مع اقتراب الذكرى الخمسين لانبثاق الاعلان العالمي لحقوق الانسان انعقدت في 9 و10 الشهر الماضي ندوة خاصة ضمن البحث عن الوحدة من خلال الثقافات المتعددة في ضمن مسؤوليات الأممالمتحدة، وبرعاية رئيسة الممثلية السامية لحقوق الانسان رئيسة جمهورية ايرلندا سابقا ماري ربنسون وبحضور 20 خبيراً يمثلون 20 بلداً آسيوياً وافريقياً اعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي وأكثر من 130 مندوباً من مختلف الدول والمنظمات غير الحكومية. افتتحت الحلقة الدراسية عن "وجهة نظر الاسلام بشأن الاعلان العالمي لحقوق الانسان" وعرضت للمناقشة وقسم جدول اعمالها الى عنوانين رئيسيين: الأول الاسلام ومبدأ عدم التمييز، والاعلان العالمي لحقوق الانسان. ويتفرع منه موضوعان الأول الاسلام وحقوق غير المسلمين، والثاني الاسلام والمرأة. والثاني الاسلام والحقوق المدنية والسياسية، والاعلان العالمي لحقوق الانسان. ويتفرع منه حرية الفكر وحرية التعبير وحرية التنقل. بعد استلام السيدة ماري ربنسون مهمات عملها الجديد في رئاسة الممثلية السامية لحقوق الانسان، طرحت فكرة اجراء حوار مع عدد من الثقافات والحضارات السائدة في العالم وبحث موقفها من بنود الاعلان العالمي لحقوق الانسان في اعتباره الأساس في كل الصكوك التشريعات الدولية الصادرة عن الأممالمتحدة. ويبلغ عددها اكثر من 75 وثيقة دولية تعالج مختلف قضايا الانسان المعاصر. وعمدت الى الاتصال بمنظمة المؤتمر الاسلامي لبحث امكانية عقد ندوة حوار بين خبراء متخصصين من الدول الاسلامية لدراسة او توضيح الرؤية الواقعية عن مدى التطابق والاختلاف بين المفهوم الاسلامي لحقوق الانسان ونصوص الاعلان العالمي في محاولة لمنع التحجج والتحصن بالخصوصية الثقافية. ويستغل العديد من الدول ذات الانظمة الشمولية الخصوصية الثقافية ذريعة للتهرب او وسيلة للتحفظ والتخفي من الالتزامات الخاصة بكفالة حقوق الانسان واحكام المواثيق والمعاهدات الدولية الاخرى. ومنذ سنين والنقاشات جارية في اروقة القصر الدولي في جنيف للبحث عن مخرج لهذه المعضلة. ومع كل دورة انعقاد سنوية للجنة حقوق الانسان تبرز هذه المعضلة وتدور النقاشات ويشتد الصراع بين طرفين احدهما يناصر عالمية حقوق الانسان ويطرح الادلة ويدعمها بالنظريات والوقائع العملية. وآخر يقول بوجود خصوصية ثقافية تتعارض مع بعض بنود الاعلان العالمي على رغم وجود مقرر دولي معين بموجب قرار صادر عن اللجنة يراقب الخروقات ويقدم تقريرين في السنة عن وضع حقوق الانسان يوجد اربعة مقررين دوليين يراقبون حالة حقوق الانسان في اربع دول اسلامية. وتنافست ثلاث دول اسلامية على لعب دور مؤثر في توجيه الجلسة وتوصلت الى نوع من التنسيق والتوافق مع الممثلية السامية في توجيه الدعوة لعشرين خبيراً ترشحهم الدول لا غير، ولا يسمح بأي دور لاشراك المنظمات غير الحكومية في اعمال الحلقة الدراسية. وسمح للمنظمات غير الحكومية حضور جلسات الحلقة الدراسية بصفة مراقب. وأعطي لها المجال المحدد للالتقاء والتباحث مع الخبراء في فترات الاستراحة. واتفق الخبراء من خلال تقديمهم اطروحاتهم على التطابق بين مفاهيم الاسلام في مجال حقوق الانسان ومعظم بنود الاعلان العالمي كحق الحياة وكرامة الانسان وحق الملكية وحق التعليم والمساواة والعدل وحق العمل وعدم التمييز وحق تكوين الأسرة ورفض الاكراه على الاعتقاد وحرية التعبير وحرية التنقل وحرية الاختيار ومنع التعذيب والممارسات اللاانسانية... واختلفوا في تفسير بندين او ثلاثة. وجرى تأصيل اسلامي لمبادئ حقوق الانسان بشيء من التفصيل الدقيق والعرض الموسع. وتطرق الخبراء الى مرجعية حقوق الانسان في الاسلام النابعة من موقعه باعتباره مخلوقاً مكرماً وعلاقته بالحياة والكون والخالق. واختلفوا مع مرجعية الاعلان العالمي المستندة على نظرية الحق الطبيعي التي وضعها علماء القرن التاسع عشر بعد تهميش الدين عن الحياة العامة. وعرض في الاجتماع "اعلان القاهرة" عن حقوق الانسان في الاسلام الصادر عن منظمة المؤتمر الاسلامي باعتباره وثيقة رسمية صادق عليها مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية، وتمت الاشارة الى وثيقة اخرى صادرة عن المجلس الاسلامي الأوروبي عام 1981 منظمة غير حكومية بعد اجتماع موسع عقد في باريس حضره اكثر من 40 شخصية اسلامية يمثلون عدداً كبيراً من المنظمات والاحزاب والتوجهات الفكرية في العالم الاسلامي. ان ترسيخ ثقافة حقوق الانسان في واقعنا المعاش في دائرة التوافق مع الاعلان العالمي وبقية الوثائق الاخرى يشكل مطلباً ينطلق من الخصوصية الثقافية لمجتمعاتنا الاسلامية، فيكون احترام حقوق الانسان والدفاع عنها عبادة من العبادات بدل ان تعامل على انها من المستوردات الثقافية. * كاتب عراقي.