"مدرسة الملك فهد العليا للترجمة" مؤسسة تابعة لجامعة عبدالمالك السعدي في طنجة - المغرب، فتحت منذ أكثر من عشر سنوات افقاً اضافياً أمام الطلبة المجازين من الجامعات المغربية في الحقوق والآداب والعلوم. وعلى رغم أن عدد الأفواج المتخرجة لا يتجاوز العشرة 225 خريجاً، يشكل الاناث نسبة لا تفوق 25 في المئة، فقد غير الخريجون واقع ممارسة الترجمة في المغرب في الدوائر الرسمية كما في مؤسسات الإعلام الوطنية والدولية وفي بعض الإدارات الأجنبية في ضوء انفتاح الاقتصاد المغربي أمام الاستثمارات الأجنبية وتوطن عدد من الشركات الدولية في مناطقه الاقتصادية المختلفة. والمدرسة التي يعود تاريخ نشأتها بدعم من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز إلى سنة 1986، تعتبر أول "مدرسة عليا للترجمة" في العالم العربي وافريقيا. فهي لا تستقبل غير حاملي الاجازات الجامعية، وبعد الدراسة فيها يحصل الطالب على دبلوم "الترجمة التحريرية". عدد الطلبة الآن في الموسم الجامعي 1998/ 1999 لا يتجاوز 72 وعدد الاناث فيهم يظل محصوراً في نسبة 25 في المئة. وسبب محدودية عدد الاناث طول مدة الدراسة الجامعية في المغرب 4 سنوات، والحاجة إلى سنتين أو ثلاث أخرى قبل الحصول على دبلوم الترجمة من المدرسة. وعلى رغم ذلك، يلاحظ في السنوات الأخيرة تزايد نسبة الطالبات بالمقارنة مع السنوات الأولى هذه السنة يبلغ عددهن 27 طالبة، وهو ما انعكس أيضاً في تفاوت عدد الخريجات بين السنوات 5 طالبات مقابل 13 طالباً سنة 1993، و9 مقابل 12 سنة 1994، و7 طالبات فقط مقابل 31 طالباً سنة 1995. يقوم التكوين في المدرسة على برامج توزعت إلى تشكيلات لغوية ثلاثية من العربية والفرنسية والانكليزية والاسبانية أساساً. يختار الطالب ما يناسبه في بداية مرحلة التكوين الذي يتضمن برامج توزع إلى ثلاث سنوات، في اللغة والترجمة وطرائق تحرير الترجمات، وفي شتى المواضيع العامة التي قد تهم الطالب بعد تخرجه من المدرسة "مترجماً تحريرياً" للقانون والاقتصاد والعلاقات الدولية وقضايا الساعة، بالاضافة إلى الثقافة العامة. وعن برامج التكوين والتأهيل أوضح علي المجدولي، الاستاذ والكاتب العام في المدرسة: "ان التكوين في المدرسة يسعى إلى أن يقود الطلبة إلى أبواب ومجالات مفتوحة: لا تنحصر في الترجمة بحصر المعنى، لأن مفهوم المترجم تغير الآن ولم يعد يعني ناقل العبارة من لغة إلى أخرى، لذلك كان اختيار المقررات والمناهج التطبيقية مراعياً توسيع مدارك الطالب ووسائله في معالجة القضايا التي قد تطرح أمامه، بدءاً من مشاكل اللغة والثقافة العامة إلى قضايا الساعة والحقوق... مما قد يحتاجه في حياته العملية. هذه المواد تمكن الطالب من تشكيل أرضية تسمح له بتطوير مهاراته في الترجمة، وطلب التخصص في نوع منها بعد التخرج بشهادة "الترجمة التحريرية" التي نتمنى أن تكون مؤهلة لأطر عصرية قادرة على التكيف مع المستجدات". وعلى رغم ان المدرسة تعتمد نظام المباراة في اختيار طلابها، فإن الطالب قد يحتاج إلى إعادة تكوين في اللغة التي قد يعاني فيها نقصاً معيناً. والسبب في رأي المجدولي "ان الطلاب على رغم حصولهم على الاجازة من إحدى كليات الآداب أو الحقوق، يعانون من بعض الضعف في مباراة الدخول، أو بوضع برنامج تأهيلي يخضع له الطلاب في بداية تكوينهم بالمدرسة. وبطبيعة الحال عندما تضاف الأخطاء اللغوية في الاعلام والصحافة إلى ضعف لغة الطالب الجامعي عموماً، فإن المهمة تبدو صعبة وغير كافية". وإذا كانت المدرسة استقطبت عدداً من الاساتذة الاجانب للتدريس والمشاركة في نشاطاتها العلمية، فإن عدد الطلاب الاجانب ظل دون المستوى المؤمل في مؤسسة أريد بها الانفتاح على العالم وأهم ألسنته، على رغم المجهود المبذول من أجل زيادة عدد الطلبة الأجانب. ويعزى الأمر إلى تعقيد "المسطرة الإدارية" في ما يتعلق بالطالب في بلده عبر سفارات المغرب أو بالتنسيق بين وزارتي الخارجية والتعليم العالي. توصلنا مرحلياً إلى بعض الاجراءات الخاصة، كتأجيل النظر في ملفات الاجانب حتى بداية السنة الدراسية ليتاح لهم الانتقال إلى المغرب... ونعتبرها اجراءات غير كافية في ضوء الصورة العلمية للمدرسة، والحاجة إلى جو تعدد اللغات والجنسيات اللازم لنقل الترجمة من ترجمة استهلاكية إلى ترجمة حضارية". يرى معظم الطلاب ممن استجابوا دعوة المشاركة في جلسة محاورة مع "الحياة" وعددهم 12 طالباً وطالبة 6/6، ان اختيارهم مدرسة الترجمة، للخروج من الإطار الجامعي العام، ومن التلقين الأدبي غير المحدود، والبحث عن فرصة تخصص علمي، في إطار تنوع المواد التي يتلقونها والتي لا تدع للرتابة والروتين سبيلاً إلى الدرس. فضلاً عن "فرصة المشاركة التي تتيح للطالب اختيار بعض فقرات المقرر من موضوعات قانونية واقتصادية يشتغل في بحثها وممارسة الترجمة على نصوص مهمة". غير ان الطلاب يواجهون هزة التعرف على الصورة المجتمعية للمترجم. يلاحظ بعضهم "وهم لا يزالون في المدرسة، فالمحيط المجتمعي والعملي في المغرب لم يتعرّف بعدُ بكامله على وجود المدرسة والدور الذي تؤديه في توفير المترجمين"، بل ما إذا كان "المغرب في حاجة إليهم بالفعل، أو هل الترجمة في حاجة إلى تداريب مهنية وما جدواها العملية". والمستقبل؟ يرى جل الطلاب ان المتخرج "يواجه صعوبات الدخول إلى مجال العمل، بالخصوص الترجمة الرسمية - الإدارية، بل يكاد البحث عن مثل هذه الفرصة يسمى معركة يخوضها مع هيئة مكونة أساساً من "قدماء المترجمين"... ويضيف أحدهم إلى ذلك ان "عدم وضوح صورة المدرسة في المجتمع والأدوار التي قد يؤديها المترجم في القطاعات الانتاجية بما فيها الحكومية التي تفضل الاستعانة بمترجمين من القطاع الخاص على توظيف مترجم". غير أن الاعتراف ضروري بأن "المستقبل يحمل الأفضل بالنسبة للمتخرج، بسبب انخراط المغرب في سياق العولمة، وانفتاحه الاقتصادي مما يساعد على توفير عدد من الفرص أمام المترجم". وتضيف إحدى الطالبات: "بطبيعة الحال، تختلف الصورة الآن من داخل المدرسة والممارسة عما كانت عليه أول العهد بهما. لقد انتهت طوباوية الحلم بالعمل مع الأممالمتحدة وأصبحت واضحة لنا قسوة سوق العمل، بل ضرورة قبول القيام بترجمة لشخص لا يتردد في إملاء أخطاء لغوية وتراكيب سيئة عليك بدعوى الأخطاء التي ترتكبها". ويشترك كل الطلاب الآن في الاعتقاد بأن صورة المترجم تتغير عندهم "ببداية التدريبات العملية في الترجمة التي تصبح بحراً لا ساحل له، إذ تصعب الإحاطة بقضاياها التطبيقية في مواجهة النصوص وتجدد المصطلحات والصيغ الأجنبية، التي قد تفصح في الممارسة مستوى التمكن وجدود المترجم" سواء في لغة النص أو اللغة المستقبلة. وعندما تكون العربية؟... يرد أحدهم ان "المأزق أكبر، في التداول المهني وفي واقع العلاقة مع اللغات الأجنبية في تجددها، حيث تطرح على العربية تحديات العبارة والصيغ غير المتناظرة وبالأساس إشكال المصطلح ومأزقه". وأوضح مدير المدرسة بوشعيب الادريسي البويحياوي "ان هدف التكوين في المدرسة يتجاوز تخريج أطر للترجمة الادارية الى تأهيل الطلبة لمواجهة مستجدات الحياة المجتمعية والاقتصادية التي ينخرطون فيها. فبعد عشرة أفواج من الخريجين نجحت المدرسة في وضع الترجمة في المغرب في أفق مغاير لما كانت تسير عليه. بل فرضت تقنينا لممارسة مهنة الترجمة في المغرب وردت الاعتبار الى المترجم المحترف، فبفضل عمل الجيل الجديد من الخريجين وتزايد عددهم في الممارسة أصبح حقل الترجمة متطوراً ومقنناً. وهو ما يمكن ملاحظته من خلال توجه السلطات المغربية الى وضع التشريعات المنظمة للترجمة، وفتح بعض اقسام الوزارات للاستفادة من خريجي المدرسة. لذلك يجب القول إن المدرسة، وأقله، انتشلت الممارسة من الفوضى التي كانت تسودها من قبل. صحيح ان خريجي المدرسة حققوا نتائج جيدة في مباريات التراجمة المحلفين بأكثر من 80 في المئة سنوياً، وان المدرسة لا تؤهل إلا في الترجمة التحريرية، وليس في الترجمات الفورية الخاصة بالمؤتمرات مثلاً، غير ان استجابة الخريجين لسوق العمل ما زالت عالية". بحصر ميدان عملهم في الترجمة؟ "نحن لا نُكوّن مترجمين، ولكن قبل كل شيء عقولاً وذهنيات نريدها قادرة على العمل خارج ميدان الترجمة ان اقتضى الأمر. وان تستطيع التكيف مع سوق العمل بمرونة. لذلك نجد خريجي المدرسة يعملون في قنوات الاعلام، لأن مهمة المترجم هي ايضاً كتابة التقارير والتلخيصات مما يحتاج في الاعلام، وبطبيعة الحال لا يخفى ان المستقبل المهني يبقى دائماً هاجس الطلاب. لكن، يلاحظ ان للخريجين رأياً آخر، فهم لا يعانون من البطالة. الى ذلك تجب الإشارة الى ان الهدف يتجاوز المغرب، وعلى رغم ان طريق التحاق الطالب الاجنبي ما زال صعباً فقد حاولنا دائماً تشجيع وجود الاجانب في المدرسة، سواء بتسهيل مسطرة مباراة الدخول، أو بعقد اتفاقيات مع المؤسسات الاجنبية لتبادل الطلاب والتدريب. وقد استقبلنا بالفعل عبر سنوات العمل طلاباً من لبنان وموريتانيا والكويت ومن جزر القمر، كما من اسبانيا... فضلاً عن دورات التكوين الخاصة التي تقدم لغير الناطقين بالعربية موسمياً. فمع الطالب الاجنبي تعيش المدرسة تجربة حضارية. وهي تحتاج الى مزيد من الجهد في تحقيق تواصل مع تجارب من الخارج ومع الجوار الاسباني بالخصوص". مهمة الترجمة الآن؟ "أثناء دراسة مشروع مدرسة الترجمة لاحظنا ان الناس تتحدث عن الترجمة دون القيام بها. لا يمكن من دون ممارسة وصف طرائق الترجمة ولا مراجعة قواعدها. يوجد منظرون للترجمة وتوجد مجلات محكمة من بينها "ترجمان" التي تصدرها المدرسة، كما أنجزت رسائل جامعية في المغرب لدراسة خطابات الترجمة، غير ان ما نسعى إليه يهدف الى جعل الترجمة ممارسة قبل ان تكون خطابات وتنظيرات على أهميتها. وبمراجعة أبحاث الطلبة يمكن أن نلاحظ تركيزهم على الجوانب التطبيقية بنقل نصوص وكتابات من شتى ميادين المعرفة، هذا دون التفريط في الجانب الوصفي الذي تحتاجه كل دراسة لبعض المشاكل النصية للترجمة"