تعرف وانا خالك اني كلما سمعت بعض الاعلاميين والمثقفين العرب يتحدثون في الندوات والمقالات والتلفزيونات والإذاعات عن تأثيرات "الانترنت" على الحياة الاجتماعية في العالم العربي، وكيف انها ستقضي على الفقر والجهل والمرض، تذكرت المثل المصري الجميل الذي يقول "اسمع كلامك اصدقك اشوف احوالك استعجب"؟ قلت له: وهل تشك في تأثيرات الإنترنت؟ قال: لا، ولكني أشك بوصول الإنترنت إلى الشعوب العربية بشكل يبرر هذا الاستنفار الإعلامي والدعائي، والذي يغيظني أكثر ان الذين يتحدثون عن تأثيرات "الانترنت" والفضائيات يعلمون اننا امة تعاني من الفقر والأمية، وان هناك ملايين الناس يتمنون الماء البارد ويفرحون بوجود ثلاجة تعمل على الحطب، ويحلمون برفع الرقابة عن مجلات "ميكي ماوس". قلت له: هذا كلام غير منطقي، ولكي تتأكد من ذلك راجع حجم الاستثمارت في مجال "الانترنت" الحالية والمقبلة في الدول العربية لكي تعرف حجم الخدمة الموجودة والمتوقعة في الدول العربية وبالتالي حجم التأثير المتوقع. قال: اي استثمارات الله يصلح حالي وحالك، اذا كانت مصر التي يزيد عدد سكانها عن 65 مليوناً بلغ عدد مستخدمي الانترنت فيها 145 ألفاً فقط، وحتى السعودية التي يزيد عدد سكانها عن 18 مليوناً، وتعتبر اهم سوق للكمبيوتر في المنطقة العربية، لن يزيد عدد الذين سوف يستفيدون من خدمة الإنترنت اذا بدأت ستبدأ الخدمة حسب التصريحات في 19 رمضان المقبل عن 120 الفاً حتى نهاية عام 99. هذه النسبة صادرة عن مسؤول حكومي في تصريح صحفي، اي انها لا تخلو من المبالغة الصحفية. واذا كان هذا في السعودية التي لا تزيد فيها نسبة الأمية عن "4ا في المئة" عند الرجال وتقل عن ال "35 في المئة" للنساء، فكم ستكون نسبة القادرين على التعامل مع التقنية واللغة الانكليزية للوصول الى خدمة الانترنت بشكل كامل في البلاد التي تصل الأمية فيها الى "60 في المئة"؟ ثم لماذا نفترض جدلاً ان الشعوب العربية كلها متعلمة و قادرة مادياً على تحمل تكاليف تأمين الاجهزة والاتصال. لهذا، المفروض ان نجعل هذا الاستنفار في الحديث موجهاً الى تأمين السكن والطعام والماء والعلاج، واذا بقي وقت آخر فثمة حاجات أخرى أهم من خدمة "الإنترنت" مثل حرية التعبير، وحماية حقوق المطلقات، ومنع تشغيل الاطفال وضرب الجماهير في ملاعب كرة القدم