على رغم خفض أسعار الفائدة الاميركية، سيبقى البطء الاقتصادي ماثلاً في الولاياتالمتحدة ومن المحتمل ان يُقدم مجلس الاحتياط الفيديرالي على اجراء خفض اضافي في أسعار الفائدة الاميركية خلال العام الجديد المقبل. وتعاود أسواق الأسهم في العالم الصعود الى قمم جديدة ما يجعل من الصعب على المراقب ان يتذكر ان ما كانت تتداوله أوساط المستثمرين، حتى منذ بضعة اسابيع فقط، كان حديث التشاؤم والركود الاقتصادي. ومما لا شك فيه ان إقدام مجلس الاحتياط الفيديرالي الاميركي على خفض اسعار الفائدة ثلاث مرات أخيراً أضعف احتمال حلول ركود اقتصادي في الولاياتالمتحدة خلال العام المقبل، لكن يبدو مع ذلك ان التفاؤل العارم الجديد الذي تشعر به الاسواق مبالغ فيه، وربما صدرت عن الاقتصاد الاميركي اشارات متناقضة لكن من البيّن اجمالاً ان نموه يتباطأ. فسوق العمالة تتردى، فيما تدنى نمو التشغيل خلال الأشهر الأربعة الماضية الى أدنى ما بلغه خلال السنوات الثلاث الماضية. أضف الى هذا ان القطاع الصناعي يزداد انقباضاً، اذ تدنى الانتاج الصناعي في تشرين الأول اكتوبر الماضي، فيما تراجعت نسبة الطاقة المستخدمة في الصناعة الى 79.4 في المئة، علماً بأن هذه النسبة تعكس الطاقة التي يستخدمها المنتجون فعلياً مما هو متوافر لديهم. والحقيقة انه يصعب على المراقب تصديق هذه الحقيقة لأن هذه النسبة هي ما يتسم به حال الركود العميق تقريباً بينما تنعم الولاياتالمتحدة بازدهار اقتصادي منذ ثماني سنوات. ومن المؤشرات السلبية ايضاً ان الشركات تقلل من الاقتراض اللازم للتشغيل أو لتمويل العمليات. وعلى رغم ان ما أصدرته من سندات وأدوات الاقتراض الاخرى الأقل أهمية، ازداد في الشهر الجاري، إلا ان هذا الاقتراض لا يزال بأشكاله المختلفة كافة نحو نصف ما اقترضته الشركات خلال الأشهر الستة الأولى من العام. من جهة اخرى تعمد المصارف الاميركية الى التشدد في شروط الاقراض. واذا استمر هذا الوضع فمن شبه المؤكد انه سيبطئ النشاط الاقتصادي. وبسبب هذا كله، أتوقع ان يقدم مجلس الاحتياط الفيديرالي على خفض إضافي لأسعار الفائدة لكي يحمي الاقتصاد الاميركي من الركود الاقتصادي. وبحلول الصيف المقبل، أتوقع ان تكون أسعار الفائدة الاميركية أربعة في المئة بينما هي الآن 4.75 في المئة. لكن أي خفض اضافي في اسعار الفائدة لن يشهد النور قبل عام 1999 المقبل، وذلك بسبب عاملين هما حال سوق الاسهم الاميركية وانفاق المستهلكين. إذ سجلت أسواق الاسهم الاميركية مكاسب مذهلة بعدما تم تخفيض اسعار الفائدة ثلاث مرات. لكن مجلس الاحتياط الفيديرالي لا يرغب في ان تذهب السيولة كلها التي يولدها خفض اسعار الفائدة الى سوق الاسهم. ولهذا كلما تحسنت السوق في المدى القريب، قل احتمال اقدام مجلس الإحتياط الفيديرالي على خفض اضافي في اسعار الفائدة. وما قد يضع حداً للفرحة التي تشعر بها أوساط أسواق الأسهم حالياً هو تنامي الادراك ان ايرادات الشركات ستكون مخيبة للأمل عام 1999 المقبل. واتوقع ان تتراجع ايرادات التشغيل، الخاصة بالشركات المشاركة في مؤشر ستاندرد اندبور للشركات الپ500 خمسة في المئة خلال العام المقبل، وهي نسبة تقل كثيراً عن النسبة التي تجمع عليها أوساط السوق حالياً. ومن العوامل الأخرى التي ستؤخر إقدام مجلس الاحتياط الفيديرالي على خفض اسعار الفائدة ان الطلب المحلي يبقى قوياً وخصوصاً من المستهلكين. لكن هذا الانفاق يبدو وكأنه يقل. وفي خلال السنوات الست الماضية، كان نمو الانفاق أسرع من نمو الدخل، وقد بدأ المستهلكون يدركون ببطء انهم لا يستطيعون انفاق اكثر مما يجنون الى ما لا نهاية. وبناء عليه لن يكون إقدام مجلس الاحتياط الفيديرالي على تيسير السياسة المالية كافياً للحؤول دون تباطؤ حاد في النمو الاقتصادي الاميركي، لكن هذا الإقدام قد يحول دون حلول ركود اقتصادي عميق تقريباً في الاقتصاد الاميركي الذي سيتضح انه نما على الأرجح 3.5 في المئة خلال عام 1958 الجاري. وانا أتوقع ان تصبح هذه النسبة 1.5 في المئة فقط في عام 1999 المقبل. وبالنظر الى هذا كله سيقدم مجلس الاحتياط الفيديرالي على خفض اضافي في اسعار الفائدة. وتبدو صورة اجزاء اخرى من العالم مشابهة للصورة الاميركية، اذ كانت شركة ميريل لينش خفضت اخيراً تكهناتها الخاصة بنمو الناتج المحلي الاجمالي في المنطقة الأوروبية من 2.4 الى 2.1 في المئة عن عام 1999 المقبل، ويوحي انهيار الانتاج الصناعي الالماني في ايلول سبتمبر الماضي، مع ضعف الاحصاءات الخاصة بالانتاج الفرنسي، ومع آخر الاحصاءات الاقتصادية التي نشرها الاتحاد الأوروبي، بأن الدورة الاقتصادية الأوروبية تواصل التباطؤ. ومن جهة اخرى، تبدو آسيا اكثر وعداً في المدى المتوسط. ونحن زدنا أخيراً استثماراتنا في هذه المنطقة من العالم حيث أفسح التزايد المتدرج في فائض الحساب الجاري مع ضعف الدولار الاميركي، المجال أمام اسعار الفائدة لكي تتراجع في عدد من الدول الآسيوية. وبالنظر ايضاً الى ان اسعار الاسهم الآسيوية الراهنة اخذت في الاعتبار عدداً كبيراً جداً من العوامل السلبية، تبدو هذه الاسعار واعدة اكثر من أن تكون مخيبة في المدى المتوسط. * كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة ميريل لينش