اسمه حسين. سريع الغضب. ليس في القرية من يتفوّق عليه في حدّة الطبع وكثرة الظنون. يثور لأتفه الأسباب، ويستشيط حنقاً اذا ما تفوّه احدهم بكلام ما. يحسب انه يتحدث عنه بالسوء. أنفه طويل بعض الشيء. لقد قال كبار السن ان الحديث في انوف الناس امر معيب، ولكن ما العمل فأنف حسين طويل حقاً. وربما لهذا السبب خُلع عليه اسم "حسين البط". "حسين البط تعال". "حسين البط اذهب". وكان الأمر باعثاً على حنقه الشديد. فإذا ما تلفظ احدهم بكلمة "البط" ينفجر غيظاً وينهال عليه بالويل والثبور. والناس لا يوفّرون فرصة للإستهزاء به واستدراجه الى حيث يكره. ولكن، ليس في وسع أحد الإفصاح عمّا في دخيلته وجهاً لوجه حسين، فظنونه وشكوكه لا تعرف الحدود. ومع هذا فهو لا يرتاح قط لصمتهم امامه. يقول في نفسه ان هؤلاء الناس يصنعون حيلة بصمتهم ويحيكون مؤامرة من حوله. هم يسخرون منه في دواخلهم أغلب الظن. لربما ابتكروا طريقة للهزء منه محبوكة باتقان بحيث لا يفلت منها شيء فيظهر على الوجوه. آه، ان الامر على هذا النحو. هكذا بدأت الشكوك تساوره. فإذا ما صادف في طريقه جاراً له او شخصاً يعرفه، او لا يعرفه، يروح يدقق في كلماته وحركاته وسكناته. يفحص كل حرف يتفوّه به، ينتبه لأدنى اشارة تبدر منه، يفتح عينيه على وسعهما، وكذلك أذنيه، ويراقب. فاذا ما نطق احدهم، عن طريق السهو او الخطأ، بكلمة "بط"، او احدى مشتقاتها، فليحسب أن أمّه لم تلده. ملامحه ونظراته وإشاراته تفصح، كلها، عن كره عميق للناس. وكل شيء يذكّر بالبط او فراخه او مشيته او موته يحوّله الى كائن هائج. شخص واحد يحظى بثقته وينال قسطاً من محبة نادرة لديه. انه صديقه احمد. وها هو يستقبله في البيت. احمد هو الوحيد الذي لم يسخر منه يوماً ولم يأت قط على ذكر البط في حضرته. هبّ حسين واقفاً ورحّب بصديقه. عانقه. أعد له القهوة. حادثه. ثم سأله: - هات حدّثني. ما عندك من اخبار. ألقى السؤال ثم بقي محدّقاً بصديقه. تحوّل كله الى اذن صاغية وتركزت انظاره على احمد وما سيأتيه من حركة. - والله، ليس من شيء جديد. في الخارج هواء بارد. وهناك غيوم تنذر بهطول المط... لم يكمّل احمد كلامه. هبّ حسين غاضباً وأمسك به من ياقته. - ايها الخائن. يا ناكر الجميل. اذهب من بيتي. ظننتك صديقاً وفياً. - اهدأ. ماذا حصل؟ لماذا تقول لي ذلك؟ ماذا فعلت بك؟ - لن اهدأ. اذهب. تقول لي بط. - لم افهم. متى قلت ذلك. من اين اتيت بهذا يا حسين؟ - اعرف. لقد قلت لي بط. افهم ما تقوله. اذهب ايها الخائن. - ولكن يا صديقي. لم اتفوّه بهذه الكلمة. قلت هناك غيوم تنذر ب... - نعم. نعم. تنذر بالمطر. وماذا يعني ذلك؟ - والله لا اعرف. ماذا يعني ذلك؟ - يعني ان المطر سيهطل. - وماذا في ذلك؟ - ماذا في ذلك؟ اذا هطل المطر ستتشكل بركة ماء. - وليكن، وما شأنك بذلك؟ - آه، انك تتصنع الجهل. ماذا يحدث في البركة؟ - ماذا يحدث؟ - اسكت، ايها المنافق. لا تتهرّب. - والله لا اعرف. - في البركة يسبح البط، انك تقول عني انني بط. ضرب صديقه كفاً بكف وأسرع خارجاً من البيت. ترجمها عن التركية: نزار آغري * فقير بايقورت: من الكتّاب الأتراك المعاصرين. ولد عام 1929. له روايات ومجموعات قصصية. وهذه القصة مترجمة من مجموعته "ألف عربة وعربة".