هل يمكن إيجاد مفهوم للتسامح الكردي - الكردي؟ إذا كان الجواب ايجاباً، فكيف السبيل الى ذلك؟ لمفهوم التسامح Toleration دلالات ومعان سياسية غنية في الفكر الغربي، وقد تم ترسيخه عبر مراحل تاريخية مختلفة، وهو انتاج ما بعد الحروب الدينية والايديولوجية التي مرت بها الشعوب الأوروبية، واستطاعت ان تستند عليها في عملية دمقرطة مجتمعاتها وتأسيس مؤسسات مدنية تشجع وتحافظ على حرية الأفراد. تختلف هذه الدلالات باختلاف الثقافات والأديان والسياقات السياسية، ومن الاستحالة ولادة أي مفهوم للتسامح في خضم الصراعات الايديولوجية، المستندة على الوهم، اذا لم توجد مقاطعة أو انعطاف فكري لطي صفحة تلك الصراعات. من الأسباب التي تعوق انتاج مفهوم فكري وسياسي واضح وصريح للتسامح في المجتمعات الشرقية الانغلاق على الذات وعدم القدرة على تجاوز التجارب والاخطاء الماضية المتراكمة، الانغلاق الذي يؤدي الى الثناء على الذات بوجود تبرير أو عدمه، ويكون هذا الثناء في أكثر الاحيان لذات محطمة، موهومة، تحاول ان تتمسك بقشة لانقاذ ما يمكن انقاذه أو تعجز عن امتلاك رؤية في تحديد القضايا الأولية ومعالجة الأمور في الوقت المناسب وبشكل حاسم. تحتاج الذات الكردية، في الوقت الحاضر وبالتدريج، الى عملية تجديد جذرية لمواكبة الصراع المؤثر الذي يشتد يوماً بعد يوم حولها. عملية كهذه يجب ان تستهدف اعادة ترتيب البيت الكردي الملطخ بالدم من طريق آليات ونظم جديدة قادرة على استيعاب ظواهر جديدة وقراءة محاور مستجدة في العالم المعاصر، وتوظف الامكانات الفردية وتطورها من أجل استعادة روح كانت على وشك النسيان. الذات الكردية في أمس الحاجة الى تغيير ذهنية التفكير السائدة والبدء بمشروع نقدي متكامل، ولا يمكن خطو أية خطوات بهذا الاتجاه ما لم نبدأ بانتقاد أفعال وسلوكيات هذه الذات انتقاداً بناء. عمل كهذا لا يحتمل التأجيل ويجب ان لا يقتصر على البنية السياسية السائدة، بل يمتد الى تفكيك التراكمات الثقافية الاجتماعية التي تستند اليها البنية السياسية الراكدة، وذلك بهدف تجاوز المعتقدات الاخلاقية والتاريخية الحالية والمفاهيم الوصفية والبدائية للتسامح وترسيخها في القاموس السياسي بشكل يصعب استغلالها من قبل الذين يقومون بادعاءات ايديولوجية فارغة من أي محتوى جوهري. من ركائز التسامح الاعتراف ليس بالخطأ وحده وانما بمراجعة شاملة وعدم تحميل الآخر هذه الذنوب وتبرئته من المسؤولية، فهذه من مزايا السلوك الغريزي الذي يعوق تبني أي مذهب عقلاني يهدف الى استعادة الشرعية السياسية والاخلاقية، فتكتسب الشرعية من طريق مخاطبة قضايا اساسية وأولية لا باتكاء على تراث ماض لا نجد امتداده في المستقبل، فالقادر على قراءة المستقبل والمراهنة عليه سيكون قادراً على اصلاحات ومواجهاً تحديات الذات الفعلية الآتية. ان عملية استرجاع الشرعية يجب ان تصطحب القرار والاتفاق السياسيين وذلك ببناء مشروع فكري نهضوي يستطيع ارشاد السلوك السياسي وتجسيد الصدقية في العمل الميداني. خلاصة القول، التسامح يعني في ما يعنيه التزام منظم لتسيير شؤون دولة أو مؤسسة، ولا يمكن إرساء هكذا التزام ما لم يكن هناك شعور قوي في اعتبار حقوق الآخرين والتنازل لهم تنازلاً شرعياً حسب شروط موضوعية تستوجب ذلك. هذا الالتزام لا يقلص من حرية الآخر انما يضيف الوعي للوظائف والحقوق التي يجب ان تؤخذ مأخذ الجد، فهناك علاقة تكاملية بين الالتزام والحرية، ومن طريق علاقة كهذه يمكن اعطاء الحرية للأفراد لممارسة وظائفهم وإلزام الاحزاب طاعة القانون أو الدستور. دعونا نردد نحن أيضاً مقولة فولتير: التسامح نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية، اننا جميعاً من نتاج الضعف. كلنا هشون ميالون للخطأ. لذا دعونا نسامح بعضنا البعض، ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل، وذلكم هو المبدأ الأول لقانون الطبيعة، المبدأ الأول لحقوق الانسان كافة. * كاتب كردي