستويات وبخاصة من قبل الولاياتالمتحدة الأميركية راعية عملية السلام في الشرق الأوسط لإنقاذ عملية السلام وتجاوز كل العقبات التي تعترضها وصولاً إلى السلام العادل والدائم المنشود الذي يحقق آمال شعوب المنطقة وتطلعاتها وفقاً للشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام". وصرح وزير الخارجية الأردني الدكتور فايز الطراونة في عمّان أمس بأن الأردن "يتابع بقلق بالغ تطورات الأزمة بين العراق والبعثة الخاصة للأمم المتحدة لإزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية". وقال إن هذه الأزمة "أدت بدورها إلى تصعيد خطير في العلاقات مع مجلس الأمن وإلى زيادة حدة التوتر والغموض في المنطقة بأسرها". ودعا "كل الأطراف المعنية في هذا النزاع إلى الاستمرار في الجهود الديبلوماسية الرامية إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن تحقيقاً للالتزام الكامل بالشرعية الدولية واحترامها". وقال إن تنفيذ القرارات "يجب أن يعني بالضرورة انهاء كل أشكال المقاطعة والحصار على الشعب العراقي الشقيق بعد سنوات طويلة من التجويع والحرمان". ومن المقرر أن يعقد مجلس النواب العراقي جلسة غداً للبحث في التهديدات الأميركية، دون ورود مؤشرات من بغداد حتى الآن عن استعدادها لتفادي المواجهة بموافقتها على السماح للمفتشين الدوليين بمواصلة عملهم. وفي دافوس سويسرا، عقد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان اجتماعاً امس مع مندوب الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة بيل ريتشاردسون على هامش المؤتمر السنوي للمنتدى الاقتصادي الدولي اعلن على اثره انه "يجب ان نترك مجالاً للمحادثات الجارية بين اطراف عدة مع العراق كي تأخذ مجراها" مضيفاً: "لم نصل بعد الى ربع الساعة الاخير" قبل القيام بعملية عسكرية ضد العراق. لكن ريتشاردسون الذي يقوم منذ ايام بجولة على دول عدة من اجل حشد تأييد للموقف الاميركي من الازمة، اعتبر من جهته ان استخدام القوة ضد العراق "امر مطروح بقوة على الطاولة لأن الجهود الديبلوماسية استنفدت" مشيراً الى ان الموقف الاميركي هذا لا يهدف الى "التلويح" فقط باستخدام القوة. وقال انان في مؤتمر صحافي عقده في دافوس امس "ما زالت المشاورات والمحادثات مستمرة في شأن الخطوة المقبلة، لكن الجميع بما في ذلك الولاياتالمتحدة يفضلون حللً ديبلوماسياً للأزمة" مع العراق، مضيفاً ان على الاخير ان يتخذ اجراءات سريعة لتدمير الاسلحة التي في حوزته والتعاون مع مفتشي الأممالمتحدة "للحيلولة دون استخدام القوة كإجراء اخير". وحرص على الاشارة الى انه ليست هناك مهلة محددة يتم اللجوء الى القوة بعدها. وقال "لسنا امام وضع يمكننا فيه ان نحدد جدولاً زمنياً للاجراءات التي يمكن اتخاذها ولا ان نحدد موعداً صارماً. اننا لم نتحدث حتى عن مهلة محددة". ورداً على سؤال لپ"الحياة" عن الجدل الذي اثارته تصريحات رئيس اللجنة الخاصة المكلفة ازالة الاسلحة العراقية ريتشارد بتلر والانتقادات الشديدة اللهجة التي وجهها اليه مسؤولون عرب، قال انان ان بتلر "يتمتع بصدقية في عمله ويلقى احتراماً، لكن اي شخص في مكانه ويتعرض لضغوط كالتي تعرض لها يمكن ان يدلي بتصريحات لا يقصدها او يجب الا يدلي بها" مضيفاً انه اصدر تعليمات على اثر ذلك الجدل الى موظفي الأممالمتحدة بأن "الديبلوماسية عبر شاشات التلفزيون لا تأتي بالنفع ويجب تجنبها". وفي نيويورك احتجت الحكومة العراقية رسمياً لدى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن على "السلوك غير المبرر مهنياً" لبتلر. وشككت "بدوافع تصريحاته" وانتهاجه "سياسة تجاه العراق تتسم بتغليب روح المواجهة على الحوار" و"افتعال الازمات" و"سوء استخدام الصلاحيات" و"أهلية" بتلر للاضطلاع بمهماته كموظف دولي. ووجه وزير خارجية العراق السيد محمد سعيد الصحاف رسالة الى انان احتج فيها على تصريحات بتلر الى صحيفة "نيويورك تايمز" التي ناقش فيها "جملة من الخيارات" لمجلس الأمن مثل توسيع مناطق حظر الطيران المفروضة حالياً على العراق وفرض حصار بحري على ميناء البصرة. وقال الصحاف ان "موضوع هذه التصريحات لا يتعلق بمهمة بتلر التي تنحصر بنزع السلاح وانها تتنافى مع مسؤوليته كموظف دولي عليه التزام الحياد والموضوعية والنزاهة في اداء المهمة الموكلة اليه حصراً، وانه غير مخوّل الخوض بما لا يقع ضمن اختصاص اللجنة الخاصة". وفي رسالة اخرى من مندوب العراق السفير نزار حمدون الى الأمين العام، اتهمت الحكومة العراقية بتلر بأنه دأب منذ توليه رئاسة اللجنة الخاصة "على انتهاج سياسة تجاه العراق تتسم بتغليب روح المواجهة على الحوار وتغليب الشكوك الباطلة على الوقائع والحقائق العملية وافتعال ازمات لا مبرر لها تعرقل العمل المهني والموضوعي" للجنة الخاصة. واحتجت الرسالة على "تصاعد اللغة اللاموضوعية والمتجنية للسيد بتلر" وأشارت الى "ضرورة تمتع موظفي الامانة العامة للأمم المتحدة بأعلى مستوى من المقدرة والكفاءة والنزاهة". وبعث حمدون برسالة الى رئيس مجلس الأمن للشهر الجاري سفير فرنسا آلان دوجاميه احتج فيها على تصريحات بتلر والتي تضمنت قوله ان لدى العراق أسلحة بيولوجية تكفي "لتدمير تل أبيب". وجاء في الرسالة ان بتلر بتصريحاته يكون قد "روّج للسياسات الأميركية المعادية للعراق". وزاد: "اننا في الوقت الذي نحتج فيه على هذا السلوك غير المحايد من قبل السيد بتلر، نأمل بحكم مسؤوليتكم ان تجلبوا انتباه السادة اعضاء المجلس إلى ضرورة التزام الرئيس التنفيذي للجنة الخاصة بقواعد السلوك الوظيفي الدولي وان لا يتجاوز اختصاصات وظيفته باعتبار ان اللجنة الخاصة جهاز فرعي من أجهزة مجلس الأمن".