لا أجد كلمة غير "القرف" في شرح أسباب تقديم موعد الانتخابات الاسرائيلية، فالاسرائيليون كافة "قرفوا" من بنيامين نتانياهو. عندما كان العالم كله، خصوصاً عالمنا العربي، مشغولاً بالضربة الاميركية - البرىطانية للعراق الأسبوع الماضي، جلست الخميس لأكتب عن وصول نتانياهو الى نهاية الطريق، بعد ان "قرف" منه أنصاره قبل خصومه. ونشر التعليق السبت، والضربة العسكرية على أشدها، وقدرت فيه ان يسعى نتانياهو الى تحديد موعد للانتخابات بعد احتفال اسرائيل بعيد تأسيسها الحادي والخمسين، وقبل إعلان الفلسطينيين دولتهم المستقلة في الرابع من أيار مايو القادم. وهذا ما حدث من دون ان تكون عندي وسائل استراق سمع في رئاسة الوزراء الاسرائيلية أو الكنيست، وانما كنت أتابع الجرائد الاسرائيلية، وأهم منها مراكز أبحاث يهودية اميركية تؤيد اسرائيل. في النهاية، لم أجد غير القرف كلمة لتفسير ما يحدث في اسرائيل، مع ان الكلمة غير علمية أو موضوعية، فقد كان هذا خلاصة موقف البروفسور يعقوب نيمان وهو يستقيل من وزارة المالية. وحتى لا يعتقد القارئ ان هذا رأيي الشخصي، فقد قرأت للصحافي الاسرائيلي سيفر بلوتزكر في جريدة "يديعوت اخرونوت" الاسبوع الماضي ان نيمان استقال لأنه قرف من رئيس الوزراء، وليس لأي خلاف مالي. وكان دان مريدور استقال أيضاً من منصب وزير المال في ايار من السنة الماضية. وما يجمع بين الوزيرين المستقيلين انهما كانا في مقدم حلفاء نتانياهو الشخصيين والسياسيين، إلا انه طعنهما في الصدر والظهر، فاستقالا. مع ذلك، وحتى لا يعتقد القارئ ان القرف تفسيراً هو رأيي أو رأي صحافي اسرائيلي واحد، فإنني أزيد رأي صحافي اسرائيلي آخر هو ايتان هابر، فقد كتب يقول: "حاولت جهدي إلا أنني لم استطع ان أكبح دموع الارتياح أو الفرح من ان تنسال على خدي بسبب المأزق المرير الذي يتخبط فيه نتانياهو. هو يأكل طبخة طبخها بنفسه. رئيس الوزراء هذا قاد اسرائيل الى سقوط قياسي في كل مجال، في الاقتصاد وفي السلام وفي الأمن. لقد نبذ كل القيم، ودمّر كل الأعراف الحكومية. وحالة الفوضى التي تسود البلاد جعلتنا خطوة أقرب من ان نصبح جمهورية موز...". ما سبق هو الفقرة الأولى من مقال طويل، تكرر معناه في مقالات كثيرة اخرى. واذا كان الاسرائيليون لم يطيقوا نتانياهو، فكيف يتحمله أبو عمار، أو كيف يمكن ان نتصور ان الرئيس الأسد يستطيع التعامل معه. وأتوقف هنا لأثبت نقطة مهمة، فنتانياهو ذكي بقدر ما هو منحط من دون أخلاق، لذلك فهو انقذ نفسه بسقوطه لأنه ضمن البقاء ثلاثة أشهر أو أربعة في الحكم على رأس حكومة انتقالية، ما يعني ان يحكم من دون ان يساءل، أي انه يستطيع ان يوقع مزيداً من الأضرار بعملية السلام، وربما استطاع تدميرها نهائياً قبل رحيله. بل أزيد انه قد لا يرحل، فهو ميت سياسياً الآن، غير انه نهض من رقدة الموت السياسي في السابق، وقد ينهض مرة أخرى، لذلك فالسياسي العربي الحصيف يجب ان يجعل ضمن حساباته إمكان عودة نتانياهو، بأحقاد مضاعفة ونجاسة وتطرف. ما يمكن قوله بثقة اليوم هو ان نتيجة الانتخابات الاسرائيلية سيقررها نوع التحالفات التي ستخوضها. وهنا نشعر بارتياح مع الصحافي الاسرائيلي الذي بكى فرحاً لسقوط نتانياهو، فرئيس الوزراء دمر ائتلاف ليكود في ما دمر، ولا سر كبيراً في أن وزير الدفاع اسحق موردخاي ووزيرة المواصلات ليمور ليفنات، ورئيس بلدية القدس ايهود أولمرت ينافسون نتانياهو على زعامة ليكود. اما النائب بني بيغن فأعلن انه سينشق ليؤسس حزباً على يمين ليكود. وقال دان مريدور، وزير المال الأسبق، انه سينشق كذلك ليؤسس حزباً في الوسط، وأعلن عوزي لانداو، وهو من أبرز شخصيات ليكود، قراراً مماثلاً. مثل هذا الوضع يفيد حزب العمل، لولا ان هذا الحزب غير متجانس، بل ربما أمكن القول انه منقسم على نفسه، فرئيسه ايهود باراك لم يلمع في السياسة كما لمع رئيساً للأركان. وهناك الآن منافس قوي له في الوسط هو امنون شاهاك، رئيس الأركان الحالي، الذي أعلن انه سيستقيل ليشكل حزباً وسطياً، بعد ان رفض حتى الآن التفاهم مع العمل. ورد نتانياهو على كل هذا بعرض وزارة الدفاع في حكومة جديدة له على ماتان فيلناي، نائب رئيس الأركان السابق، إلا ان موقفه هذا من نوع دعوته في اللحظة الأخيرة في الكنيست، وحكومته تخسر تصويتاً على الثقة بها، الى تشكيل حكومة ائتلاف وطني. ونكتب في بدء الحملة الانتخابية الاسرائيلية، ونتوقع ان تختلف التحالفات في نهايتها عن البداية. ولكن مع وجود نتانياهو على رأس حكومة انتقالية، فإن الخطر على العملية السلمية قائم، وربما كان أهونه تأجيل تنفيذ بقية اتفاق واي، فنتانياهو جريح، والحيوان أخطر ما يكون عندما يُجرح