لو لم يأمر الرئيس الأميركي بيل كلينتون بضرب العراق لكان قيل إنه "مشلول" وان فضيحة "مونيكا - غيت" تكبّله. كان يمكنه أن يبدو كمن "عزل" نفسه وارتضى، في أحسن الأحوال، أن يكون "البطة العرجاء" للبيت الأبيض طوال ما بقي من ولايته. أما وأنه أمر بالضربة، فإنه غامر بتلقي الاتهامات التي يتلقاها وعنوانها الأبرز أنه يهرب إلى الأمام حارماً الجمهوريين، خصومه، من ترف السعي إلى الاجهاز على رئيس يقود حرباً. غير أن الواضح هو ان كلينتون فضّل أن يبقى رئيساً تلاحقه هذه الاتهامات من أن يواجه مصيراً بائساً تحت ضغط اتهامات من نوع آخر. لذا كان قرار الضربة. وبدل أن يكون يوم أمس، الخميس، يوماً تاريخياً يشهد تصويت مجلس النواب على عزل الرئيس، تحول إلى يوم حربي تحتشد في خلاله الصفوف وراء القائد الأعلى للقوات المسلحة. يمكن القول، والحال هذه، إن الوسائل السياسية والديبلوماسية كلها فشلت في إقناع نواب جمهوريين بتغيير رأيهم فكان لا بد من اللجوء إلى القوة ضد... صدام. إن "لعبة البلياردو" هذه تستحق اسمها: "ثعلب الصحراء" ويؤدي كلينتون فيها دور الساعي إلى تأديب الرئيس العراقي على خرقه "القوانين الدولية" مراوغاً معسكر الأعداء في الداخل الأميركي الذي ينوي محاسبته على تجاوزات اخلاقية. لقد أطلقت صحيفة فرنسية على ما يجري اسم "حرب كلينتون". وهي تقصد ان الولاياتالمتحدة ليست معنية بها، ولا الغرب، ولا التحالف الدولي. وذكرت بأنه في مطالع آب اغسطس الماضي أقدمت بغداد على طرد المفتشين الدوليين من غير أن يستدعي ذلك مواجهة عسكرية فلمَ حصل ما حصل بالأمس، ويجعل اليوم، بين حدّي الزيارة الفاشلة للشرق الأوسط وبدء التصويت على العزل؟ لقد قدم رئيس "أونسكوم" ريتشارد بتلر هدية عيد الميلاد إلى كلينتون. إنه "بابا نويل" نموذجي. أهداه تقريراً يتحدث عن "عدم التعاون العراقي" ثم سحب المفتشين من دون تشاور مع أعضاء مجلس الأمن، فجعل الضربة العسكرية، وفي هذا التوقيت بالذات، تحصيل حاصل. ولاحظ مراقبون أن ثلاثة إلى أربعة حوادث وقعت في خلال الأسابيع الأخيرة، وذلك من أصل 130 عملية تفتيش تمت ب "نجاح". أي أن الأمر لا يستدعي تسليط هذا القدر من العنف الآلي، أي الممارس بعيداً عن مداولات تنتهي بقرار من مجلس الأمن. لذا لم يكن غريباً أن يعتبر الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان يوم أمس "يوماً حزيناً" له وللعالم، وهو الذي سبق له أن لاحظ كم أن بتلر "قليل الديبلوماسية" وكم أن أهداف كلينتون بعيدة عن مجرد نزع الأسلحة العراقية. إذا كانت الأسئلة كثيرة عن الأسباب التي أدت إلى اندلاع العمليات، فإن أكثر منها يحيط بما سيؤول إليه الوضع. وهناك من يقول، منذ الآن، ان الخطوة الأميركية - البريطانية ذكية بقدر "ذكاء" الصواريخ المستخدمة فيها، وقد سقط أحدها في إيران. أما نتائجها فغامضة، وإن كان الفلسطينيون يملكون مخزوناً هائلاً من الاعلام الأميركية للحرق: 50 ألف علم رفعوها في استقبال كلينتون.