بلدية بيش تواصل تحسين الطرق ورفع كفاءة البنية التحتية في طريق الملك عبدالله    جمعية مرفأ للخدمات الأسرية تنظم "العيادة المجانية" للاستشارات النفسية والأسرية والقانونية بالتعاون مع شركة إثراء البينة وبيت الثقافة    هيئة الطرق توضح نظام ترقيم أنواع الطرق في المملكة    وزيرة الدفاع الغابونية: مبادرة "كفاءة" تجسد الشراكة بين الغابون والتحالف الإسلامي    جمعية لياقة الرياضية بالشمالية تنظم ورش عمل رياضية متخصصة في النصف الأول من شهر أكتوبر    د. السليمان يدعو إلى رفع نسبة توطين "المختبرات الطبية" إلى 90%    "واعي جازان" ينظّم ورشة (الطريق إلى النجاح) بالتعاون مع بنك التنمية الاجتماعية    نجاح لافت للنسخة الخامسة من "ليلة اللغات الأوروبية" في الرياض    تجمع الرياض الصحي الأول يواصل قوافله الطبية بوادي الدواسر    القيادة تهنئ رئيس أذربيجان بذكرى يوم إعادة الاستقلال    موسم جدة 2025 يطلق موجة الرعب والتشويق هورور كون    مسؤول أممي: الوضع الإنساني في غزة كارثي    المركزي الروسي يرفع سعر صرف الدولار إلى 80.98 روبلًا    انطلاق النسخة الرابعة من بطولة حائل الدولية لجمال الخيل العربية الأصيلة في نوفمبر المقبل    شارع السمحانية يجمع بين الطراز النجدي الأصيل والمعاصرة الحديثة    الشؤون الإسلامية بجازان تنظم محاضرة نسائية بقرية المدرك بعنوان «خطورة هجران القرآن الكريم» مساء اليوم    تُعلن شركة معاهد طيبة العالية للتدريب عن استحواذها على أكاديمية "إلسو" لتعليم اللغة الإنجليزية (ELSO)    ضبط أكثر من (23) ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    أمانة الطائف تطرح حديقة الملك فيصل للاستثمار    عمادة الدراسات العليا والبحوث تطلق برنامج "التمكين البحثي المتقدم" لتعزيز جودة البحث العلمي    البركة الخيرية" تخدم أكثر من 38 ألف مستفيد خلال الربع الثالث 2025    أكتوبر يجمع نجوم الصيف والشتاء في سماء عرعر    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    بحضور السواحه.. الطلاب السعوديون يحتفون بالبروفيسور عمر ياغي    يايسله مدرب الأهلي: أداؤنا غير متوقع أمام الشباب    مدرب الشباب: الحكم أهدى الأهلي ركلة جزاء    الشباب يخطف نقطة ثمينة من الأهلي في دوري روشن للمحترفين    زيلينسكي يعرض تزويد أميركا بآلاف المسيّرات مقابل صواريخ «توماهوك»    القبض على يمني لترويجه مادة الحشيش المخدر في عسير    بنزيما يعتذر لجماهير الاتحاد    وزير الصحة يختتم مشاركته في أعمال الدورة 72 للجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط    أكثر من 13 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال أسبوع    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ حملة التطعيم ضد الانفلونزا الموسمية    ليلة طرب.. السلطان وموضي والطلاسي يشعلون حماس جماهير جدة    جمعية عطاء تواصل تنفيذ برنامج "نور قناديل" لتعليم الأمهات    سالم الدوسري يُعلق على جائزة الأفضل في آسيا    خطيب المسجد النبوي: الدعاء سلاح المؤمن وسبيل الثبات في الشدائد    خطيب المسجد الحرام: العبد الموفق يعيش في خير لم يسأله ونعيم لم يتوقعه    سخاء المدني أول سعودية متخصصة في طب الفضاء والطيران    هل استقام ظل لسلام الشرق الأوسط    سباق الذكاء الاصطناعي تنافس بلا خط نهاية يهدد التوازن العالمي    د. عبدالحق عزوزي يترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية    آل الشيخ ل"الوطن": المملكة تسعى لنشر الإسلام الوسطي المعتدل في شتى أنحاء العالم    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الشيخ العامري    14 عالماً من جامعة الفيصل ضمن قائمة ستانفورد لأفضل 2% من علماء العالم    أمير القصيم يرعى حفل تخريج 167 حافظًا لكتاب الله    مائة معلم سعودي يشرعون في دراستهم بالصين لاستكمال برنامج ماجستير تعليم اللغة الصينية    رئيس أمن الدولة يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    لضمان تنفيذ وقف النار.. استعدادات لنشر قوة دولية في غزة    بوتين للشرع: حريصون على استقرار سوريا.. تعاون ومشاريع شراكة بين موسكو ودمشق    ضبط مليوني قرص إمفيتامين بشحنة مكسرات    المرور السعودي: 6 اشتراطات لسير الشاحنات على الطرق    أنف اسكتلندي.. حبة بطاطا    البرد يرفع مستويات السكرفي الدم    العمري يبحث احتياجات أهالي صامطة    أمير مكة: مشروع بوابة الملك سلمان يعكس اهتمام القيادة بالتنمية في المنطقة    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيروت : الحرب والسلام وسؤال الدور
نشر في الحياة يوم 02 - 11 - 1998

تركت بيروت عام 1989 لأن سؤال مستقبلها الصعب ارهقني: كان المتحمسون سعداء يعيشون حربها الطويلة بحقيقية فيفرحون لپ"انتصاراتهم" ويحزنون لپ"هزائمهم" وكنت في الحالين فاقد الحماسة كمن يقف على أرض رخوة، ولم أكن وحدي، بل شاركتني هذا الموقف الصعب اكثرية صامتة من اللبنانيين احتفظت بالاعراف في فترات الفوضى وجعلت احترام الانسان في الحد الادنى، امراً ممكناً.
وبيروت بدأ خرابها في العام 1976 لا مع الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 كما يحلو لكثير من العرب والأجانب ان يقولوا، حين اختيرت مكاناً لصراع اقليمي عربي - عربي وعربي - اسرائيلي يفوق قدرة اللبنانيين على الاحتمال ويعلو على مستوى الصراعات الاهلية الفولكلورية التي لازمت الكيان اللبناني في شكله الجبلي المصغر ثم في لبنان الكبير.
لكننا نكتشف بيروت اكثر حين نبتعد عنها، وحين نرى سحرها في عيون عرب واجانب مروا بها، وهذا السحر - في رأيي - ناتج عن ان بيروت آخر مدينة متوسطية كوسموبوليتية. كانت الاسكندرية قبلها تحمل هذه الميزة، لكن المركزية المصرية في العاصمة القاهرة وسياسة التمصير التي انتهجها النظام الناصري في الخمسينات واتبعها بالقرارات الاشتراكية في الستينات، افقدت الاسكندرية ميزتها وجعلتها مدينة طرفية "تطرد" الجاليات العربية والاجنبية الى بلادها الاصلية او الى ما وراء المحيط الاطلسي.
بيروت احتفظت بكوسموبوليتيتها حتى بداية الحرب اللبنانية، فكنت ترى فيها رواسب جاليات فرنسية ويونانية وايطالية ومالطية، مع لاجئين متوطنين من اعيان اسطنبول العثمانية ومن الأرمن ومن الروس والبولونيين البيض ومن مسيحيي لواء الاسكندرون.
هذه الكوسموبوليتية تأهلت لها بيروت منذ نهضتها الاولى في اربعينيات القرن التاسع عشر، حين اخذت تحل محل صيدا كمدينة رئيسية على الساحل الشرقي للمتوسط، وانطلاقة هذه النهضة بدأت مع هجرة مثقفي جبل لبنان الى بيروت تاركين قراهم التي ابتليت بالصراع الاهلي الدموي الاول بين الدروز والموارنة وتقسيم الجبل الى قائمقاميتين على اساس ديني.
هنا لا بد من الاشارة الى ان التحديث عن طريق التعليم الاوروبي والاميركي ابتدأ في الريف اللبناني الجبلي قبل أن يصل الى المدن المغرقة في عثمانيتها اي في تقليديتها، وقد ورث اللبنانيون هذا الوعي بحداثة الريف وتقليدية المدينة. وهم في هذا المعنى يتميزون بتاريخ ثقافي مغاير لمثيله في سائر العالم العربي الذي عاش ويعيش تجربة حداثة المدينة وتقليدية الريف.
لكن بيروت عاشت طفرة حداثتها مع انشاء اسرائيل عام 1948 ونتائجه في العالم العربي، فإلى جانب مخيمات الفلسطينيين النازحين الى لبنان، قدمت حيفا الى بيروت كفاءات متقدمة في المجال المصرفي وفي شركات التأمين وفي مجال النفط انابيب النفط وفي شركات كبرى كانت تعمل انطلاقاً من فلسطين مثل شركتي CAT وCCC.
كما ان الليبرالية المصرية التي دمرها النظام الناصري وكذلك البورجوازيات المشرقية التي "طردتها" الانقلابات المتلاحقة في سورية والعراق قدمت الى بيروت كفاءات عالية وامكانات مالية اتاحت تكوين قاعدة لمدينة منفتحة تلعب دور العاصمة الاقتصادية والثقافية للعالم العربي.
مدينة لحضور تيارات المنطقة وتفاعلها وانفتاحها على العالم، لكن بيروت لعبت دور الساحة الحرة والمنشّطة اكثر من لعبها دور المبدع وصاحب الرسالة، وهناك فكرتان اساسيتان ابدعهما لبنان الحديث ولم يتح لهما التأثير في المنطقة العربية: الفكرة الاولى هي الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي طرح وحدة الهلال الخصيب لتكون نواة تتعاون مع ثلاث مجموعات اجتماعية عربية هي: شبه جزيرة العرب ووادي النيل والمغرب العربي، فلم ينتشر فكر هذا الحزب خارج لبنان إلا قليلاً.
والفكرة الثانية هي بناء الدولة المعترفة بالطوائف كحل لمشكلة لنزاع الطائفي اللبناني والاثني الكامنة في المشرق العربي خصوصاً. لكن النظام الطائفي اللبناني، على رغم ايجابياته الكثيرة، لم يدرسه المفكرون العرب درساً كافياً واكتفوا بتحقيره في ضوء افكار شمولية قومية ويسارية.
والآن يعاد بناء وسط بيروت التجاري بطريقة بناء وبنظم علاقات اميركية. وقد ينجح هذا الامر شكلاً، لكن مستقبل بيروت كمركز لبناني وعربي ودولي يبقى سؤالاً معقداً، لأنه مرتبط بمصير الصراع العربي - الاسرائيلي: السلام أو حال الحروب الموسمية، وفي الحالين هناك تعقيد.
ففي السلام المأمول صعب على بيروت ان تنافس تل ابيب في الانفتاح وفي لعب دور مركز للشرق الاوسط، وإذا تعلّل البعض بكفاءات اللبنانيين ففي إمكان المؤسسات الاسرائيلية ان تستفيد من هؤلاء بتوظيفهم اوالتعاون معهم كمندوبين وعناصر اتصال وعلاقات عامة… وفي الحرب، يبدو ان بيروت ستبقى مدينة لإدارة الأزمات المرهقة.
ما يقوم به اللبنانيون الآن هو حركة حياة مطلوبة من شعب حي. واذا كانت الآفاق مسدودة في هذه المرحلة فربما انفتحت آفاق جديدة في مرحلة جديدة لا نعرف شروطها بعد.
السؤال الصعب يواجهه اللبنانيون بالعمل من دون سؤال او في الحد الأدنى للسؤال، خصوصاً انهم يتعاملون مع داخل عربي وإسلامي شمولي يطرد كفاءاته الحديثة ويشير الى كونه مجرد ساحة استهلاك للبضائع وللأفكار الجاهزة.
للمدن أعمار، ولكن، قد تتجدد الأعمار كما هو طائر الفينيق ينهض من رماده الى حياة جديدة وخفق جناحين.
جواب غنائي؟
نعم، فبيروت التي بنى حداثتها وانفتاحها ريفيون، هي ابنة هذا الغناء الذي يجعل الحياة محتملة والبراءة قادرة على الانتصار، على رغم وطأة الكذب والبغضاء التي تعم شرقنا التعس.
* كاتب لبناني من أسرة "الحياة". والنص مساهمة في ملف عن بيروت تنشره اليوم المجلة الفصلية "قنطرة" التي يصدرها بالفرنسية معهد العالم العربي في باريس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.