عقد المجلس الأعلى المصري للثقافة بالتعاون مع وزارة الثقافة والتعليم الاسبانية مؤتمراً دولياً في مكتبة القاهرة الكبرى تحت عنوان "لوركا والثقافة العربية". واكب المؤتمر الاحتفال بالذكرى المئوية لمولد الشاعر الاسباني فيديريكو غارثيا لوركا، وشارك فيه باحثون ونقاد من مصر واسبانيا والمغرب وتونس ولبنان وسورية. وفي هذا الإطار، أصدر المجلس - ضمن سلسلة "المشروع القومي للترجمة" - في مجلدين "الأعمال الشعرية الكاملة للوركا مترجمة الى العربية من اللغة الاسبانية مباشرة، قام بترجمة المجلد الأول محمود علي مكي، والثاني محمود السيد علي وماهر البطوطي. وأصدر المجلس ترجمة عربية من الاسبانية أيضاً لمسرحيتي لوركا: "حتى تمضي خمس سنوات"، "و"ماريانا نابينيد"، وقام بترجمتهما محمد أبو العطا. بدأت الجلسة الافتتاحية بجدل حول ظروف مقتل لوركا في 20 آب اغسطس 1936 ودلالاته: إذ شدد كل من الدكتور احمد هيكل، استاذ الأدب الأندلسي وزير الثقافة المصري السابق، والدكتور جابرعصفور، أمين عام المجلس الأعلى المصري للثقافة - على ان لوركا قُتل لأسباب سياسية، إلا أن الدكتور محمود علي مكي، الذي يعد من أبرز دارسي تراث لوركا، رأى أن الأخير لم ينتم في حياته إلى أي تيار سياسي، وأن قتله يعود الى أسباب شخصية وليست سياسية. وذهب عصفور في رؤيته لدلالة قتل لوركا الى حد مقارنة ذلك بالمحاولة الفاشلة لاغتيال نجيب محفوظ التي نفذها متطرف إسلامي قبل أربع سنوات. وقال عصفور: "إننا نحتفي بلوركا لأنه يجسد معنى الموت الذي يغدو حياة"، فقد اغتال الارهابُ السياسيُ لوركا الجسد، لكن دماءه تحولت إلى طائر أخضر المنقار يبشر بالحرية والعدل"!. وتساءل مكي في تقديمه لترجمة الأعمال الشعرية للوركا عن ما ترجع إليه المكانة التي تبوأها الأخير في عالم الأدب؟ ورأى أن تلك المكانة لم تتبلور بمعزل عن أسطورة "المناضل السياسي" الذي أصبح "استشهاده" راية يرفعها أعداء النظام السياسي الذي قدَّر له الانتصار في الحرب الأهلية الاسبانية. وبرغم ذلك، لاحظ مكي أن قيمة أدب لوركا في حد ذاتها لم تكن بحاجة إلى مثل هذه التفسيرات، لكي يتبوأ المكانة الرفيعة التي جعلت منه ذلك العلم الشاهق في دنيا الآداب الأسبانية. واستشهد مكي في التدليل على يقينه من عدم وجود دوافع سياسية وراء مقتل لوركا بما ورد في كتاب الباحث والمؤرخ خوسيه بيلاسان خوان "مقتل لوركا: كل الحقيقة"، والذي نال عنه جائزة "مرآة أسبانيا" في السنة نفسها التي صدر فيها 1975، "لما اتسم به من دقة وموضوعية" حسب حيثيات الجائزة. وإزاء ذلك تمنى الشاعر كلاوديو جيم، في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية نيابة عن الباحثين الأسبان المشاركين في المؤتمر، "التركيز على الدرس المقارن بين الأدب العربي والأدب الاسباني، وتأثيرات لوركا في الشعر العربي المعاصر باعتباره شاعراً عبقرياً من قامة رامبو وراند يللو، لجهة اهتمامه بالانسان في كل مكان". وتأثراً بعنوان كتاب خوسيه بيلاسان خوان - الذي أشار إليه الدكتور مكي - ومضمونه عرض الدكتور أحمد عبدالعزيز في جلسة العمل الأولى بحثاً عنوانه "أسطورية لوركا عند العرب - كل الحقيقة". وتناول عبدالعزيز في هذا البحث الفكر السياسي المناهض للفاشية، الذي اتخذ من مقتل لوركا على يد قوات فرانكو رمياً بالرصاص عشية اندلاع الحرب الأهلية الأسبانية باعثاً ثورياً ونضالياً، تلقفته الدوائر اليسارية في العالم والتقدمية في عالمنا العربي. ثم انتقل ب"الاسطورة" من تشكلاتها السياسية الى البنية الأدبية التي تلمّسها في أسطورية حياة لوركا العربية والغجرية التي انعكست في أدبه وثقافته. ولاحظ أن "الأسطورة" انتقلت الى الطرف المقابل عند العرب أنفسهم لنرى تشكلاتها في الفكر النقدي - الابداعي الحديث الذي أخذ على عاتقه النهوض بشكل الشعر العربي، واستلهم من لوركا نموذجاً حداثياً". ورأى أن اهتمامات الوسطاء والمترجمين السياسية والجمالية اثمرت "ترجمات منحرفة وغير أمينة" لأعمال لوركا الشعرية والمسرحية على السواء. وشارك الباحث السوري صالح علماني في المؤتمر بمداخلة حول ترجمات أعمال لوركا الشعرية في سورية ولبنان، والتي تمثلت حتى الآن في أربع مجموعات هي: "مختارات من شعر لوركا" لعدنان يغجاني وصدرت في دمشق عن وزارة الثقافة السورية سنة 1964 و"لوركا، الأغاني وما بعدها" لسعدي يوسف، وصدرت في بيروت عن دار ابن رشد سنة 1981، و"مختارات من لوركا" لنادية ظافر شعبان، وصدرت في بيروت عن المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع سنة 1981. أما المجموعة الأخيرة فحملت عنوان "فدريكو غارسيا لوركا: قصائد حب" فترجمها رفعت عطفة، وصدرت في طرطوس عن دار "آدوار" سنة 1998. وأشار علماني إلى أن هناك ترجمة قيد الطبع لمختارات شعرية أخرى للوركا قام بها مروان حداد وستصدر قريباً في دمشق عن وزارة الثقافة السورية. وأبدى علماني ملاحظات عدة على الترجمات الأربع الأولى في مقدمها أن ترجمة بغجاتي وسعدي يوسف تتطابق تماماً في اختيار القصائد نفسها وفي تسلسلها، بينما تقدم اختيارات نادية ظافر شعبان ورفعت عطفة بعض التنويعات، ولكنهما تلتقيان مع المجموعتين السابقتين في معظم القصائد المنتقاة. ولاحظ علماني كذلك أن المترجمين الأربعة سعوا جاهدين الى نقل النص "بأمانة مطلقة" ومحاكاته كلمة كلمة، ما يجعل الترجمات الأربع نسخاً مكرورة في معظم الأحيان، هذا فضلاً عن أنها جميعاً مترجمة عن لغة وسيطة. وفي حين أجمع غير باحث على تأثير لوركا الواضح على إبداعات عدد كبير من رموز الشعر العربي الحديث في المشرق العربي، أمثال صلاح عبدالصبور ومحمود درويش وسعدي يوسف وأحمد عبدالمعطي حجازي وعبدالوهاب البياتي ونزار قباني، لاحظ الشاعر والباحث المغربي المهدي أخريف أن الصورة تبدو مغايرة على الساحة المغاربية، برغم انها الأقرب جغرافياً الى البيئة الأدبية الأسبانية. ولخص أخريف مداخلته في هذا الشأن بالقول إنه "ينبغي الحديث بالأحرى عن غياب لوركا أكثر مما عن حضوره لأن تمثلاته داخل الديوان المغربي المعاصر محدودة من حيث الفاعلية التناصية". لكن الباحثة المغربية فاطمة طحطح ذهبت في مداخلة لها حول الموضوع نفسه الى أن هناك "تيمات" عدة يرتبط بها الحضور اللوركاوي المباشر نسبة الى لوركا في الشعر المغربي المعاصر، منها الحنين إلى الأندلس، سواء على مستوى الزمان أو المكان، وما يمثله بعض المدن الأندلسية المفقودة كاشبيلية وقرطبة وغرناظة خصوصاً في الوجدان العربي، وهو الأمر الذي يستدعي - حسب الباحثة - مقارنات عدة بين غرناطة العرب، وغرناطة لوركا، وغرناطة الفاشيست. ومن تلك "التيمات" ايضاً استحضار لوركا في سياق التغني بثورة عبدالكريم الخطابي، وبمعركة "أنوال" على وجه الخصوص، التي اندحر فيها الأسبان. وتشير طحطح الى أن هذه "التيمة" تتكرر خصوصاً لدى الشعراء أحمد صبري، وعبدالله راجح، وأحمد الطريبق ومحمد الأشعري