يروى عن الرئيس الراحل فؤاد شهاب أنه كان يسأل من يستشيرونه، بعد خلاف على تنفيذ أمر ما :"ماذا يقول الكتاب؟" ليحسم الأمر المختلف عليه. وكتاب الجمهورية الحالي دستور معدل منبثق من اتفاق الطائف، طُبق في الأعوام التسعة السابقة، وسط مآخذ على تطبيقه، اما لتناقض او التباس بين بعض مواده، واما لسوء تنفيذ، واما لاختصار الحكم ب"ترويكا" قيل فيها ما لم يقل مالك في الخمرة. وبعد تسع سنوات، عهد جديد ورئيس قال أنه سيكون تحت القانون، وسيكون بالتالي الدستور كتابه. ومن اليوم الأول فتح الكتاب، وكلف الحكومة السابقة تصريف الأعمال ريثما تشكل أخرى، على رغم ان الدستور يعتبرها مستقيلة حكماً فور انتخاب رئيس جمهورية جديد. قد يكون البعض فوجئ بالخطوة ربما لأن الأعوام السابقة أنسته ممارسات وتقاليد دستورية عدة. ولكن هكذا يقول الكتاب. وفي الكتاب أيضاً نص المادة ال53 عن استشارات ملزمة يجريها رئيس الجمهورية مع النواب لتكليف من يرجحونه تشكيل الحكومة. وفي الأيام الأربعين الفاصلة بين الإنتخاب والتسلم، برز خلاف على تفسير المادة، وخصوصاً على كلمة "ملزمة"، ربما كانت شرارته تصريحاً للنائب ايلي الفرزلي قبل نحو شهر، ان نواباً كثراً سيتركون خيار تسمية رئيس الحكومة للرئيس الجديد. عجب البعض لنشوب هذا الخلاف، ووصفه البعض الآخر بالمفتعل، وقلل البعض الثالث من أهميته، فبدا أن ثمة أزمة في الأفق قيل إن دمشق تدخلت لنزع فتيلها... حتى كانت الإستشارات أول من أمس وأمس، وما نتج عنها. صحيح أنها أسفرت عما هو متوقع، أي تسمية السيد رفيق الحريري، ولكن بأي ثمن؟ وهنا بيت القصيد. فالكلام كثير على أحجام جديدة في العهد الجديد، بعدما تفاوتت بين أعضاء الترويكا في العهد السابق. وكان ثمة تفسير لخلفيات الأزمة التي لم تقع، ان المقصود منها عدم إظهار الحريري قوياً كثيراً وجعله مديناً بتكليفه للرئيس الجديد، خصوصاً ان شكل الإستشارات الذي لم يتح للنواب التصريح من قصر بعبدا، ابقى غموضاً على مواقف بعضهم ... فهل ما قام به الرئيس الجديد مجرد قراءة في الكتاب، أم معركة أحجام بدأت بين قويين، يراقبهما من بعد قوي ثالث، في يده "عصمة" الثقة بالحكومة، وينتظر أن تحدد نتائجها مسار العهد