"مهما فعلوا لن ينزعوا الكره الذي نحمله ضدهم". جاءت هذه العبارة على لسان احد المثقفين السوريين الذين تظاهروا امام مقر السفارة الاميركية في دمشق، في خضم التظاهرة التي جرت ضد الضربات الاميركية - البريطانية للعراق. وبعد فشله وآخرين في الاجتماع بالسفير الاميركي رايان كروكر لتسليمه "مذكرة ضد العدوان"، قال المثقف نفسه: "انهم وحوش لايفهمون الحضارة. يدّعون التحضر وهم اكثر الناس همجية". هذا المثقف هو واحد من حوالى مئة نظم لهم "المركز الثقافي الأميركي" برامج لزيارة الولاياتالمتحدة في اطار برامج التبادل الثقافي. وكان واضحاً تركيز القائمين على المركز على اختيار الشيوعيين السابقين من المثقفين على أمل رؤية "الدولة الامبريالية من داخل". ولكن يبدو ان "التربية العقائدية" كانت امتن واطول من زيارة مدتها بضعة اسابيع، وان "العقائدية" تخرج الى النور فور توافر هامشها. تسلط كلمات هذا المثقف والآخرين الذين كانوا يهزون برؤوسهم تأييداً، الضوء على جانب مهم في اطار ما حصل الاسبوع الماضي. كانت مفاجأة عنيفة أو الاكثر عنفاً منذ عقود، إذ أن "العنف المادي" لتظاهرة 1982 بعد الاجتياح الاسرائىلي للبنان تمثل فقط في تمزيق العلم الاميركي، وبعد نكسة 1967 في اقتحام المركز الثقافي الأميركي. لكن المتظاهرين فعلوا هذه المرة الأمرين معاً وأضافوا اليهما اقتحام منزل السفير الاميركي. مفردات العنف هي: اقتحام، تحطيم، تكسير، مصادرة، تمزيق وخلع في منزل السفير وصولاً الى امام كريستين زوجته. كما ان "العنف الكلامي" الذي اتخذ سبلاً مختلفة عن عامي 1967 و1982، كان ذا مغزى... حتى داخل المجتمع السوري ذاته. كان طبيعياً ان يخرج الناس بعد النكسة، فأميركا كانت حليفة لاسرائىل في احتلالها لأراضٍ سورية ومصرية وفلسطينية، وبعد الاجتياح لجنوب لبنان، لأن المخزون اللغوي - الرفضي كان كافياً بين الايديولوجيا اليسارية - القومية ومناقضها "الدولة الامبريالية" و"الرأسمالية" التي كانت تمد "العصابات الصهيونية" و"الكيان الغاصب". لكن خروج الناس أخيراً الى الشارع يطرح اسئلة عن نجاح الاميركيين في "العلاقات العامة" او "الديبلوماسية العامة" مع السوريين. مؤشر الغضب العربي العام وتحديداً السوري - القومي هو اسرائيل، ولكن هذه المرة "خرج" طلاب المدارس والجامعات ضد "العدوان الوحشي" و"الغاشم" و"الغادر" على "العراق الشقيق وشعبه"، وذكّروا الاميركيين بپ"ازدواجية" المعايير وسكوتهم عن "احتلال فلسطين" كلها! كان الأميركيون وآخرون يعتقدون ان ضياع الايديولوجيا الشيوعية في الشارع السوري، كفيل باتاحة المجال لپ"ودّ اميركي" او على الاقل لپ"حياد" بدلاً من "الحقد". لذلك نشطوا في اللقاءات والحوارات والبعثات والبرامج الثقافية المتبادلة، على اساس الجهود الاميركية في مجال عملية السلام. كما نشطوا باتجاه آخر هو الذراع اللغوية للمركز عبر التركيز على تعليم "العقلية" اكثر من اللغة، فاذا ببعض الطلاب في "طليعة" المتظاهرين صوتياً ولوجستياً: طلاب جامعات يرتدون "جينز" اميركياً ويأكلون من "كنتكي" ويشربون "كولا" ويتكلمون اللهجة الاميركية، بل ان بعضهم يحمل الپ"غرين كارد"، يُعتقد للوهلة الأولى انهم ابعد ما يكونون عن السياسة واذا ما اقتربوا منها سيكونون الاقرب في ذلك الى العقلية الاميركية. ... في الأراضي الفلسطينية مزق المتظاهرون الغاضبون بعض الاعلام الأميركية الخمسين الفاً التي رفعت احتفاء بالرئيس الاميركي الزائر بيل كلينتون. في دمشق كان المثقفون الذين سافروا الى واشنطن على حساب حكومتها في مقدم المتظاهرين