ليها الثقافة الغربية منذ نهضة اوروبا الحديثة، ويربط المفكرون الغربيون بين تلك الركيزة وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحيطة بالمجتمع، ويعتقدون ان تغير الحقائق الحياتية يقتضي نسبية الحقيقة، ولكن تكوّن تلك الركيزة في الثقافة الغربية يعود الى فترة ابعد من العصور الحديثة ويرتبط بالعصور الوسطى. ويذكر ان الكنيسة كانت تنطلق آنذاك في حكمها لاوروبا من النص المقدس، الذي كانت تحتكر تفسيره، وعندما قامت حقائق علمية وكونية متعددة تناقض النص الثابت، تناقض تفسير رجال الكنيسة له فوقع التصادم المريع بين الدين والعلم، وكانت النتيجة اضطهاد رجال العلم بذريعة مخالفة النص المقدس الثابت. لكن الكنيسة انهزمت امام الثورة عليها وامام حقائق العلم، واعتبرت الثورة رجال الدين عقبة في طريق العلم والتقدم، وصار الربط حينئذ بين النص المقدس وثبات الحقيقة، والعلم ونسبية الحقيقة. ومنذ ان بدا التفاعل بين الثقافتين: الغربية والاسلامية خلال الفترة الماضية، فإن أبرز صور التصادم كانت بين نسبية الحقيقة في الثقافة الغربية وبين النص القطعي في الثقافة الاسلامية. وكان من أول صور التصادم ما آثاره طه حسين "في الشعر الجاهلي" عام 1962م حين تعرض لنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة. ومن صور التصادم ايضا حديث الدكتور حسين احمد امين في كتابه "حول الدعوة الى تطبيق الشريعة الاسلامية" عن حد السرقة، فقد ربط الدكتور بين ذلك الحد وبين الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية آنذاك، وبين ان العربي كان ينقل كل متاعه على راحلته، والآن اصبحت الاموال غير المنقولة اثمن واغلى من الاموال المنقولة لذلك فهو يرى تغير الحكم انطلاقا من تغير الوضع الاقتصادي. وتحدث الدكتور نصر حامد ابو زيد في كتابه "نقد الخطاب الديني" عن النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة في عدة مجالات، واعتبر ان الالفاظ مرتبطة بواقع ثقافي معين ويجب ان نفهمها في ضوء واقعها الثقافي، وان وجودها الذهني السابق لا يعني وجودها العيني، واصبحت الآن ذات دلالة تاريخية. ويعتمد الدكتور نصر حامد ابو زيد في كل احكامه السابقة على نظرية عالم اللغة دي سوسير في التفرقة بين اللغة والكلام. واعتبر الدكتور محمد شحرور في كتابه "الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة" ان كل النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة في مجال الحياة الاجتماعية في مجال الحدود خاضعة لاجتهاد رسم له حدين: أدنى وأعلى. لا شك في ان نسبية الحقيقة هي الناظم الذي يشمل كل تلك الطروحات عند طه حسين وحسين احمد امين، ونصر حامد ابو زيد، ومحمد شحرور. وغير مفيد تكرار الحديث عن الخصوصية التاريخية التي جعلت ثقافة الغرب تقوم على نسبية الحقيقة، أو تفصيل مناقشة رأي كل كاتب في مسألة النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة التي تعرض لها. لكن السؤال: هل يجوز لطه حسين ان يرد نصوصاً قطعية الثبوت قطعية الدلالة بسبب وجود اساطير مشابهة. ولماذا يربط حسين أحمد أمين بين حد السرقة والاموال المنقولة ولا يربط ذلك بفعل السرقة الشنيع وما يشتمل عليه من ترويع وتخويف واعتداء على المسروق؟ لماذا يعتبر نصر حامد ابو زيد الكلمات ألفاظاً ذات دلالات تاريخية؟ فهل نفى العلم بشكل قطعي وجود حقائق عينية لتلك الالفاظ حتى نعفي عليها ونعتبرها ألفاظاً لا حقائق لها وذات دلالات تاريخية؟ لماذا يخضع محمد شحرور كل الالفاظ القرآنية للتحليل اللغوي المعجمي مع ان الاسلام أخرج كثيراً من الالفاظ من معناها اللغوي وجعلها مصطلحات اعطاها معاني اخرى، وعليه ان يحترم هذه المصطلحات عند أي بحث علمي؟ والآن اعود الى نسبية الحقيقة التي تتصادم مع النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة الذي يؤدي الى ثبات الحقيقة متجاوزاً الظروف التاريخية التي جعلت نسبية الحقيقة جزءاً اساسياً من ثقافة الغرب وهي تختلف عن ظروفنا التاريخية لأتساءل: هل حقاَ ليس هناك ثبات في الحقيقة؟ ومن اين جاء النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة في ثقافتنا الاسلامية؟ وما سنده الواقعي في صيرورة الكون؟. جاء النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة الذي يشير الى ثبات بعض الحقائق من الفطرة الثابته التي لا تتغير، قال تعالى: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله الروم، 30، فطالما ان هناك فطرة ثابتة لا تتغير فهناك حقائق ثابتة لا تتغير، وهذا ما قادت الظروف التاريخية اوروبا لانكاره، وليس بالضرورة ان يكون الصواب مع اوروبا. * كاتب فلسطيني.