ربما يفكر الشاعر أو الكاتب العربي أمام انقضاء كل عام في سيل السنوات الجارف، أن ليس ثمة من حدث ثقافي كبير في هذه الحياة العربية الراكدة والمتشابهة، إلا معجزة كونه ما زال حياً. ما زال حياً وسط هذا الدمار العظيم كما ورد في إنجيل لوقا. صراعه مع شرط وجوده القاسي هو الحدث الأهم ومنه تتفرع أحداث أخرى لتدعم هذا الحدث أو لتسرع في اندفاعه نحو الجحيم. من تلك الأحداث قراءات كتب لأحياء وموتى، قراءات في التراث، منها ما يتعلق بهذا الأخير كتاب للعماني ]أبو محمد الأزدي[ الموسوم بكتاب الماء، وهو معجم طبي لغوي مذهل وفيه تناول عميق للحيوانات والنباتات والأدوية والعلاجات... الخ، والأكثر إثارة ان هذا المؤلف في أواسط القرن الرابع للهجرة رحل من صحار بعُمان الى البصرة وبغداد ثم تتملذ على يد البيروني في فارس ثم انتقل الى التلمذة على يد ابن سينا وسافر الى الشام وبيت المقدس ومن ثم الى بلنسيّه التي عاش فيها حتى وفاته عام 456 هجرية. وصفه معاصروه بأنه كان عبقرياً في الطب والكيمياء، لكنه أكثر عبقرية في هذا التيه بتلك المفازات العاتية. قرأت الرواية الأخيرة للراحل غالب هلسا بعنوان الروائيون وفيها يصل هذا الروائي المأساوي حياة وكتابة الى محطته الأخيرة مكثفاً ومقطراً تجربته وثيماته الأثيرة فكأنه هو مدفوع بإحساس النهاية التي كانت له بالمرصاد قبل طباعة الرواية. قراءات متفرقة لأكثر من اسم ومجموعة، أتذكر منها مرتقى الأنفاس لأمجد ناصر وتلك القدرة لقصيدة النثر على صياغة أجواء شبه ملحمية تفارق المعنى القديم لهذا النوع من الشعر، وافتحي الأيام لأختفي فيها لعقل العويط: اندفاع وشكوى ونشيد متهدج لامرأة بعيدة، خشبة الخلاص المستحيلة ربما، واللغة كأنما تتناسل في هاوية الكلمات والألم. سعادة متأخرة لفتحي عبدالله" ذلك العنف المضمر والصارخ أحياناً لإيقاع الحياة اليومية بلغة مقتصدة دالة وبعيدة عن المجانيّة. * شاعر وكاتب عُماني.