ليس ثمة من مجال للفصل بين الحديث عن الاسلام في الصين واشكال "الدولة الوطنية"، كما يدل عليه المفهوم الذي عرفه القاموس السياسي مع تطورات اللعبة السياسية الكبرى في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حيث استعانت الدولة الوطنية الصينية، بالنموذج السوفياتي، لتنظيم التركيبة الفسيفسائية المعقدة للجماعات البشرية التي تضمها الخارطة السياسية الصينية، ما أدى الى ان يظهر للوجود - في ما يتعلق بموضوع مسلمي الصين - عشر قوميات مسلمة، ضمن القوميات الخمس وخمسين، المعترف بها رسمياً، والتي تشكل التركيبة الكلية للدولة الصينية. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يمكن الحديث عن هذه القوميات العشر، على رغم انتمائها كلها للاسلام، في المنطق نفسه؟ بمعنى، هل يمكن اختصار الاشارة الى كل هذه القوميات بأنهم مسلمو الصين؟ وهل ثمة من امكان للحديث عن صينيين مسلمين؟ على رغم ان السياسة الوطنية الصينية، استطاعت ان تفرض، من خلال برامج تعبوية مختلفة، معقدة وطويلة المدى، اللغة الصينية لغة وطنية مشتركة للاعلام، والتعليم الوطني المركزي، الا ان معظم مسلمي الصين، بالمعنى السياسي للكلمة، لا يتحدثون في حقيقة الأمر اللغة نفسها. بل انهم لا ينتمون الى التاريخ نفسه، أو الموروث الحضاري، حيث يكاد يكون لكل قومية منهم لغة خاصة وتاريخ وحاضر ثقافي وحضاري خاص، بحيث لا يلتقي أو يتقاطع أحد أبناء هذه القوميات العشر مع غيره من أبناء القوميات الأخرى الا في حقيقة الاعتقاد، وشهادة ان لا اله الا الله. على هذا الأساس، اذا ما أخذنا بوجهة النظر التي تطرحها أكثر النظريات رواجاً عن "العرقية"، كاتجاه ثقافي أو لغوي صرف لتحديد "الهوية"، نجد ان مفهوم "الصينيين المسلمين"، غير صالح لأن يُطبق على غير أفراد قومية واحدة من هذه القوميات المسلمة، وهي قومية "الخوي". فهم وحدهم، بالمعنى العرقي والتاريخي والحضاري والانثربولوجي، بل والسوسيولوجي ايضاً، من ينتمون الى الأصل الصيني. وهم وحدهم من يستخدم اللغة الصينية، التي هي لغتهم القومية واليومية، ويعيشون ويتوزعون على كافة ارجاء الصين كغيرهم من الصينيين الذين يُعرفون بپ"الخان". ومن هنا يأتي الاشكال الأول فيما يتعلق بمسألة الاسلام في الصين: على أي أساس يمكن فصل "الخوي" عن بقية "الخان" وتصنيفهم كأقلية قومية مختلفة؟ هل لمجرد اعتقادهم الديني؟ بمعنى، هل يجعل الاسلام من "الخوي" عرقاً آخر مختلفاً عن العرق الصيني؟! وتحاول الدراسات الأكاديمية، خاصة المتعاطفة مع قضية "الخوي"، التأكيد على ان هؤلاء على رغم اعتقادهم بديانة سماوية، وهو الأمر الذي لا تعرفه العقلية الصينية، والتي لم تجعل مكاناً للماوراء في تاريخها الفكري، ليسوا عنصراً مختلفاً، ولا يمكن اعتبارهم بحال عرقاً آخر غير العرق الصيني، كما هو موقف درو جلاوني الخبير الأميركي في الدراسات الصينية في كتابه "الصينيون المسلمون"، ويذهب فيه الى نحت تركيبة لغوية في اللغة الانكليزية للتفريق بين مسلمي الصين، والصينيين المسلمين، مؤكداً على انتماء "الخوي" الى هذا الفريق الثاني. أو موقف الفرنسية فرانسواز أوبان، مديرة مجموعة الأبحاث حول الاسلام في الصين، في مركز الدراسات الصينية في باريس، والتي تذهب في مقال لها نشرتها مجلة "دراسات شرقية" في عددها الخاص عن الاسلام في الصين، الى اعتبار حقيقة ودينامية الاسلام في الصين دليلاً كافياً على تفاهة الأحكام التي كانت تنشرها الدعاية التبشيرية، أو المضادة لها في القرن الماضي، عن كون الصينيين قلما يميلون الى الروحانيات أو التضحية بحياتهم من اجل هدف ديني. وهي تشير الى نضال الصينيين المسلمين من "الخوي" في سبيل الدفاع عن معتقداتهم ومواجهة مختلف العمليات العسكرية التخريبية التي كانت تشن ضدهم في محاولة لردهم عن دينهم وصرفهم عنه. أي انها لا تتحدث، هنا، عن "الخوي" الا باعتبارهم صينيين، وهو ما يشكل حقيقة بديهية في خطابها الحضاري حول الصين نفسها كدولة وطنية. مع ذلك، فإن هذا الموقف المتعاطف - ان صح التعبير - سيجد نفسه متناقضاً مع عواطف الخوي ذاتهم! الذين ظلوا يقاومون كل افرازات الانصهار مع "الخان"، تمسكاً بدينهم وخصوصيتهم الحضارية على هذا الأساس. وكانوا يذهبون قدر الامكان للتميز عن هؤلاء في مأكلهم وملبسهم، ومسكنهم، والانعزال عنهم، بل وضع حدود صارمة وشاملة بينهم وبين الخان، بحيث لا يأكلون طعامهم، ولا يجعلون من يأكل لحم الخنزير مثلاً يقترب من أوعية مأكلهم، أو… انهم قد يذهبون أنفسهم للقول بأنهم عرق مختلف. "الخوي"، والقوميات الأخرى في الصين قبل الذهاب الى تحليل هذا الاشكال، نحتاج أولاً الى التطرق لبقية القوميات المسلمة في الصين، والتي تم دمجها - على العكس من قومية الخوي - عنوة بالدولة الوطنية الصينية، حيث لا تزال غالبيتها تقطن أوطانها الأصلية، والتي ضُمت للصين بقرار سياسي أو غزو عسكري مباشر، كما حدث مع بقية الامارات الاسلامية الأخرى في آسيا الوسطى من طرف القوات الروسية. ولا تزال كل هذه القوميات تتحدث بلغتها الأصلية، وتكتب بها، وتعيش ذاكرتها الحضارية التي لا تمت الى الصين بأي صلة، على رغم ضراوة الحصار التعبوي للثقافة المركزية. فبعد قومية "الخوي"، تأتي قومية "الويغور"، بحسب آخر احصاء رسمي على قائمة القوميات المسلمة الأخرى بالنسبة لعدد أفرادها. والويغور هم مسلمو تركستان الشرقية، والتي تعرف اليوم بپ"سينكيانغ" وتعني باللغة الصينية الوطن الجديد أو الأرض الجديدة، باعتبار ان هذه الأرض قد تم ضمها حديثاً الى الكيان الصيني الذي استقبلها كأرض جديدة. فالويغور هنا في أرضهم الأم - رغم خصوصية هذا الانتماء قدموا الى هذه الأرض حوالى سنة 840م، من منغوليا الداخلية. فهل كانت التركستان ارضهم الأم قبل حلولهم في منغوليا نفسها، والتي قطنوها لمدة من الزمان تقارب المئة عام بعد انتصارهم على دولة الاتراك الغز حوالى سنة 745م، ام انهم كانوا يستوطنون ارضاً أخرى؟ فإن ذلك لا يزال موضع تساؤل الى الآن. إلا اننا نعرف انهم هزموا في منغوليا على يد "القيرغيز" الزاحفين من الغرب عام 840م، ثم رحلوا نحو تركستان حيث توطنوا وألفوا بالتدريج حياة المدنية والتحضر. ويتحدث الويغور اللغة التي تُعرف بالويغورية، وهي من أرومة اللغة التركية القديمة، ويستخدمون الحروف العربية في الكتابة. تأتي قومية "القازاق" مباشرة بعد "الويغور"، وتعود بأصولها الى شعب القازاق المعروف الذي تضمه الجمهورية التي حملت نفس الاسم ضمن الاتحاد السوفياتي السابق. وقازاق الصين يقيمون بشكل عام في تركستان الشرقية، وقانصو، وشنغهاي. ولغتهم كذلك من أرومة اللغةالتركية، كما يستخدمون الحروف العربية في الكتابة. تأتي بعد ذلك قومية الدونغشيانغ، وهم شعب من أصول منغولية يستخدم هنا مفهوم "منغول" بالمعنى الخاص للكلمة، للدلالة على الشعب الذي يسكن هضبة منغوليا الداخلية والسهول الواقعة ما بين سلاسل "تيان شان" وجبال "شاي". ويعد الدونغشيانغ وبحسب المصادر الصينية، أول من اعتنق الاسلام من المنغول، في عهد "أوغوتاي"، إلا انهم اضطهدوا بسبب اسلامهم وأنزل عليهم البوذيون من المنغول سياط التنكيل، حتى انهم اضطروا لترك أرضهم الأم، فارين نحو مناطق الصين الداخلية، حتى وصلوا الى أراضي محافظة "منتشين" اليوم، في مقاطعة قانصو. هناك انقسموا الى قسمين: احدهما دخل في سهول ختاد في منطقة منغوليا الداخلية، وهم المسلمون المنغول في ولاية آراشا الحالية، والآخر دخل دونغشيانغ وتعني البلد الشرقي في لينشيا اليوم. وقد أطلق عليهم في بداية الأمر اسم خوي خوي دونغشيانغ، أي مسلمو البلد الشرقي، ثم اعطت الحكومة الصينية اسم المكان الذي استقر فيه هذا الشعب لكامل القومية. غير ان ثمة رأياً آخر يذهب الى اعتبار منغول دونغشيانغ هم بقايا من جنود المنغول الذين قادهم جنكيز خان اثناء حملته الغربية لغزو هذه المناطق، والذين فضلوا الاستقرار حيث وصلوا. فالدونغشيانغ، وبأي الآراء اخذنا، هم شعب منغولي، يتحدث اللغة المغولية، ويتمتع بالحكم الذاتي في الجهة الشرقية من لينشيا، كما يسكن بعضهم في منطقة شيخيانغ. القرغيز: تأتي بعد الدونغشيانغ قومية القرغيز، وهم من أصول تركية. عاشت قبائل القرغيز على حدود مناطق التركستان في آسيا الوسطى، في المناطق التي تعرف اليوم باسم جمهورية قرغيزيا والتي كان يضمها الاتحاد السوفياتي السابق. وقد جاء ذكر القرغيز في المصادر الصينية المبكرة على أساس انهم الشعب الذي هزم الويغورفي منغوليا الداخلية وقضوا على مملكتهم هناك. ثم ورد ذكرهم مرة أخرى في القرن السادس عشر، حيث كانت الاشارة الى انهم يقيمون في منطقة "يدي صو" تحت حكم السلطان خليل بن الخان المغول أهم. ولا ندري ما إذا اعتنق بعض قبائل القرغيز الاسلام في هذه الفترة ام لا؟ على رغم اشارة بعض المصادر الى جهود احد شيوخ الصوفية، واسمه اسحاق ولي، لنشر الاسلام بين هذه القبائل، وأنه نجح في استمالة قلوب مئة وثمانية منهم، إلا ان معظم المصادر يؤكد على انهم ظلوا على الشامانية حتى بدايات القرن الثامن عشر، عندما ارسلت لهم السلطات الروسية وفوداً من العلماء المسلمين من التتار لتعليمهم الدين الاسلامي… ويرود توماس ارنولد هذا الحدث في كتابه "تاريخ الدعوة" ص 277، باعتباره المثال الوحيد لحكمة مسيحية شاركت في نشر الاسلام في القرن الثامن عشر، وذلك لاعتقادها ان القرغيز، لشبههم الكبير للتتار من المسلمين في الصفات الجسدية، هم مسلمون مثلهم. وفي محاولة لكسب ولائهم في اطار الدولة الوطنية الروسية، سعت روسيا الى اظهار عنايتها بخصوصيتهم الحضارية والدينية، وأبدت رغبتها في رفع مستواهم الحياتي والروحي، فأرسلت لهم البعثات الدينية والأموال الكافية لتشييد المساجد والمدارس الاسلامية. ويقول ارنولد: "يدين القرغيز بدخولهم الاسلام الى هذه الحقيقة، وهي ان الروس الذين عدّوهم مسلمين، اصروا على معاملتهم كما لو كانوا كذلك، وقد منحوا الأموال الضخمة لبناء المساجد، وأرسل عدد كبير من العلماء لانشاء المدارس وتعليم الأطفال مبادئ الاسلام…". ولقومية القرغيز في الصين ولاية لها حكم ذاتي تابع لمقاطعة "السينكيانغ" الورغورية، وعاصمتها "أتوشي". واحتفظ القرغيز بلغتهم الخاصة، وهي كذلك من أرومة اللغة التركية، وهم يستخدمون الحروف العربية في الكتابة. تأتي بعد قومية القرغيز قومية السالار، وهم قوم يتحدرون من قبائل الغز التركية. وتذكر المصادر القديمة ان الديغور كانوا قد قضوا على دولتهم في منغوليا الداخلية. وتجب الاشارة هنا الى اختلاف المصادر التركية والفارسية والعربية في كتابة اسم السالار. فهم سالور او صالور او سلفر كما اوردها الكشفري في ديوان لغات الترك، مما يثير سؤالا ً حقيقاً: هل هؤلاء هم نفس سالار الصين؟ تميل المصادر الحديثة لتأكيد هذه الفرضية، وتذهب الى ان قبائل السالار كانت اضطرت لمغادرة ارضها الأم في مناطق تركمانستان الحالية، بسبب سياسة الدولة السلجوقية ضدهم، خلال السنوات الممتدة ما بين 1380 و1424، عبر طريق سمرقند وطرفان وصوتشو حتى وصلوا الى مناطق التركستان الشرقية، وهم من يشكل شعب السالار في قانصو اليوم. ويتمركز أغلب أبناء هذه القومية في محافظة "تشيهو" ذات الحكم الذاتي لقومية السالار في شنغهاي، وتنتشر البقية في محافظة هو الونغ المجاورة، وفي منطقة داخو جيا في ولاية ينشا ذات الحكم الذاتي لقومية الخوي في قانصو. اما لغتهم فهي من أرومة اللغة التركية، ويستخدمون كذلك الحروف العربية في الكتابة. الأوزبك: اتخذت قبائل الاوزبك اسم زعيمها أوزبك خان، الذي كان على رأس القبيلة الذهبية المغولية من سنة 1313 الى سنة 1340، والذي اشتهر بحماسة للدين الاسلامي، الى درجة القول انه كان وضع خطة لنشر الاسلام في كافة أرجاء بلاد الروسيا. ومن المرجح ان تكون القبائل التي تسكن الصين اليوم من الأزوبك قد دخلت الاسلام في عهد اوزبك خان كذلك. ويتعايش الأوزبك بشكل خاص مع بقية الشعوب التركية في سينيكانغ، ولغتهم من أرومة اللغة التركية، التي تستخدم الحروف العربية في الكتابة. الطاجيك: وهم قوم سكنوا منذ القدم قمم هضبة "الباميير" التي تمثل محافظة تاشكور قاند اليوم. وهم من أصول فارسية، ويتحدثون الى اليوم اللغة الفارسية، التي تتخذ الحروف العربية في الكتابة. وينتمي طاجيك الصين في حقيقة الامر الى الشعب نفسه الذي تضمه جمهورية طاجيكستان الحالية على الحدود الافغانية - الصينية. وفي الوقت الذي ينتمي طاجيك الصين الى المذهب الاسماعيلي، كما هو الحال مع بعض افراد الشعب الطاجيكي في طاجيكستان نفسها، إلا ان بقية هذا الشعب تنتمي الى المذهب السني الحنفي يقدر عدد السنة الاحناف في طاجيكستان حوالى ثلاثة ملايين نسمة مقابل ألف وخمسمئة نسمة تقريباً من الاسماعيلية. كما ينتشر بعض ابناء قومية الطاجيك في محافظات صينية اخرى مثل محافظة شاتشه وجو ولبشان، ويستقر بعضهم في منطقة تركستان الشرقية في تعايش ناجح مع الشعوب التركية هناك، على رغم استمرار استخدامهم لغتهم الام: الفارسية، وينتمي الطاجيك المقيمون في تركستان الى المذهب الحنفي. قومية "البوان": وهم يمثلون الفرع الثاني من الهجرة المغولية نحو الصين، وجاءت تسميتهم نسبة الى مدينة باوان في محافظة تو نغرن في مقاطعة شنغهاي حيث كانوا يقطنون. وقد اضطروا للهجرة منها نتيجة لاضطهاد حكام المنطقة الذين كانوا على الدين البوذي، ليستقروا بدينهم في ولاية خنشو لينشا اليوم، حيث لا زالوا يقطنون في حدود محافظة جيش ذات الحكم الذاتي لقوميات بوان ودونغشيانغ وسالار، وصاروا يعرفون هناك بأهل باوانه. وقد اعطت الحكومة الصينية هذا الاسم رسمياً لهذا الشعب اثناء التنظيم السياسي الاخير للصين. اما لغتهم فانها تنتمي الى ارومة اللغة المنغولية. تأتي اخيراً قومية التتار كعاشر قومية مسلمة في الصين. وتستخدم كلمة تتار هنا بالمعنى الخاص، للدلالة على شعب محدد، يسكن حول نهر البلنبا في بلاد قزان، وحتى استراخان، وبعض منه في شبه جزيرة القرم وجزء من سيبيريا ممن يتكلمون اللغة التركية. وتتار الصين بهذا المعنى ينتمون الى هذا الشعب نفسه، ويتكلمون نفس اللغة التركية القديمة، وهم يستخدمون الحروف العربية في الكتابة. ويتعايش التتار في الصين مع بقية الشعوب التركية في مناطق تركستان الشرقية. الاسلام في الصين واشكالية القوميات من خلال هذه التقسيمات القومية كما اشرنا، كانت الدولة الصينية، تحاول الوصول الى افضل الطرق لفرض قبضتها على مختلف الشعوب. والاعراق التي اطبقت هيمنتها السياسية والعسكرية عليهم. ولكن الاشكال الذي تواجهه دراسة الاسلام في الصين - في ما بينها هنا - بالقياس الى مثل هذا الخيار السياسي، هو ما اذا كان ممكناً الحديث عن مسلمي الصين هؤلاء وفق منطق واحد، بمعنى هل تصلح أدوات التحليل التي نستعملها في دراستنا عن الويغور مثلاً، لأن تطبق على الدونغشيانغ أو على الخوي او على الطاجيك؟ خصوصاً ان لكل من هذه الاعراق لغة مختلفة، وتاريخاً مختلفاً، وحاضراً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً مختلفاً؟ ما يمكن التأكيد عليه من خلال هذا العرض السريع للموضوع، هو ان انتماء كافة المسلمين القاطنين اراضي الدولة الصينية للدين الاسلامي هو واحد بعينه. ولا يكاد يفصل أو يفرق بين ممارساتهم وأعيادهم، وأفراحهم في هذا الاتجاه أي فاصل. بل تكاد الهوية "الاسلامية" ان تتحول الى "الهوية القومية" لكل هؤلاء. ومع ذلك يظل الجانب الثقافي والتاريخ السياسي والحضاري، والحاجز اللغوي يفصل بين هؤلاء، ويميز بينهم. ومن هنا يأتي الاشكال البحثي الذي كثيراً ما جرّ الدراسات المتعجلة التي حاولت التعرض لموضوع الاسلام في الصين، الى مأزق منهجي صعب. ففي حقيقة الامر يكاد يستحيل مثلاً تعميم اي من الملاحظات الميدانية: السوسيولوجية منها أو الانثروبولوجية او حتى السياسية، التي قد يتم جمعها عن المسلمين الويغور على غيرهم من مسلمي الصين. فلا يمكن القول - على سبيل المثال - ان فكرة الجامعة التركية هي ما يزهر قلب سكان الباير من الطاجيك الفرس، او ان اشعار الكشغري هي نزهة المشتاق للأدب او الشعر عند البوان من المغول، او أن الخوي كالويغور يسعون للانفصال عن الدولة الصينية! وعلى رغم ما قد يجمع ما بين القازاق والاوزبك والقرغيز والتتار مع الويغور من تاريخ ثقافي، ولغة مشتركة، الا ان عامل الانتماء للأرض وهو المؤشر الذي أثار دهشة مختلف الدراسات - يجعل من الويغور وحدهم اصحاب شرعية في مناطق التركستان؟ بينما وفد الآخرون اليها من الخارج. هكذا يرفض الويغور اي منطق يحاول ان يجعل من كل هؤلاء الشعوب التركية على مستوى واحد، أو ان يعطى لهم نفس الحق في تلك الواحات الويغورية الوارفة. وهم عادة ما ينتفضون بشدة ضد كل المحاولات المنهجية، أو العملية في هذا الاتجاه. وعلى رغم كل ترحيبهم بأخوانهم في الدين للاقامة بينهم، الا ان ذلك لا يعطى لهؤلاء اي حقد نهائي في ارضهم. ويمكن ان نلاحظ في هذا الخصوص ان العديد من المصادمات المسلحة كانت تقع بين الويغور واخوانهم في الدين من الخوي وهم الصينيون المسلمون ممن تم تهجيرهم نحو مناطق الويغور بقرار سياسي، في اطار السياسة التدريجية للحكومة المركزية لدمج التركستان نهائياً بالدولة الصينية، وذلك لاعتبار الويغور هؤلاء صينيين بالاساس لا يختلفون عن غيرهم من الصينيين الخان الذين جاؤوا لاحتلال أراضيهم. على هذا الاساس، لا بد لمقولة "مسلمي الصين" ان تحمل بالضرورة كل هذا التنوع والاختلاف، لأنها تفقد، بالتالي، معناها اذا ما تم جرّها للحديث عن عرق واحد من هذه الاعراق بمعزل عن البقية. من ناحية اخرى، فان مقولة "الصينيين المسلمين" غير صالحة للاشارة الا لافراد قومية "الخوي" من الصينيين، اذ ان الانتماء العقائدي والنفسي والثقافي للدين الاسلامي، يجعل من مشاعر كل هؤلاء تتبلور بعمق في ما يمكن تسميته ب "الهوية الاسلامية" وهي ما يحاول الخوي ان يؤكدوا عليه من خلال اصرارهم على الاختلاف عن "الخان" وفق هذا المعنى. وقد استطاعوا ان يطوروا لغة صينية خاصة بهم، يزركشها الشباب خاصة بالمفردات العربية والتعابير الاسلامية، فالحديث عن شهر رمضان الذي لا يعرفه "الخان" او السؤال عن "الجماعة" ويقصد بها جماعة المسجد... وغير ذلك. هذه اللغة يُشار اليها في اللغة الصينية ب "خوي خوى خوا" وهو تعبير تصعب ترجمته، ويعني لغة الخوى أي المسلمين الخاصة. وهذا التعبير يتخذه هؤلاء لاعلان هويتهم الاسلامية المتميزة. مع ذلك يصعب النظر الى هذه "الهوية" - ان صح التعبير - خارج الهوية الوطنية الصينية، لأن هؤلاء المسلمين من الخوي انفسهم كانوا قدموا حتى اليوم ومن دون حدود، ملايين الشهداء في سبيل ارض الوطن "الصين" امام مختلف اشكال العدوان التي تعرضت لها الصين عبر تاريخها. ولهذا كانت لهم مكانتهم الخاصة في قلب هذا الكيان الوطني الصيني الذي لا ينظر اليهم الا باعتبارهم ابناءه من المسلمين. هذه الحقيقة يقابلها نضال الويغور وجهادهم في سبيل الاستقلال بوطنهم الام "ويغورستان" عن الاراضي الصينية، والانفصال عن هذا الكيان السياسي الذي لا يحملون له اي ولاء.