عُقد في كلية الآثار في جامعة القاهرة اخيراً مؤتمر دولي عن "الآثار الإسلامية في شرق العالم الاسلامي" شارك فيه باحثون من مصر والسعودية، وتناول على مدى يومين مواضيع شتى في مجالات العمارة والفنون والتصوير والتاريخ. ومن ابرز الابحاث التي ناقشها المؤتمر دراسة الدكتور محمد الكحلاوي الاستاذ في جامعة القاهرة التي تناولت للمرة الاولى السمات المعمارية المشتركة بين مساجد دهلي في الهند ومساجد المغرب والأندلس. وألقت الدراسة الضوء على بعض الشواهد المعمارية التي تؤكد وجود صلة كبيرة كانت تربط بين المساجد في المنطقتين، ظهرت بوضوح في مخططات بعض تلك المساجد، وكذلك في أشكال العقود المفصصة ومناطق انتقال القباب وفي اعمال التجصيص والمقرنصات وغيرها. وبيّن الكحلاوي ان تلك العناصر المتشابهة ظهرت نتيجة للصلات التجارية التي كانت تربط بين الهند وكل من المغرب والاندلس. ودرس الدكتور محمد حمزة، الاستاذ في جامعة الملك سعود، المساجد التيمورية الباقية في آسيا الوسطى، والتي تمثل طرازاً محلياً فرعياً نشأ في هذه المنطقة وتطور خلال قرون عدة حتى أصبحت له سماته الخاصة وشخصيته الواضحة، ومع ذلك لم يفقد صلته بالطراز الاسلامي العام. وظهر هذا الطراز بصفة خاصة في مدن بخارى وسمرقند ومرو وطشقند وخوقند وغيرها. ويعد العصر التيموري العصر الذهبي للعمارة في هذه المدن. وبيّن الباحث ان العوامل البيئية كان لها اثر كبير في عمارة المساجد التيمورية، بخاصة المناخ ومواد البيئة المتوافرة. وهذه المساجد تنقسم الى قسمين: صيفي مكشوف وشتوي مغطى، لأن المناخ في هذه المنطقة حار صيفاً وشديد البردوة شتاءً. وقدم الدكتور أحمد رجب دراسة عن منشآت شيرخان الافغاني في مدينة دهلي في الهند. وشيرخان الافغاني المشهور باسم "شيرشاه" أي ملك الاسود كان من زعماء الافغان، وهو من قبيلة سور الافغانية، وقد غزا الهند في ايام حكم الامبراطور المغولي همايون شاه، واستطاع إلحاق الهزيمة به العام 947 هجرية. ويعد السلطان شيرخان من أفضل السلاطين الذين حكموا بلاد الهند، فقد عمل على نشر الامن والطمأنينة في ربوع شبه القارة الهندية وطارد اللصوص وأقر القوانين ونظم الدواوين. وخلّف شيرخان قلعة حصينة تشتمل على بوابتين كبيرتين واسوار مرتفعة مزودة بمزاغل وسقاطات ومدعمة بالأبراج. وتحتوي هذه القلعة على مسجد كبير غني بالكتابات القرآنية وخزان مياه. واضاف السلطان همايون شاه الى هذه القلعة بوابة ضخمة ومكتبة ويرجع تاريخ هذه القلعة الى العام 1543م. ودرس الباحث شبل ابراهيم مدرسة براق خان في طشقند، والتي يرجع تاريخها الى القرن السادس عشر وأمر بإنشائها نوروز احمد أحد خانات الشيبانيين. وهذه المدرسة ذات نمط فريد في تخطيطها، اذ تتكون من صحن اوسط مكشوف، في الجهة الغربية منه يقع الايوان الرئيسي الوحيد للمدرسة، وهو ايوان مستطيل الشكل خال من الزخزفة، في صدره فتحة باب تفضي الى ضريح سيوينج خان الذي انشىء في تاريخ سابق على تاريخ انشاء المدرسة. ويستخدم الضريح حاليا كقاعة لعقد الجلسات الخاصة بالادارة الدينية لمسلمي آسيا الوسطى وكازاخستان. بينما تشغل الجهات الثلاث الاخرى خلوات للطلبة في طابق واحد، وتتقدم كل خلوة دخلة عميقة معقودة بعقد مدبب وفي صدر الدخلة فتحة باب تفضي الى الخلوة. ومن ابرز الابحاث التي قدمت في الندوة بحث "التصوير بالكلمات في الفن الاسلامي: الشكل والمضمون"، اعده الدكتور ايهاب ابراهيم. فالخط العربي يعد من اجمل الخطوط التي توصلت اليها الانسانية على مدى تاريخها الطويل، وتوافرت له مميزات ومقومات خاصة ما أكسب الخطاط العربي مرتبة بارزة بين خطاطي اللغات الأخرى. ويلقي هذا البحث الضوء على العلاقة بين فن الخط العربي وبين فن التصوير. وعرض الدكتور حسين رمضان، الاستاذ في جامعة القاهرة، لظاهرة استخدام الفنان المسلم الكتابات ذات الكائنات الحية على التحف المعدنية الشرقية في القرنين 12 و13. وهي ظاهرة فنية اقتصر وجودها على شرق العالم الاسلامي. ويُقصد بالكتابات المصورة في هذا البحث تلك الكتابات التي صورت فيها الحروف على هيئة كائنات حية. كما قد يتكون الحرف الواحد من تجميع أكثر من جزء من كائن. ويتتبع البحث نشأة هذه الظاهرة ومراكز وجودها خصوصاً في خراسان والموصل. وكان لبحث الدكتور جمال عبدالرحيم، الاستاذ في جامعة القاهرة، صدى واسع خصوصاً ان موضوعه ذو طابع جدلي، اذ تناول التأثيرات الفنية الزخرفية بين عمائر مصر وبلاد آسيا الوسطى في العصر المملوكي، ووجد ان هناك عناصر زخرفية ومعمارية متشابهة الى حد كبير من حيث الشكل والمضمون. ومن ابرز هذه العناصر الزخارف النباتية بأنواعها والزخارف الهندسية خصوصاً اشكال المعينات والاشكال النجمية، والزخارف الكتابية، وفي مقدمها الخط الكوفي المربع والمورق على ارضية نباتية. وألقى الدكتور محمد عبدالستار عثمان، الاستاذ في جامعة اسيوط، بحثاً عن الملامح المعمارية لمدينة ظفار ومراحل تطورها العمراني. ومدينة ظفار في سلطنة عُمان من اهم المدن الاسلامية التي أنشئت في القرن الخامس الهجري، واعيد بناؤها في القرن السابع الهجري. ولعبت دوراً مهماً في تجارة العصور الوسطى بعد ان اصبحت من اهم موانئ الساحل الشرقي للجزيرة العربية. وتحدث الباحث كذلك عن احدث ما تم الكشف عنه من آثار في ظفار خصوصاً مسجدها الجامع ومنازلها والعملات التي اكتشفت فيها