غالباً ما يشكل اقتراب موعد اجتماع المجلس الاعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية فرصة لتقييم مسيرة مجلس التعاون: انجازاته، عثراته وتطلعات المرحلة القادمة. وغالباً ما تتعدد وجهات النظر، بين من ينكر الانجازات ويرى ان المجلس لم يتخط منذ انشائه حتى الآن المرحلة الاحتفالية، وبين من يرى انه ليس بالامكان افضل مما كان، وان المجلس حقق انجازات كبيرة على كل الأصعدة، وانه في ضوء الاوضاع السياسية والامنية الاستثنائية والازمات الاقتصادية المتتالية ما كان للمجلس ان يحقق اكثر مما حقق. وفريق ثالث يرى ان المجلس كان ضرورة لا غنى عنها، وان صموده منذ انشائه على رغم العواصف العنيفة التي هزت المنطقة يعني انجازاً جديراً بالاشادة. والملاحظ ان المجلس في بدايته قد انشأ مراكز ومؤسسات كان يمكن ان يكون لها دور اساسي في دفع العمل الخليجي الموحد، ولكنها تحولت في واقع الحال الى مجرد اسماء لا مضمون لها، واقتصرت ميزانيتها على رواتب موظفيها ومسؤوليها، كما ان المجلس في بدايته ايضاً توصل الى اتفاقيات في غاية الاهمية، كالاتفاقية الاقتصادية، ولم ينفذ من هذه الاتفاقية الا القليل، وتجمدت معظم نصوصها. والشيء نفسه يقال عن الاتفاقيات في القطاعات الاخرى، وهذا ليس تقليلاً من انجازات المجلس ولكنه تقرير لواقع الحال. في اجتماع المجلس الاعلى في الكويت في كانون الاول ديسمبر الماضي انشئت الهيئة الاستشارية للمجلس الاعلى، رغبة في توسيع قاعدة التشاور كما نص عليه في نظام الهيئة. وهذه الهيئة جهاز جديد يضاف الى الاجهزة الاخرى لمجلس التعاون، التي تجب الاشادة بها من قبل القيادات الخليجية، ونعمل كل جهدنا على انجاحها، وتقديم الرؤى التي تدفع بالعمل الخليجي المشترك الى الامام بما يتفق وارادة الشعب الخليجي وقياداته. لا سيما ان الهيئة ستعقد اجتماعها الاول اليوم في دولة الكويت. ومن المؤكد ان هذا التطور سيكون محل اهتمام من المراقبين والمتابعين لمسيرة المجلس، كما ستطرح اسئلة من نوع: هل التعيين هو الاسلوب الافضل، أم كان يجب ان تتم بالانتخاب؟ وهل هذه الهيئة ستشكل اضافة نوعية ام انها ستكون مجرد جهاز يضيف عبئاً بيروقراطياً جديداً لصناعة القرار في المجلس؟ وهل هذه الهيئة ستعطي فرصة للمشاركة الشعبية ام انها جهاز حكومي آخر؟ وهل سيتاح للهيئة مناقشة مواضيع حيوية واستراتيجية ام انه ستحال اليها مواضيع شكلية؟ وهل ستؤخذ توصياتها في الاعتبار ام انها ستبقى حبراً على ورق؟ وما علاقة هذه الهيئة بالبرلمانات ومجالس الشورى المحلية؟ وهل سيتم تطوير نظام الهيئة ومعالجة الثغرات التي تعتريه بحيث تصبح الهيئة جهازاً فعالاً ومقدمة لمشاركة شعبية ام سيبقى على ما هو عليه؟ ولا مناص من طرح هذه التساؤلات، في عصر الانفتاح الاعلامي حيث لا يمكن لحجر ان يترك من دون ان يُقلب. وهذه هي طبيعة عصرنا. ثم ان هذه الاسئلة ستطرح من قبلنا او من قبل الآخرين وهذه ظاهرة ايجابية يجب ان نتقبلها لنطلع على الآراء المختلفة بما يساعدنا على الرؤية الواضحة والتعامل مع المستقبل ومتطلباته وتحدياته بشكل موضوعي وعلمي. ولا يمكن النظر الى الهيئة الاستشارية بمعزل عن مسيرة الديموقراطية في دول الخليج العربية. فدولة الكويت اختارت النهج الديموقراطي وسارت عليه منذ استقلالها، عدا فترات متقطعة سواء بحل المجلس والدعوة الى انتخابات جديدة او تشكيل مجلس تشريعي معين لفترة قصيرة قبل غزو النظام العراقي للكويت. والتجربة الكويتية غنية وجديرة بالاعتبار، وهي تحقق الشفافية والمراقبة. ومجلس الامة هو السلطة التشريعية الى جانب السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، ولا ينقص هذه التجربة إلا قصرها على الرجال، مما جعل البعض يعتبرها "عرجاء" والبعض الآخر يعتبرها "ناقصة". وقد كان لي حديث طويل بهذا الخصوص مع الاخ الصديق احمد السعدون رئيس مجلس الامة الكويتي منذ بعض الوقت. اما المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة فقد اختارتا التعيين لمجالس استشارية، والبحرين اجرت انتخابات لبرلمان ولكن لفترة قصيرة ثم ارتأت الأخذ بنظام الشورى والتعيين. اما عمان فلها اسلوبها الخاص المتدرج والنابع من وضعها الاجتماعي، ويسجل لها اشراكها المرأة في مجلس الشورى العماني. اما دولة قطر فقد اختارت ايضاً التعيين لمجلس استشاري، ولكنها الآن تشهد ملامح تجربة خاصة بها وواعدة. فمنذ بعض الوقت رفعت الرقابة عن وسائل الاعلام وعن الصحافة. وتم انشاء محطة "الجزيرة" الفضائية المعروفة بجرأتها واتباعها المنهج الاعلامي المعاصر. وتم انتخاب مجلس ادارة لغرفة التجارة والصناعة لأول مرة بعد ان كان يتم بالتعيين. وقمة هذا الانفتاح تأتي في الدعوة لانتخاب المجلس المركزي كمقدمة للسير نحو الديموقراطية. وقد اتيحت للمرأة المشاركة في هذا المجلس سواء بالتصويت او الترشيح، ما يعتبر خطوة متقدمة في مشاركة المرأة في الحياة العامة وتطوراً اجتماعياً وثقافياً بارزاً. وعودة الى الهيئة الاستشارية وعلى ضوء الاسئلة المحتملة الطرح، وعلى ضوء تجربة دول الخليج العربية في الشورى او الديموقراطية، فاننا نعتقد ان نجاح هذه الهيئة وتحقيقها لاهدافها مرتبط بمجموعة من العوامل التي اذا توفرت ستعمل على خلق الثقة في هذا الجهاز العتيد والاحساس بتأثيره على مسيرة العمل الخليجي المشترك. ومن هذه العوامل اولاً ان تحال اليها من المجلس الاعلى مواضيع حيوية ومؤثرة على مسيرة مجلس التعاون لتعزيز مصداقية ابنائه به، سواء تلك القضايا ذات الطابع الاقتصادي وذات التأثير المباشر على مصالح المواطنين كالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية او القضايا ذات البعد الاستراتيجي كالعلاقات مع دول الجوار. العامل الثاني يتمثل في مستوى النقاش والحوار الذي ستشهده الهيئة للمواضيع المحالة اليها بحيث يتصف هذا الحوار بالعلمية والموضوعية والصراحة في الطرح، مما سيقود الى رؤى مدروسة ومقنعة تحقق الهدف المنشود. ولا شك في ان تشكيل الهيئة من مجموعة من الرجال الذين يتوفر فيهم الولاء والخبرة والدراية، ومعظمهم ممن خبر العمل الحكومي، وعلى اطلاع على الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لمجلس التعاون ما يعد بمناقشات موضوعية ورؤى واضحة تؤدي الى خلق الثقة في الهيئة وجدواها. والعامل الآخر هو مدى التجاوب مع ما تصدره هذه الهيئة من توصيات ورؤى مما يعزز من مصداقيتهاوثقة المواطنين في مجلس التعاون وأجهزته المختلفة. واخيراً، فان تطوير الهيئة ومعالجة ما يعتري نظامها من ثغرات امر في غاية الاهمية لنجاحها، خاصة وان الباب قد ترك مفتوحاً للدول لتقديم مقترحاتها للمجلس الاعلى لتعديل هذا النظام، بحيث نصل في نهاية المطاف الى المشاركة الشعبية المأمولة. وربما يوفر انشاء جهاز ابحاث مرتبط بالهيئة، يقيم علاقات مع مراكز الابحاث والجامعات الخليجية والعربية والاجنبية، المعلومة والمطبوعة والدراسة والبحث والاحصائية لأعضائه، بما يساعدهم على أداء عملهم على الوجه الاكمل، ويجعل توصياتهم ورؤاهم بالمستوى المطلوب. ولا اخال قادة الخليج الا داعمون لهذه الهيئة التي التقت ارادتهم السياسية على انشائها، ولا اخال اعضاء الهيئة الا باذلون كل جهدهم للتجاوب مع هذه الارادة لكي تنجح هذه الهيئة وتكون مثلاً يحتذى للسير عليه من قبل المنظمات الاقليمية الاخرى، فربما يكون في انشاء هيئة استشارية عربية للجامعة العربية ما يشكل مدخلاً لاصلاحها. * كاتب قطري ووزير سابق، عضو الهيئة الاستشارية في مجلس التعاون الخليجي