في الثامن والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر 1943، اكتمل عقد الحلفاء الكبار الثلاثة في طهران، والحلفاء هؤلاء هم، بالطبع، ستالين، روزفلت وتشرشل. وفور اكتمال ذلك العقد بدأ الثلاثة اجتماعاتهم التي انتهت يوم الأول من كانون الأول ديسمبر. ومنذ البداية كان من الواضح ان أعداء هتلر الثلاثة، يأملون من اجتماعهم الايراني ان يساعدهم على الاتفاق على الطريقة التي يمكنهم بها ان يسحقوا المانيا وينهوا هتلر من الوجود، في وقت كانت رياح الحرب فيه بدأت تنقلب لصالحهم. قبل ذلك بعام كان اليأس واضحاً في تصرفات الحلفاء. كان هتلر يسجل الانتصار تلو الآخر. أوروبا كلها تحت سيطرته، وجيوشه تغزو مدن الاتحاد السوفياتي مدينة بعد أخرى. والحلفاء لا يجدون أي سبيل للوصول الى أي انتصار حقيقي لا في البحر الأبيض المتوسط ولا في شمال افريقيا، وأقل من ذلك - بالطبع - في أقاصي شرق آسيا، حيث سيطرة اليابانيين تزداد. ولكن، بعد ذلك، وتحديداً من بعد الهزائم التي تلقتها القوات الالمانية في الاتحاد السوفياتي، على أبواب موسكو وستالينغراد تبدلت الأوضاع. وكان من رأي الحليفين الغربيين الرئيسيين، تشرشل وروزفلت ان السوفيات لم يتمكنوا من الصمود ثم الانتصار، بعد هزائمهم العديدة، إلا بفضل العون الذي قدمته لهم واشنطن ولندن. من هنا كان المطلوب من ستالين ان يعترف بذلك في طهران. وكان المطلوب أيضاً ان تبنى استراتيجية متكاملة مستقبلية انطلاقاً من ذلك الاعتراف. فهل كان ستالين في ذلك الوارد؟ كان ذلك هو السؤال الذي يقض مضاجع سيد "البيت الأبيض" وشاغل "10 داوننغ ستريت"، ولا سيما حين وصل الاثنان الى طهران قبل موعد المؤتمر بيومين ليتباحثا معاً، في أفضل السبل التي يمكن بها "تدجين" المارشال السوفياتي العتيد. وتبين لهما ان الوسىلة الأفضل هي التأكيد له بأن "فتح الجبهة الثانية" سيتم خلال العام المقبل. وفتح الجبهة الثانية كان بالنسبة الى تحرك الحلفاء، تعبيراً يقصد منه الإنزال في فرنسا بغية صرف القوات الالمانية بشكل نهائي عن الاهتمام بالجبهة الشرقية. وهذا كان مطلباً من مطالب ستالين. ولكن هذا الأخير كانت له مطالب أخرى معظمها يتعلق بفترة ما بعد الحرب، أي ما بعد انتصار الحلفاء، ومن تلك المطالب، ان يعاد رسم الحدود الالمانية بشكل يرجح وجود السوفيات في تلك المنطقة من العالم. وخلال المؤتمر لم يبد روزفلت وتشرشل أي اعتراض على "ذلك المبدأ" - حسب وصف ستالين - مهما يكن فإن ستالين بدا خلال المؤتمر الأكثر تفاؤلاً بين الثلاثة والأكثر ابتساماً ويروى ان ابتسامته وصلت الى حدها الأقصى ذات لحظة حين تجرأ ووصف تشرشل بأنه ديكتاتور. وحين اصطنع تشرشل الغضب والاستياء من ذلك الوصف "الذي لا يمكن ان ينطبق الآن على أي منا. فهتلر هو، وحده الديكتاتور"، اصطنع ستالين ابتسامة عجيبة تعني انه انما كان يمزح لا أكثر... في الصورة: الحلفاء الثلاثة خلال مؤتمر طهران. بشكل أكثر جدية قال ستالين انه الآن مؤمن بأن الحلفاء سيحققون النصر، خصوصاً وان "الأصدقاء الاميركيين بدأوا يصنعون نحو 8000 مدرعة في الشهر، فيما ها هي كل من انكلترا والاتحاد السوفياتي يصنعان معاً ما يصل عدده الى 6000 مدرعة" مع مثل هذه المدرعات، قال ستالين، "يبدو لي اننا حققنا الانتصار مسبقاً". وبما ان النصر تحقق، أكد الزعماء الثلاثة في طهران، من جديد "الميثاق الاطلسي"، كما أكدا ان الاتحاد السوفياتي سيظل يتمتع بدعم كبير من جانب حليفيه. ولأن المؤتمر كان معقوداً في طهران، لم يفت الحلفاء ان يهنئوا "ايران على المساهمة التي قدمتها في الحرب" واصفينها بأنها "جسر انتصار الحلفاء". والحقيقة ان ايران كانت لعبت دوراً موارباً في الانتصار الذي حققه السوفيات على الالمان، حيث ان القسم الأكبر من المؤن والاعتدة، التي كان الحلفاء زودوا بها الاتحاد السوفياتي لإعانته على إلحاق الهزيمة بهتلر، كان يمر عبر ايران، وخصوصاً من بعد اعتزال رضا شاه تحت ضغط الحلفاء، ومجيء ابنه محمد رضا الى الحكم، حيث صار في وسع البريطانيين ان يتصرفوا كما يشاؤون، هم الذين كان يغيظهم قبل ذلك التباس مواقف رضا شاه وميله أكثر وأكثر ناحية الألمان. باختصار، بعد ان توافق الحلفاء وهنأوا بعضهم البعض، وعدوا ايران بأنها ما ان تنتهي الحرب حتى يكافئوها بمنحها السيادة الكاملة. ونعرف بالطبع ان ذلك لم يحصل، بل حصل ما هو عكس ذلك، اذ ما انتهت الحرب حتى غزت القوات السوفياتية من جهة، والانكليزية من جهة، اراضي ايران. لكن تلك حكاية اخرى